مرزوق الغانم، هل يصبح الخصم الحليف الأفضل للحكومة الكويتية

عودة الغانم لتولي رئاسة مجلس الأمة ستضعه في موقع الخصم الذي يلعب دور الحليف الأفضل.
الاثنين 2023/05/08
في انتظار الحسم

الكويت- تنظر أوساط سياسية كويتية إلى الخصومة بين رئيس الحكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد وبين رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، حتى وإن كانت تنتظر الحسم بموجب نتائج انتخابات 6 يونيو المقبل، على أنها ليست خصومة مطلقة أو غير قابلة للإصلاح.

وبحسب هذه الأوساط فإن الغانم، حتى وإن وجد نفسه “معارضا” لسياسات الشيخ أحمد فإنه ليس معارضا لمؤسسة الحكم، التي لطالما اعتبره المعارضون الآخرون مواليا لها. حتى أن الأصوات المتطرفة منهم عارضت توليه رئاسة المجلس، بينما دعمه النواب القريبون من المؤسسة.

وعندما تم حل مجلس الأمة المنتخب في عام 2020، أعلن الغانم عدم رغبته في الترشح للانتخابات النيابية كي ينأى بنفسه عن الأزمة التي نشبت في ذلك الحين بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي أثارها نواب مرتبطون بشقي جماعات الإسلام السياسي، الشيعي الموالي لإيران والسني الموالي لجماعة الإخوان، وهؤلاء النواب كانوا ممن يعارضون المؤسسة ويعارضون الغانم في آن واحد.

◙ إعلان الغانم الترشح من جديد، كان بمثابة مفاجأة حركتها “مناورات” رئيس الحكومة الذي يراهن على كسب المعارضة المتطرفة

وفي حال تمكن “المعارضون” من كسب الأغلبية في المجلس المرتقب، وعاد الغانم ليتولى رئاسة المجلس، فإنه سيكون في موقع الخصم الذي يلعب دور الحليف الأفضل.

وكان الغانم قد وجد نفسه داخل الملعب من جديد، ليس باختيار منه وإنما بسبب إبطال شرعية المجلس المنتخب في عام 2022 والذي تولى رئاسته أحمد السعدون، وعودة مجلس 2020، قبل أن يتم حله من جديد تمهيدا لإجراء الانتخابات المقبلة. وكان ذلك واجهة الخلاف الرئيسية مع رئيس الحكومة الذي يُعتقد أنه يسعى إلى عقد صفقة مع معارضين يرتبطون بتيارات الإسلام السياسي على حساب الاستجابة لمطالب النواب الإصلاحيين.

وأراد الغانم أن يبتعد عن المشهد رغم أنه قال في تبريره لعدم الترشح إن قراره “لا يعني الابتعاد عن المشهد السياسي… وإن عدم ترشحي هو قرار مرحلي ستعقبه عودة ذات تأثير أقوى، لنكمل مسيرة الحفاظ على مصلحة الوطن”.

إعلان الغانم، غير المتوقع الأسبوع الماضي، عن تقدمه للترشح من جديد كان بمثابة مفاجأة حركتها مواقفه المعلنة من “مناورات” رئيس الحكومة الذي يراهن على كسب المعارضة المتطرفة. وهو الأمر الذي أوجد الشرخ مع الغانم فبدا وكأنه أصبح في صف “المعارضة”، رغم أنه تقليديا في صف المؤسسة، إنما ليس في الشق الذي صار رئيس الحكومة يمثله الآن.

وحتى بالنسبة إلى هذا الموقع، فإنه ينتظر حتى ينجلي غبار الانتخابات لتتضح التوازنات، وتتضح على أساسها الخيارات.

ويمتلك الغانم شعبية واسعة، لا تقلّ عن شعبية السعدون؛ إذ ترك كل منهما إرثا جديرا بالتقدير من جانب الناخبين وكل الحكومات التي عملوا في ظلها. وكان السعدون نفسه يعد ضمن “المعارضة” الإصلاحية، ما يجعل التنافس بينهما على رئاسة مجلس الأمة تنافسا على الشيء نفسه.

وكان الغانم اُنتخب رئيسًا لمجلس الأمة الكويتي منذ عام 2013، ثم أُعيد انتخابه عام 2016 حتى 11 ديسمبر 2020، وانتخب مجددًا رئيسًا لمجلس الأمة مُنذ 15 ديسمبر 2020 حتى جرى حل المجلس في أغسطس 2022، قبل أن يعيده قرار المحكمة الدستورية ليكمل عمله مع أعضاء البرلمان الذي كان يرأسه.

ومن أبرز المؤشرات على أن الغانم “خصم إيجابي” أنه وقف ضد النواب الشعبويين الذين دفعوا إلى شل العلاقة بين الحكومة والمجلس. وقال في ذلك الحين إن “النواب يذهبون إلى قضايا شعبوية ويصعدون فيها بدلا من إيجاد الحلول دون أن يدركوا أن السلطة التنفيذية ليست خصما للشارع”.

ويدافع الغانم عن فكرة أن الكويت بحاجة إلى تعزيز “الثقافة الديمقراطية”، سواء من قبل الناخبين أو من طرف النواب، منتقدا الناخبين الذين يصوتون بناء على معايير قبلية وطائفية. وهو أمر يؤكد أن الغانم يمثل انتماء لا يأخذ بولاءات من هذا النوع، ما يجعله وجها لصورة أكثر مدنية للكويت، تحتاجها مؤسسة الحكم أكثر من غيرها.

وهو في مكانه كرئيس للبرلمان يمكن أن يكون أداة مهمة لتطوير العمل السياسي، وذلك على العكس من التوجه الذي يريد أن يأخذ به رئيس الحكومة في الاتجاه المعاكس، بتحالفه مع “المعارضة” القبلية ومرشحي الإخوان المسلمين خاصة.

وكان الشيخ أحمد النواف رفض لدى تشكيل حكومته الثالثة المثول أمام مجلس الأمة كما تقتضي التقاليد، وهو الأمر الذي أسهم في تعميق الشرخ بينه وبين الغانم، حيث ينصّ الدستور في مادته 116 على أنه يجب عليه تمثيل الحكومة في جلسات المجلس حتى يمارس أعماله.

ويُسجل لصالح الغانم أنه قاد تسوية مع النائب عبيد الوسمي كممثّل للمعارضة، مما أسفر عن العفو الأميري الذي أتاح عودة المهجّرين إلى تركيا من النواب السابقين والناشطين. لكن الأمر الذي انتهى ببطلان شرعية مجلس 2022، وعودة مجلس 2020 ثم حله من جديد، أدى إلى إثارة أزمة دفعت الغانم والوسمي إلى أن يكونا في جبهة، بينما رئيس الحكومة في جبهة أخرى. ووصل الأمر إلى حد أن الغانم دعا الأمير الشيخ نواف الأحمد ووليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد “إلى التدخّل الفوري لوقف العبث والتعطيل والتسويف الذي يمارسه رئيس الوزراء تجاه مصالح الشعب وأحواله”.

ولكن حتى بعد الأمر بحل المجلس والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، أعلن الغانم أن “خطاب سمو الأمير الذي ألقاه سمو ولي العهد نيابة عنه، زخر بالعديد من الرسائل المهمة التي علينا جميعاً تثمينها ومعرفة قيمتها، بدءا بقرار العودة إلى الأمة الذي طالبنا به مرارا، لتقول الأمة كلمتها، ومرورا بتأكيد القيادة السياسية على احترام القضاء وأحكامه ونبذ كل الطلبات والدعوات غير الدستورية، وانتهاء بالاستنكار الواضح لثقافة التجريح والطعن بالذمم ونهج الصوت العالي البغيض وأهمية صون الوحدة الوطنية. فشكرا يا سمو الأمير ويا سمو ولي العهد، فما أنتما إلا استكمال واستمرار لنهج أسلافكم الكرام الذين كانوا على الدوام في صف الشعب وإرادته الحرة”.

ومرزوق هو ابن محمد ثنيان الغانم، رجل الأعمال المعروف، الذي رأسَ غرفة التجارة والصناعة الكويتية لعدة دورات. وأمه هي فايزة محمد الخرافي، الكويتية الأولى التي تحصل على الدكتوراه في الكيمياء، وتولت إدارة جامعة الكويت وهي بعمر 47 عاما، لتصبح أول امرأة تتولى مثل هذا المنصب في العالم العربي. أما خاله فهو جاسم محمد الخرافي الذي رأس مجلس الأمة 12 سنة متصلة بين 1999 و2011. كما أنه ابن شقيق عبداللطيف ثنيان الغانم، الرئيس المنتخب للمجلس التأسيسي، الذي وضع اللبنات الأولى للنظام البرلماني الديمقراطي والدستور في الكويت، بين عامي 1962 و1963. مما يعني أن أصوله وثقافته ودوافعه “مؤسسية” بما لا يقبل الجدل.

ولد الغانم في 3 نوفمبر 1968، وحصل على بكالوريوس هندسة ميكانيكية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف من جامعة سياتل الأميركية. وترأّس عدة شركات كبرى، بينها الشركة المصرية الكويتية القابضة. كما تقلد منصب رئيس مجلس إدارة شركة بوبيان للبتروكيماويات، وشركة مواد البناء وشركة غلوبال تيليكوم، وفي عام 2013 كان رئيسًا للاتحاد البرلماني العربي.

وتشكل هذه الخبرات، من وجهة نظر المراقبين، مبررا للاعتقاد في أن الغانم يمثل عقلية مدينية، تجمع بين الدفاع عن وجهي العملة: الإصلاح والاستقرار، وأن خصوماته إيجابية، وليست مدفوعة بدوافع عشائرية أو طائفية أو أيديولوجية، وأن تحالف رئيس الحكومة وولي العهد إذا أراد استقرارا بالفعل فإنه لن يجد أفضل من الإصغاء لنواب مثل الغانم.

 

• اقرأ أيضا:

        لا شيء مجانيا في الكويت: على الوافد دفع رسوم الحصول على الدم

1