مراكش تحيي ذاكرة المغرب الشعرية من نافذة الشاعر أحمد بركات

مراكش (المغرب) - اختارت دار الشعر بمراكش شهر ديسمبر من كل سنة، وضمن الاحتفاء باللغة العربية تخليدا لليوم العالمي للغة العربية، أن تنظم الدورة الرابعة لتظاهرة “ذاكرة شعرية”، وذلك صباح الجمعة الثلاثين من ديسمبر الجاري، بمدرج أحمد الشرقاوي إقبال بكلية اللغة العربية بمراكش.
وضمن هذه الفعاليات تفتح دار الشعر بمراكش ذاكرة الشاعر المغربي الراحل أحمد بركات (1960 – 1994)، الذي يمثل إحدى أهم التجارب الشعرية الحداثية المغربية، والتي فتحت أفقا خاصا للقصيدة المغربية الحديثة.
ويلتقي في هذه التظاهرة ثلة من النقاد والمبدعين، الشاعرة والباحثة الدكتورة لطيفة المسكيني عضو المكتب التنفيذي لبيت الشعر في المغرب، والناقد الأكاديمي عبدالعزيز لحويدق الباحث في البلاغة وتحليل الخطاب بكلية اللغة العربية بمراكش، والمبدع عبدالعالي بركات القاص والإعلامي، في لحظة استعادية لأهم التجارب الشعرية الحداثية المغربية، احتفاء بذاكرة شعرية متقدة.
ويسهم فريق “دار آلة العود” بمراكش في نسج خيوط هذه اللحظة المعرفية، من خلال تقديم فقرات موسيقية من الريبرتوار الموسيقي المغربي والعربي.
ورحل الشاعر بركات في التاسع من سبتمبر 1994، في لحظة مبكرة من حياته وهو في ذروة العطاء الإبداعي الشعري، بعد صراع مرير مع المرض، لكنه استطاع أن يرسخ، في مرحلة قصيرة من عمره، صوتا شعريا منفلتا عن زمنه، بل أسهم الشاعر حينها، ومن خلال الانتصار لأسئلة التحولات الجديدة في الشعر المغربي الحديث، أن يعمق حضوره في المشهد الشعري المغربي.
وقد شكل إصداره الشعري الأول “أبدا لن أساعد الزلزال”، والذي توج سنة 1990 في الدورة الأولى لجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، في صنف الشعر، إطلالة فارقة في مسار حياته وعبره إطلالة على قصيدة تعمق من مستويات وعي جمالي وارف، أو كما يسمها الشاعر سعيد الباز تجربة تكتسي أهميتها في وعيها الشعري الحاد بحاجة الشاعر إلى لغته الخاصة، يبرز ذلك في قصيدته «أبدا لن أساعد الزلزال» الأشبه ببيان شعري «الأشياء الأكثر فداحة: قلب شاعر في حاجة قصوى إلى لغة»، إضافة إلى اعتبار القول الشعري منازلة غير متكافئة من أجل الحضور القوي للشاعر في العالم.
وتجربة الشاعر بركات لا تخرج عن سياق زمنها الشعري، إذا ما أضفنا أصواتا شعرية جديدة، أسهمت حينها في انتقال القصيدة المغربية الحديثة إلى همومها الخاصة وأسئلتها الجديدة وخروج عن النسق الذي ظل مهيمنا على بنية القصيدة المغربية والعربية. ويشير الناقد محمد علوط في تأكيده على خصوصية تجربة بركات إلى أن الشاعر امتلك “القدرة على أن يترجم العنف الذي يحمله في دواخله إلى لغة المتخيل الشعري في هندسة مثيرة تتسم بالصور اللامحتملة، وبالغرائبية، وقوة الخرق لمألوف التصور”.
ويحكي أخوه القاص والإعلامي عبدالعالي بركات أن الشاعر أحمد بركات، وإلى جانب انشغاله بالكتابة الشعرية، ظل مولعا بالمسرح خصوصا تجربته مع فرقة المسرحي الرائد حوري الحسين، إلى جانب ارتباطه وشغفه الفني بأغاني المجموعات الفنية الرائدة المعروفة حينها، ناس الغيوان ولمشاهب وجيل جيلالة، وغيرهم. وإذا كانت سنة 1976 تؤشر على أول إطلالة هامة في مسيرته الأدبية والشعرية، فإن ديوانه الثاني “دفاتر الخسران” لم ير النور إلا بعد وفاته حيث قرر اتحاد كتاب المغرب نشره، وبعدها بسنوات قامت وزارة الثقافة المغربية بنشر أعماله الكاملة (تضم ثلاث مجموعات: البدايات، أبدا لن أبدا لن أساعد الزلزال، دفاتر الخسران).
وسبق للشاعر والناقد عبدالدين حمروش أن أصدر كتابا قيّما حول تجربة الشاعر بعنوان “المكان الفني في شعر أحمد بركات”، وهو الإصدار الذي عمل على مقاربة تجربة الشاعر بأدوات اشتغال أضاءت حيزا مهما في تجربته الشعرية المغربية والعربية. ولعل مكمن أصالة الشاعر بركات، كما يسميه الناقد حمروش، هو أنه يعد ضمن كوكبة الشعراء الأشقياء المهووسين بقلق الشعر ودفئه، ويعتبر ديوانه دفاتر الخسران ديوانا يرمز إلى “دفاتر جيل لم تسعفه مرحلة الثمانينات على البوح الشعري في جو ثقافي فاعل”. يقول الشاعر أحمد بركات “حذر، كأني أحمل في كفي الوردة التي توبخ العالم/ الأشياء الأكثر فداحة:/ قلب شاعر في حاجة قصوى إلى لغة”.
وتشكل فقرة “ذاكرة شعرية”، إلى جانب فقرة “تجارب شعرية”، أحد أهم برامج دار الشعر بمراكش، والتي تسعى من خلالها إلى استعادة الذاكرة الشعرية والثقافية المغربية، في سعي حثيث إلى ربط جسر المنجز الشعري المغربي مع ماضيه وراهنه ومستقبله.
وظلت هذه البرمجة، ومنذ انطلاقها قبل خمس سنوات، نافذة مفتوحة على شعريات مغربية أغنت المنجز الشعري وفتحت أفقه الإبداعي.
وإذا كانت فقرة “تجارب شعرية” قد لامست سمات تجارب شعرية، من المغرب الراهن الشعري، من خلال الاحتفاء بمنجز الشعراء أحمد بلحاج آيت وارهام، مليكة العاصمي، محمد بنطلحة، مبارك الراجي وجمال آماش، فقد خصصت فقرة “ذاكرة شعرية”، والتي أمست تقليدا ثقافيا ضمن التنسيق والتعاون القائم بين دار الشعر بمراكش وكلية اللغة العربية وبيت الشعر في المغرب، نوافذها لاستعادة تجارب رائدة فاستعادت سابقا شعراء مثل المعتمد بن عباد، أحمد المجاطي، محمد بن إبراهيم (شاعر الحمراء)، وتستعيد في دورتها الرابعة الجديدة الشاعر أحمد بركات.