مرونة سعودية لافتة في إعادة النظر بمشاريع رؤية 2030

الأمير محمد بن سلمان عندما يشخص الحاجة إلى تعديل السياسات أو القائمين عليها لا يتردد.
الأحد 2024/05/26
ليست هناك مشاريع لا تمس

الرياض- يدرس صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يدير أصولا تصل قيمتها إلى نحو 925 مليار دولار، إعادة تنظيم نشاطه سواء ما تعلق بتغييرات على مهام بعض المدراء أو تعديل بعض المشاريع الكبرى، ما يعكس وجود مرونة لافتة في إدارة مشاريع رؤية 2030.

وأظهرت القرارات الأخيرة وما يرشح عن إعادة النظر بحجم أو طبيعة المشاريع أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا يتردد في التغيير وأن ليس هناك مشاريع لا تمس، بل كل مشروع وكل مرحلة تحتمل المراجعات.

وذكرت مصادر مطلعة أن صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادي، يهدف إلى زيادة تركيزه على الاستثمارات التي لها فرصة نجاح كبيرة، وذلك بعد تقليص بعض “المشاريع الكبرى” بسبب تزايد التكاليف.

◄ صندوق الاستثمارات العامة يهدف إلى زيادة تركيزه على الاستثمارات التي لها فرصة نجاح كبيرة، وذلك بعد تقليص بعض "المشاريع الكبرى" بسبب تزايد التكاليف
صندوق الاستثمارات العامة يهدف إلى زيادة تركيزه على الاستثمارات التي لها فرصة نجاح كبيرة، وذلك بعد تقليص بعض "المشاريع الكبرى" بسبب تزايد التكاليف

وقال اثنان من المصادر لرويترز إن الصندوق يأمل أيضا في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى بعض المشروعات.

وقال مصدر ثالث إنه قد يراجع أيضا بعض النفقات منها تلك الموجهة إلى مهام استشارية عالية التكلفة.

وتؤكد الإجراءات التعديلية على المهام أو الأشخاص أن رؤية 2030 ليست مشروعا جامدا يجب أن ينفذ كما هو، مثلما كان الانطباع سائدا بسبب ارتباطها بخطط ولي العهد.

وتظهر هذه المرونة أن المشاريع قابلة للتعديل والتغيير، وأنها لم تكن أبدا الضرورة الأساسية التي تستهدفها رؤية 2030. لكن الأمر يتعلق بتغذية الزخم للتغيير، والأفكار الجديدة الجريئة، الهادفة إلى بناء سعودية جديدة باقتصاد متنوع لا يكتفي بالاعتماد على النفط، ويمكّن المملكة من أن تصبح قوة إقليمية ودولية ذات وزن.

وأشار المحلل السياسي ريان بوهل في تقرير نشر بمركز ستراتفور إلى أن رؤية 2030 تتمحور في ظاهرها حول تحديث اقتصاد السعودية من خلال الإصلاحات الاجتماعية والبنية التحتية التي تهدف إلى رفع الإنتاجية ومستوى تعليم القوى العاملة، وتحسين معنويات الاستثمار في البلاد، وتطوير بيئة اجتماعية قد تجعل المملكة رائدة في مجال التكنولوجيا مع انخفاض وزن النفط في السوق العالمي. لكن الهدف من وراء ذلك هو دعم وتقوية دور السعودية وتنويع الأوراق بيد قياداتها.

ويوفر الدور، الذي يسعى إلى تحقيقه الأمير محمد بن سلمان من وراء رؤية 2030، للسعودية القدرة على تأسيس علاقاتها الخارجية على قاعدة الندية والتنوع مثلما يجري حاليا مع الولايات المتحدة والانفتاح الاقتصادي الكبير على الصين ودول أخرى في جنوب شرق آسيا.

ويتيح الدور الجديد للمملكة التأثير في القضايا الإقليمية وفق مقاربة تراعي مصالحها من دون الارتهان لفكرة الأحلاف القديمة، فلم يمنع تقاربها مع الولايات المتحدة ودراسة فرضية التطبيع مع إسرائيل من أن تحقق انفراجة كبيرة مع إيران قد تساعدها في وقف حرب اليمن لتأمين التفرغ كليا لمشاريعها الكبرى.

وضخت المملكة مئات المليارات من الدولارات عبر صندوق الاستثمارات العامة في مشاريع منها نيوم، وهو مشروع تنمية عمرانية وصناعية ضخم، ومن المقرر تشييده على طول ساحل البحر الأحمر.

◄ الإجراءات التعديلية على المهام أو الأشخاص تؤكد أن رؤية 2030 ليست مشروعا جامدا يجب أن ينفذ كما هو بل مشروع مرن

وستمثل التغييرات على المشاريع والمهام أكبر تغيير في الإدارة منذ أن قام ولي العهد بتعيين ياسر الرميان كمحافظ للصندوق في عام 2015 بتفويض لدفع برنامج التحول الاقتصادي “رؤية 2030” باستخدام الأموال الضخمة لصندوق الاستثمارات العامة.

ومنذ ذلك الحين، أطلق الصندوق أو استثمر في شركات سعودية، لإنشاء شركات وطنية رائدة في قطاعات تتراوح من الخدمات المالية إلى الطيران والسياحة والصناعة.

وكان الرميان رئيسا تنفيذيا لوحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية في أحد البنوك المحلية، وقد جعله دوره في صندوق الاستثمارات العامة أحد أشهر مسؤولي الاستثمار في العالم وواحدا من أكثر الأشخاص نفوذا في المملكة العربية السعودية.

وهو عضو في مجالس إدارة العديد من الشركات التي يستثمر فيها صندوق الاستثمارات العامة، بما في ذلك المجموعة الهندية ريلاينس إندستريز، وتم تعيينه رئيسا لشركة النفط السعودية العملاقة أرامكو في عام 2019.

لكن اثنين من المصادر قالا إن صندوق الاستثمارات العامة نما بشكل كبير من حيث الحجم والتعقيد، وقد يحتاج الرميان إلى تفويض بعض المسؤوليات. وقال أحد الأشخاص إنه سيظل الوجه العام الرئيسي للصندوق.

وتضخمت الأصول من حوالي 150 مليار دولار في عام 2015 إلى 925 مليار دولار اليوم.

ريان بوهل: رؤية 2030 تتمحور في ظاهرها حول تحديث اقتصاد السعودية
ريان بوهل: رؤية 2030 تتمحور في ظاهرها حول تحديث اقتصاد السعودية

وسجل صندوق الاستثمارات العامة، الذي يكشف مثل صناديق الثروة السيادية الأخرى عن معلومات مالية محدودة، إجمالي عوائد للمساهمين بنسبة 8 في المئة سنويا من عام 2017 حتى عام 2022، وفقا لأحدث تقرير سنوي له.

ويقول موقعه على الإنترنت إن الأصول الخاضعة للإدارة تشمل 94 شركة تأسست في محفظة الصندوق. ويظهر التقرير السنوي أن أكثر من ثلثي أصول الصندوق موجودة في المملكة العربية السعودية.

وفي عام 2021، استحدث صندوق الاستثمارات العامة منصبي نائبي المحافظ، يشغلهما يزيد الحميد، رئيس استثمارات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتركي النويصر، الذي يرأس قسم الاستثمارات الدولية في صندوق الاستثمارات العامة.

ومع استمرار السعودية في الاعتماد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز بينما تتزايد احتياجات الإنفاق العام، يسابق المسؤولون الوقت لتنفيذ خطط ولي العهد لتنويع الاقتصاد.

وأثّر انخفاض أسعار النفط وإنتاجه على النمو العام الماضي بينما زاد الإنفاق، مما أدى إلى عجز مالي قدره 80.9 مليار ريال (21.6 مليار دولار) أي حوالي 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع حدوث عجز مماثل هذا العام.

وأوضح أحد المصادر أنه في إطار التغييرات التنظيمية، فإن الصندوق يراجع عقود الاستشارات بالغة التكلفة، بما في ذلك العقود المبرمة مع مجموعة بوسطن الاستشارية (بي.سي.جي) وماكنزي.

وقال مصدر آخر إن بعض المقاولين بدأوا في هذه الأثناء بالانسحاب من مشروعات من المستبعد أن تحقق الأهداف.

وقام صندوق الاستثمارات العامة في الآونة الأخيرة بإعادة تنظيم استثماراته في السوق. وفي الربع الأول، خفض حيازاته من الأسهم الأميركية إلى النصف تقريبا، إلى 18 مليار دولار من 35 مليار دولار في ديسمبر، حسبما أظهر تقرير لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأسبوع الماضي.

1