مراوغات إثيوبيا تستنزف جهود مصر والسودان لحل أزمة سد النهضة

القاهرة – طلبت مصر والسودان الثلاثاء، تعليق مفاوضات سد النهضة التي تشرف عليها دولة جنوب أفريقيا، لإجراء مشاورات داخليّة بشأن طرح إثيوبي جديد يُخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي في 21 يوليو الماضي.
واقترحت إثيوبيا أن يكون الاتفاق على الملء الأول فقط لسد النهضة، ويربط اتفاق تشغيل السد على المدى البعيد بالتوصل إلى معاهدة شاملة بشأن مياه النيل الأزرق.
وقام وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي، بتوجيه خطاب لنظرائه في مصر والسودان مرفق بمسوّدة إرشادية وقواعد ملء سدّ النهضة لا تتضمن قواعد للتشغيل أو عناصر تعكس الإلزامية للاتفاق، وعدم وجود آلية قانونية لفضّ النزاعات.
وجاء تعليق المفاوضات، عقب اجتماع عقد بين اللجان الفنية والقانونية للدول الثلاث، والتي استأنفت عملها بعد لقاء ضم وزراء الري في الدول الثلاث الاثنين، أملا في التوصل إلى تفاهمات تؤدي لاتفاق ينهي الاحتقان الراهن بسبب قيام إثيوبيا منتصف الشهر الماضي، بخطوة منفردة لملء المرحلة الأولى لخزان السد، وهو ما أثار اعتراضا كبيرا من قبل القاهرة والخرطوم.
وأوقع الملء الأول أضرارا بالغة في السودان، وحدث بالمخالفة للقانون الدولي، وبعيدا عن توجيهات مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي التي تؤكد على أهمية التوصل إلى اتفاق جماعي قبل الشروع في خطوة الملء تجنبا للمزيد من الأزمات.
وبدأت شكوك مصر والسودان تزداد في إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل، في ظل مراوغات إثيوبيا المتعددة، حيث تحاول حكومتها استنزاف الوقت وتكريس أمر واقع لا يلزمها بقيود في المستقبل على أي خطط تتعلق بتصوراتها لاستغلال المياه.
وقال بيان صادر عن وزير الريّ والموارد المائية في السودان ياسر عباس، إن الرسالة التي تلقاها الثلاثاء، من نظيره الإثيوبي “تُثير مخاوف جدية”، وتعبر عن تطوّر كبير وتغيير في مواقف أديس أبابا السابقة، ما يهدد استمرار مسيرة المفاوضات.
وشارك في الاجتماعات التي ترعاها جنوب أفريقيا مراقبون من الولايات المتحدة، والاتحادين الأوروبي والأفريقي، ولم يعلق أي منهم على التطورات الأخيرة، باستثناء البيان الفضفاض الذي أصدره الاتحاد الأفريقي قبيل الجولة الأخيرة، وتجاهل التطرق من قريب أو بعيد إلى التصرف الإثيوبي الأحادي، بذريعة أن هناك أملا في التفاهم. وتشعر القاهرة بأن رهانها على المفاوضات المفتوحة بدأ يتقلص، عقب تمسك أديس أبابا برؤيتها ورفض تقديم تنازلات في موقفها المعلن، وتصر على التعامل مع النيل الأزرق على أنه “بحيرة إثيوبية” خالصة.
ولمس السودان جدية المخاطر البيئية والاجتماعية التي يمثلها السد مؤخرا، وتأثيره السلبي على الملايين من السكان المقيمين على ضفاف النيل الأزرق، وسلامة سد الروصيرص، ما يعزز وجوبية التوصل إلى اتفاق يغطي محوري الملء والتشغيل. ورهنت الخرطوم مشاركتها في المفاوضات بعدم الربط بين التوصل إلى اتفاق بشأن الملء والتشغيل من جهة، والتوصل إلى معاهدة حول مياه النيل الأزرق من جهة ثانية.
ويرى متابعون أن السكوت عن الملء الأول منح إثيوبيا شرعية ضمنية، وجعل الخطوة سابقة قانونية تعطيها الحق مستقبلا في التغول على حصة كل من مصر والسودان، خاصة أن أديس أبابا لا تعترف أصلا بأي حصص تاريخية للدولتين، وتريد صيغة جديدة تعيد بموجبها النظر في اتفاقيات تقسيم المياه.
أوضح الخبير المصري في شؤون المياه نادر نورالدين لـ”العرب” أن تعليق المفاوضات لفترة طويلة ليس في صالح مصر أو السودان، لكنها خطوة دبلوماسية تنطوي على ممارسة ضغوط جديدة لإرغام إثيوبيا على توقيع اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد، بالتالي تبقى فرص انسحاب البلدين نهائيا من المفاوضات ضئيلة للغاية.
وأشار إلى أن إصرار إثيوبيا على موقفها يعني إمكانية عودة الملف مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي، إذا أخفق الاتحاد الأفريقي في الضغط على أديس أبابا، أو حالت عدم قدرته على التدخل دون التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف.