مراجعة كويتية متأخرة لسياسات تنويع مصادر الدخل

الحكومة تؤسس هيئة استشارية يُعهد إليها تطوير التشريعات والبرامج الاقتصادية والمالية والتنموية.
الخميس 2022/09/01
سلموا القطاع الخاص قيادة خطط التنمية

كشفت الكويت عن ملامح خطة “بديلة” لتدارك ما فاتها من إصلاحات في سياق محاولاتها لتقليص الاعتماد على عوائد النفط عبر تأسيس هيئة استشارية تتولى تطوير القوانين والبرامج المالية والتنموية أملا في اللحاق بجيرانها في تنويع مصادر الدخل وتعديل بوصلة هيكل الاقتصاد.

الكويت - يتابع محللون وخبراء التحولات التي بدأت الكويت في تجسيدها أخيرا عبر القيام بمراجعة شاملة لسياساتها البطيئة في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الريع النفطي الذي ظل المورد الأكبر من حيث تحقيق الإيرادات.

ويبدو أن البلد الخليجي العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) يسعى إلى كسر حالة التقاعس في اتباع نهج جيرانه في المنطقة الذين شرعوا منذ سنوات في وضع خطط إصلاحية لتقليص الاعتماد على إيرادات الطاقة.

وفي محاولة لتدارك ذلك الأمر، قامت السلطات بإنشاء هيئة ستعمل على معالجة الاختلالات المزمنة في بناء الاقتصاد من خلال تعديل بوصلة خطط التنمية والاستثمار وإعطاء المزيد من المرونة لنشاط القطاع الخاص.

عبدالعزيز الدخيل: القرار جاء بناء على أهمية تبني نهج متطور لدعم الاقتصاد

وأعلنت الحكومة الثلاثاء الماضي عن إطلاق وحدة اقتصادية استشارية بهدف مراجعة وتطوير التشريعات والسياسات الاقتصادية والمالية والتنموية وتصويبها نحو تحقيق “رؤية 2035”.

وبحسب بيان حكومي سيترأس الوحدة الشيخ أحمد النواف الصباح رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الجهات الحكومية ذات الطابع الاقتصادي والاستثماري والتنموي، بالإضافة إلى الخبرات المحلية المختصة في الشأن الاقتصادي.

وأكد رئيس ديوان رئيس مجلس الوزراء عبدالعزيز دخيل الدخيل في البيان أن إطلاق الوحدة “يأتي بناء على أهمية تبني نهج متطور لدعم الاقتصاد الوطني والعمل على جذب الاستثمارات المباشرة ذات القيمة المضافة وتعزيز دور القطاع الخاص”.

ونسبت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية إلى الدخيل قوله إن هذه الهيئة “ستتولى سبل تنويع القاعدة الاقتصادية والإيرادات العامة غير النفطية علاوة على مناقشة الخارطة الاستثمارية المحلية وما تتضمنه من طرح فرص للمستثمرين الكويتيين والأجانب”.

ومن المتوقع أن تعمل هذه الوحدة على توثيق الروابط بين المؤسسات الاقتصادية والمالية والتنموية والتشغيلية وتوحيد جهودها لتعزيز التنمية الاقتصادية بالبلاد.

كما ستبحث وتناقش سبل تحسين بيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يعزز من دورها الريادي في تحقيق التنمية الاقتصادية.

وقال الدخيل إن “الوحدة ستبذل اهتماما لإرساء مبدأ الأمن الاقتصادي المحلي بغية توفير بيئة اقتصادية آمنة ومحفزة للنمو والاستثمار ومكافحة كافة الظواهر السلبية على الاقتصاد”.

وتتزايد الضغوط على الحكومة لمراجعة خطط الإصلاح، التي لا تزال تديرها بشكل قديم حيث لم تسهم تحركاتها في الخروج من هذه المعضلة جراء بطء معالجة أهم الملفات، فضلا عن عرقلة الخلافات السياسية لأي تمش قد يفضي إلى إيجاد اقتصاد أكثر تنوعا.

ويبدو التهاون الرئيسي المتمثّل في عدم تنويع الموارد والارتهان إلى النفط واتباع سياسة اجتماعية مبالغ في سخائها لعقود عبر الإكثار من تقديم المنح للمواطنين، قد شجّع على التواكل وجعل المواطنين مجرّد عبء على الدولة بدل أن يكونوا مساهمين في صنع ثروتها.

نهج متطور لدعم الاقتصاد
نهج متطور لدعم الاقتصاد 

وكررت الكويت مرارا عزمها على مواجهة خطر ارتهان اقتصادها إلى عوائد النفط، التي تمثل حتى الآن المصدر شبه الوحيد لإيرادات الدولة، والمحرك الأساسي لجميع أنشطة الحياة الاقتصادية.

ولكن خطط تنويع الاقتصاد تواجه صعوبات شديدة منذ عقود بسبب الاستقطابات السياسية واعتماد معظم السكان على الرواتب والمنح السخية من الدولة على الرغم من تحقيقها لعوائد كبيرة جراء ارتفاع الأسعار الخام في الأسواق الدولية منذ تفجر الأزمة في أوكرانيا قبل ستة أشهر.

وبحسب تقديرات وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية، فإن الكويت تنفق أكثر من 70 في المئة من ميزانيتها العامة السنوية على “النفقات الثابتة” مثل الرواتب والدعم، في بلد توظف فيه الدولة قرابة 80 في المئة من المواطنين.

ولدى الخبراء قناعة بأن تنويع مصادر الدخل من بين أبرز التحديات، التي تواجه الحكومة الكويتية في المرحلة الراهنة، علاوة على مشكلة العجز المالي ومكافحة الفساد.

واعتبرت سيونغ جين بايك كبير الاقتصاديين بالأمم المتحدة لدى الكويت في مذكرة نشرت في يناير الماضي أن الحكومة بإمكانها ببساطة أن تستهدف زيادة أنشطة القطاع غير النفطي لكي تنوع اقتصاد البلاد.

وقالت حينها إنه “بالنظر إلى السوق المحلية الصغيرة نسبيا، من الحكمة التركيز على بعدين تنمويين في هذا الصدد، وهما قطاع البناء والتشييد ومشاركة القطاع الخاص”.

أهم صلاحيات الوحدة

- تنويع قاعدة الإيرادات العامة غير النفطية
- وضع خارطة استثمارية تتضمن فرصا واعدة
- تحسين بيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة
- توثيق الروابط بين المؤسسات الاقتصادية والمالية والتنموية والتشغيلية
- مكافحة كافة الظواهر السلبية على الاقتصاد

ووفق بايك فإن نشاط الإنشاءات يمكن أن يكون أحد أكثر القطاعات فعالية لنمو القطاع غير النفطي في الكويت. ومع ذلك، قد تُثار تساؤلات حول مصدر القدرة الهندسية التقنية فيما يتعلق بتولي مثل هذه المشاريع الاستثمارية والتنموية.

وبالرغم من أن تجارب دول المنطقة في مجال التنويع الاقتصادي، مثل الإمارات والسعودية، قد استندت إلى دور القطاع الخاص ومبادراته في مختلف الأنشطة الاقتصادية، إلا أن مشاركته في الاقتصاد الكويتي ظلت ضعيفة على مدار سنوات طويلة.

وحتى في مجالات من الأنشطة الإنتاجية غير النفطية في إطار آليات الشراكة بين القطاعين العام لم ترتق إلى مستوى الطموحات.

وفي أغسطس الماضي، أعادت الكويت هيكلة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والتي تعتبر أقدم أداة استثمارية حكومية يبلغ حجمها حوالي 600 مليار دولار بعد أشهر من الخلافات التي كبلت نشاطها.

وكان جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي قد قال في العديد من المناسبات إن “الكويت لديها مستوى مرتفع من المصدات، لكنها بحاجة إلى تسريع الإصلاحات”.

ويعتقد خبراء أن التحول العالمي نحو طاقة أنظف يهدد الاستدامة الاقتصادية والمالية على المدى البعيد بيد أن الأصول المالية الضخمة تدعم المرونة الاقتصادية في الكويت حيث الإصلاح المالي والهيكلي حجر زاوية لتعويض مخاطر انخفاض محتمل في أسعار النفط.

وتشتمل تلك الاصلاحات على تدابير تعبئة الإيرادات غير النفطية فضلا عن تعزيز رأس المال البشري وإصلاح الحوكمة الاقتصادية لتنشيط عملية التنمية التي من المفترض أن يقودها القطاع الخاص، إلى جانب قدرته على توفير فرص العمل.

11