مرحلة انتقالية "معقدة" تلي مسار بريكست

لندن- تغادر المملكة المتحدة الجمعة الاتحاد الأوروبي لتبدأ مرحلة غير محددة المعالم تمثل أكبر تغيير في مكانتها العالمية منذ أفول نجم الإمبراطورية البريطانية، وأشد ضربة لجهود دامت 70 عاما لتحقيق الوحدة الأوروبية على أنقاض الحرب العالمية الثانية.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الانقسامات والتقلبات تصبح بريطانيا الجمعة أول دولة تغادر الاتحاد الاوروبي في انفصال تاريخي سيحتفل به مناصرو بريكست فيما يثير مشاعر حزن لدى مؤيدي أوروبا.
وتخرج بريطانيا قبل ساعة واحدة من منتصف الليل من النادي الذي انضمت إليه في عام 1973، لتدخل فترة انتقالية تتمتع فيها بكل مزايا العضوية باستثناء الاسم حتى نهاية هذا العام.
لكن هذه النهاية ليست سوى بداية فصل ثان من مسلسل بريكست الطويل، وهو المفاوضات المعقدة حول العلاقات التي ستربط لندن وبروكسل بعد المرحلة الانتقالية التي تنتهي في 31 ديسمبر.
وبضربة واحدة سيتم حرمان الاتحاد الأوروبي من 15 بالمئة من حجم اقتصاده، ومن أكثر الدول الأعضاء انفاقا على التسلح ومن العاصمة المالية الدولية لندن. وسيشكل الانفصال مصير المملكة المتحدة ويحدد مقدار ثروتها للأجيال القادمة.
وسيُشكّل خروج المملكة المتّحدة من الاتّحاد الأوروبي الجمعة "بداية" لمرحلة من "التجديد" و"التغيير" بالنسبة إلى البلاد، بحسب ما جاء في مقتطفات من خطاب يُوجّهه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قبل ساعة من الخروج التاريخي لبريطانيا من الاتّحاد.
ويُضيف جونسون بحسب المقتطفات التي وزّعها مكتبه "إنّها ليست نهاية، بل بداية. حان الوقت لتجديدٍ حقيقيّ ولتغيير وطنيّ".
وأثنى رؤساء مؤسسات الاتحاد الأوروبي قبيل بريكست على ما وصفوه بـ"أوروبا على عتبة عصر جديد"، مذكرين المملكة المتحدة بأنّها ستخسر "مكتسبات" الدولة العضو، وذلك في رسالة نشرت الجمعة، المصادف ليوم الطلاق التاريخي.
وأعرب شارل ميشال رئيس المجلس الأوروبي واورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية وديفيد ساسولي رئيس البرلمان الأوروبي في النص عن "الاستعداد للانخراط في شراكة جديدة مع جيران الضفة الأخرى من بحر المانش".
وقالوا "بالنسبة إلينا ، كما لأشخاص كثر، سيكون هذا اليوم حتما مدعاة تأمل وسيتسم بمشاعر مختلطة".
ويدخل بريكست حيز التنفيذ عند الساعة 23,00 بتوقيت غرينتش من الجمعة، بعد نحو نصف قرن من انضمام المملكة المتحدة إلى المشروع الأوروبي.
وبينما ستبدأ عقب بريكست مرحلة مفاوضات مع لندن حول طبيعة العلاقات المستقبلية، حذّر المسؤولون الثلاثة من أنّه "في غياب شروط عادلة في مجالات البيئة والعمل والنظام الضريبي ومنح الدولة، لا يمكن أن تكون ثمة فرص واسعة للوصول إلى السوق الموحدة".
وذكّروا بأنّه "لا يمكننا الحفاظ على المكتسبات المنشودة من مكانة العضوية حين نفتقد هذه الصفة".
وينبغي على المفوضية الأوروبية التفاوض مع لندن بشأن علاقة ما بعد بريكست بدءا من بداية مارس، أي خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد حتى نهاية 2020.
وأضاف المسؤولون الثلاثة "برغم انتفاء العضوية ضمن الاتحاد الأوروبي، فإنّ المملكة المتحدة ستبقى جزءا من أوروبا. الجغرافيا والتاريخ المشتركان، كما الروابط القائمة في عدد من المجالات، تجمعنا بشكل راسخ وتجعل منا حلفاء طبيعيين".
واعتبروا أن في أعقاب بريكست "ستستمر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في توحيد الجهود وبناء مستقبل مشترك لا يمكن لأي بلد بمفرده احتواء تطوّر التغير المناخي، إيجاد حلول على صعيد المستقبل الرقمي أو إسماع صوته في خضم انعدام التناغم المتنامي الذي يحكم العالم".
وختموا بأنّ الاتحاد الأوروبي سيستمر في "النهوض بأعبائه مع بزوغ شمس الغد".
وبالنسبة للمؤيدين يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد حلم "يوم استقلال" بعيدا عما اعتبروه مشروعا محكوما عليه بالفشل يهيمن عليه الألمان وأخفق في تحقيق أحلام سكانه البالغ عددهم 500 مليون نسمة.
لكن المعارضين يعتقدون أن البريكست حماقة من شأنها أن تضعف الغرب، وتنسف ما تبقى من النفوذ العالمي لبريطانيا، وتقوض اقتصادها وتؤدي في نهاية المطاف إلى تحويلها لمجموعة من الجزر المنعزلة في شمال المحيط الأطلسي.