مزاد للأعمال المبتكرة بالذكاء الصناعي يثير قلقا على الإبداع البشري

نيويورك - بعد جدل استمر لنحو أسبوعين حول الذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية ومدى تأثير التكنولوجيا على الإبداع البشري، اختتمت دار “كرستيز” الشهيرة أول مزاد مخصص بالكامل لأعمال مُبتكرة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، بنتائج متفاوتة جدا.
وفي هذا المزاد الذي حمل عنوان "أوغمنتد إنتليجينس" أي "الذكاء المعزز"عرضت الدار نحو عشرين قطعة للبيع، اعتمد أصحابها على الذكاء الاصطناعي كمكمل لعملهم الفني، وتتنوع المعروضات بين اللوحات والمنحوتات، والصور الرقمية، وحتى الشاشات العملاقة، لكنها أعمال عارضها فنانون “تقليديون” ووصفوها بأنها “سرقة جماعية” متهمين أصحابها بأنهم استخدموا نماذج ذكاء اصطناعي دربت على أعمال محمية بحقوق الملكية الفكرية دون إذن.
ولم تتلق 14 قطعة من بين 34 عُرضت للبيع عروضا كافية أو بيعت بمبلغ أقل من الحد الأدنى للسعر التقديري الذي حددته “كريستيز”، خلال المزاد الذي أقيم عبر الإنترنت واستمر 14 يوما.
وحقق عمل تحريكي لرفيق أناضول، أحد أشهر الفنانين الرقميين في العالم، أفضل سعر (277200 دولار) وأتى أعلى من السعر التقديري.
ولم يُبع عمل للأميركي بيندار فان أرمان رغم أنه كان من أبرز القطع المعروضة في المزاد.
عدد من الفنانين اعترضوا على تنظيم مزاد "الذكاء المعزز" وطالبوا في عريضة جماعية بحماية الإبداع البشري
وبيع عمل للأميركي تشارلز سوري (1922 – 2022) الذي يُعد أحد رواد “فن الكمبيوتر”، في مقابل 50400 دولار، أي أقل من تقديرات الدار التي تراوحت بين 55 ألف دولار و65 ألفا.
ورأت نيكول سايلز جايلز، المسؤولة عن مبيعات الفن الرقمي لدى دار “كريستيز”، أن نتيجة المزاد “تؤكد” مع ذلك أن جامعي الأعمال الفنية وعامة الناس “أدركوا تأثير وأهمية” الفنانين المختارين.
وقال ستيفن ساكس، مؤسس معرض “بيتفورمز” في نيويورك، ”كان يمكن أن يكون الاختيار أفضل مع أعمال تمثل الوسائط الجديدة والذكاء الاصطناعي.” وأضاف “لكن السؤال الفعلي هو ما إذا كان ينبغي أن تُطلَق هذه المزادات في المرحلة الراهنة (…) إذ لا تزال هناك حاجة إلى تثقيف الناس، وفهم تاريخ هذه الوسيلة، وبالنسبة إلى الفنانين يجب أن تكون لديهم رؤية أكبر، وأن يُصبحوا معروفين ويكتسبوا مصداقية.”
ومع أنّ هذا المزاد الذي حقق نحو 728784 دولارا يُعدّ الأول المخصص بالكامل لأعمال مُبتكرة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، سبق لـ”كريستيز” ومنافستها “سوذبيز” أن عرضتا عددا كبيرا من الأعمال المماثلة خلال مزادات سابقة.
ويوضح تقرير نشرته شركة التأمين “هيسكوك” في أواخر العام الماضي، بالتعاون مع “آرت تاكتيك”، أن المشترين الجدد هم أكثر ميلا إلى تبني فن الذكاء الاصطناعي مقارنة بهواة الجمع التقليديين.
بدورها كشفت “كريستيز” عن حقيقة مفادها أن 37 في المئة من مقدمي العطاءات المسجلين في مزاد الذكاء الاصطناعي كانوا جددًا تمامًا في دار المزادات، وأن ما يقرب من نصف مقدمي العطاءات (48 في المئة) كانوا من جيل الألفية أو الجيل زد.
وتتيح نماذج تطبيقات ذكاء اصطناعي عدة للمستخدمين لإنشاء رسومات أو صور متحركة أو صورة تشبه الصورة الفوتوغرافية، بناءً على استعلام بسيط باللغة اليومية، وبعض التطبيقات لا تكتفي بالحصول على بيانات المستخدم والأفكار التي يريد تحقيقها وإنما تقتبس أفكارا من رسومات متوفرة على الإنترنت لفنانين.
ويعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من الأعمال الفنية السابقة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان “يقتبس” أم “ينسخ” أعمال فنانين حقيقيين دون إذنهم.

ويشتكي بعض الفنانين من أن أدوات الذكاء الاصطناعي تدربت على أعمالهم دون موافقتهم، مما قد يعتبر استغلالًا غير عادل. وسبق أن رفع عدد من الفنانين عام 2023 دعاوى قضائية ضد شركات ذكاء اصطناعي ناشئة، من بينها المنصتان الشهيرتان “ميدجورني” و”ستابيليتي إيه آي”، متهمين إياها بمخالفة قوانين الملكية الفكرية.
وكان عدد من الفنانين اعترضوا على تنظيم مزاد “الذكاء المعزز”، وطالبوا في عريضة جماعية جمعت أكثر من 6300 توقيع، بحماية الإبداع البشري.
وطالب الرسام ريد ساوثرن الذي وقّع على العريضة، أن تُستَبعَد على الأقل القطع التي لا تستخدم برامجها أو بياناتها الخاصة، وهو يقدّر نسبتها بنحو ثلث القطع المعروضة في المزاد.
وأضاف “لو كانت لوحات عادية، وكان ثمة احتمال كبير بأن يكون بعضها مقلّدا، أو نتيجة سرقة أو ممارسة مشكوك فيها، فلن يكون من الأخلاقي المضي قدماً في المزاد.”
وفي منشور على منصة إكس رد رفيق أناضول، الفنان المشارك في المزاد، أن “غالبية الفنانين في المشروع يستخدمون بياناتهم الخاصة ونماذجهم الخاصة،” من دون الاستعانة بأعمال أخرى.
وجدد هذا المزاد الفريد من نوعه مخاوف فنانين من أن يؤدي انتشار الأعمال المنتَجة بالذكاء الاصطناعي إلى تقليل فرص الفنانين التقليديين في السوق، خاصة مع سهولة إنتاج الأعمال الرقمية بواسطة الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مخاوف لدى بعض المقتنين وهواة جمع اللوحات الفنية التقليدية الذين يرون أن الأعمال المولدة بالذكاء الاصطناعي قد تفقد قيمتها مع الوقت لأنها تفتقر إلى لمسة الإنسان وإبداعه التي تمنح كل عمل فني فرادته، كما أن دخول الذكاء الاصطناعي في عالم المزادات الفنية قد يغير مفهوم القيمة الفنية للأعمال التقليدية.
في المقابل، يرى بعض الفنانين أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة جديدة، ومن المنطقي أن تثير جدلا كبيرا، وينقسم الفنانون بين داعمين ورافضين لها، تمامًا كما حصل مع الكاميرا عند اختراعها، والمخاوف التي أثارتها من إمكانية تأثيرها على الفن التشكيلي إلا أن الزمن أثبت أنها لم تقتل الرسم، بل أضافت طرقا جديدة في التعبير الفني.