مراجعة مدونة الأسرة في المغرب: رؤية ملكية لإصلاح شامل يوازن بين الدين ومتطلبات العصر

بتأكيده على مبادئ العدل والمساواة والتضامن، يضع العاهل المغربي الأسرة المغربية في قلب الإصلاح المجتمعي والحقوقي والتشريعي.
السبت 2024/12/28
الأسرة المغربية في قلب الإصلاح المجتمعي

أصدر الديوان الملكي المغربي بتاريخ 23 ديسمبر 2024، في مدينة الدار البيضاء، بلاغا يسلط الضوء على موضوع مراجعة مدونة الأسرة، وهو ملف يكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى دوره المحوري في ضمان العدل والمساواة داخل الأسرة المغربية؛ حيث يعكس هذا البلاغ حرص العاهل المغربي الملك محمد السادس على الجمع بين المرجعية الدينية والتشريعات الحديثة لتحقيق إصلاح شامل ومتوازن يستجيب لتطورات المجتمع المغربي.

وشهد البلاغ إعلانا عن ترؤس العاهل المغربي جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة، حيث يأتي هذا الحدث بعد انتهاء مهام الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، التي رفعت تقريرا شاملا إلى الملك متضمنا أكثر من مئة مقترح تعديل. وأكد البلاغ أن هذه التعديلات تهدف إلى تحقيق توازن بين حماية حقوق جميع أفراد الأسرة وبين تعزيز العدل والمساواة.

وباعتباره المرجع الأعلى في القضايا الدينية، أحال العاهل المغربي المقترحات ذات الطابع الديني على المجلس العلمي الأعلى لإصدار رأيه الشرعي. وقد بيّن البلاغ أن المجلس العلمي ساهم بدور محوري في تقديم الاجتهادات الشرعية المناسبة، ما يعكس الالتزام الملكي بضابط “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام” كمرجعية أساسية في التعديلات المقترحة. وتمت مراجعة بعض القضايا استنادا إلى الرأي الشرعي، حيث قام العاهل المغربي بالتحكيمات الضرورية لتحديد الخيارات المنسجمة مع القيم الشرعية والغايات المحددة في الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة.

واستعرض البلاغ مقاربات متعددة اعتمدتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، حيث قدم وزير العدل عرضا مفصلا حول طريقة ومنهج عمل الهيئة، بما في ذلك جلسات الاستماع والإنصات التي جمعت مختلف الفاعلين المجتمعيين. كما أشار إلى الغايات المرجوة من التعديلات، والتي تتلخص في تعزيز الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة المغربية.

بعد مرور عشرين سنة على تطبيق مدونة الأسرة، يعكس هذا الإصلاح المرتقب إرادة ملكية قوية لضمان العدالة والمساواة داخل الأسرة المغربية

ومن جانبه قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية خلاصات الرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، مؤكدا على أهمية الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية بما يتماشى مع روح العصر. كما دعا العاهل المغربي المجلس العلمي الأعلى إلى مواصلة التفكير وإحداث إطار مناسب ضمن هيكلته لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية المتعلقة بالأسرة.

وأكد البلاغ الملكي على ضرورة استحضار مرجعيات أساسية تؤطر مراجعة مدونة الأسرة، وفي مقدمتها مبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام النابعة من الدين الإسلامي، إضافة إلى القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية. كما شدد على أهمية ضمان حماية حقوق جميع أفراد الأسرة دون الانتصار لفئة على حساب أخرى، مع التأكيد على أن التعديلات تهدف إلى تحقيق التكامل في مضامين المراجعة.

وفي إطار تعزيز الوضوح والشفافية دعا العاهل المغربي إلى بلورة التعديلات في قواعد قانونية واضحة ومفهومة، بهدف تجاوز تضارب القراءات القضائية وحالات تنازع التأويل. كما تم تكليف الحكومة في شخص رئيسها ببلورة وصياغة التعديلات في إطار مبادرة تشريعية تلتزم وتتقيد بالأحكام الدستورية.

ولم تقتصر المراجعة على الجوانب القانونية فقط، بل لفت العاهل المغربي الانتباه إلى ضرورة العناية بالمداخل الأخرى التي تعزز مراجعة مدونة الأسرة. وشمل ذلك تدعيم تجربة قضاء الأسرة، ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة في ضوء الأحكام الدستورية الجديدة، وإعداد برامج توعوية تمكن المواطنين من فهم حقوقهم وواجباتهم.

ويشكل هذا البلاغ الملكي خارطة طريق متكاملة لمراجعة مدونة الأسرة، حيث يوازن بين المرجعية الدينية والقيم الكونية، ويجمع بين الاجتهاد الشرعي والمقاربات القانونية الحديثة. وبتأكيده على مبادئ العدل والمساواة والتضامن، يضع العاهل المغربي الأسرة المغربية في قلب هذا الإصلاح المجتمعي والحقوقي والتشريعي، مع مراعاة التطورات المجتمعية وضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية لجميع أفرادها.

وبعد مرور عشرين سنة على تطبيق مدونة الأسرة، يعكس هذا الإصلاح المرتقب إرادة ملكية قوية لضمان العدالة والمساواة داخل الأسرة المغربية، ومن خلال إشراك مختلف الفاعلين واعتماد مقاربة تشاركية، تسير المملكة بخطى ثابتة نحو تعزيز القيم النبيلة للأسرة المغربية، في إطار من الانفتاح والإصلاح الشامل.

7