مذكرة توقيف دولية تُضيق الخناق على حاكم مصرف لبنان

باريس/بيروت - بدأ خناق المتابعات القضائية الخارجية يضيق أكثر على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تخلف عن الحضور لجلسة تحقيق في باريس بعد أن رفع عنه القضاء اللبناني حظر السفر، حيث أصدرت القاضية الفرنسية المكلفة بالتحقيق في أمواله وممتلكاته في أوروبا مذكرة توقيف دولية بحقّه الثلاثاء، حسب مصدر مطّلع على الملف.
ويشتبه المحققون الفرنسيون في أن سلامة راكم أصولا عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي احتيالي معقّد وإساءة استخدامه أموالا عامة لبنانية على نطاق واسع. وكان يُرجّح أن يؤدي مثوله أمام القاضية أود بوريزي الثلاثاء إلى توجيه اتّهامات إليه.
وقال هو في بيان اليوم الثلاثاء إن مذكرة الاعتقال الفرنسية الصادرة بحقه "خرق لأبسط القوانين". ويرفض سلامة (72 عاما) الاتهامات الموجهة إليه.
وتخلف سلامة اليوم الثلاثاء عن جلسة في باريس كان من المتوقع أن يوجه فيها الادعاء الفرنسي اتهامات أولية له بالاحتيال وغسل الأموال، حسبما أفاد مصدران مطلعان على خطط سفره، وهو من شأنه أن يطرح أسئلة عن الخطوات القانونية القادمة التي ستلجأ لها القاضية أود بوريزي بعدما تعذّر إبلاغه.
ويجري التحقيق مع سلامة ومساعدته ماريان الحويك وشقيقه رجا في لبنان وخمس دول أوروبية على الأقل للاشتباه في استيلائهم على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي. فيما ينكر الشقيقان ارتكاب أي مخالفة.
وقال مصدران مطلعان على خطط سفر سلامة لوكالة رويترز اليوم الثلاثاء إن حاكم مصرف لبنان لم يغادر بيروت. ولم يرد سلامة ولا محاميه في لبنان على طلبات تعليق من رويترز".
وفي حين تشير معظم المعلومات المتداولة إلى أن سلامة بات يبيت في مصرف لبنان بشكل دائم ولا يغادره إلا للضرورة القصوى، إلا أن القضاء اللبناني فشل أربع مرّات في تبليغه وفق الأصول بوجوب مثوله أمام القضاء في باريس، وفق ما أفاد مسؤول قضائي رفيع المستوى.
واستبق وكلاء سلامة الجلسة وتقدموا الإثنين بطلبات أمام القضاء اللبناني لتعليق التعاون مع التحقيقات الأوروبية والاكتفاء بالتحقيق المحلي الذي يجري أساساً على خلفية التحقيقات الأوروبية في قضايا غسل أموال واختلاس.
وخلال وجودهم في لبنان، طلب قضاة فرنسيون من نظرائهم اللبنانيين تبليغ سلامة باستدعائه للمثول أمامهم في باريس.
وقال المسؤول القضائي إن دورية أمنية توجهت الأسبوع الماضي لأربعة أيام متتالية إلى مبنى مصرف لبنان لتبليغ سلامة "موعد جلسة استجوابه المقررة أمام القاضية أود بوريزي الثلاثاء في باريس، لكنها لم تعثر عليه".
وفي كل مرة، وفق المسؤول القضائي، كان مسؤول الأمن في المصرف يبلغ الدورية أن الحاكم غير موجود.
وبعد تعذر تبليغ سلامة، سيراسل قاضي التحقيق في بيروت شربل أبوسمرا القاضية الفرنسية لاطلاعها.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون سلامة قد تعمّد عدم استلام التبليغ ليُشكّل ذلك حجّة قانونية له للتهرّب من المثول أمام القاضية الفرنسية بوريزي خوفاً من توقيفه وإدانته، علماً أنها كانت استمعت إليه مع قضاة أوروبيين آخرين في مارس خلال جلستين أشرف عليهما القضاء اللبناني.
وقال المسؤول القضائي "بعدم تبليغه، بات سلامة غير ملزم الذهاب إلى فرنسا".
لكن المحامي اللبناني وديع عقل أكد أن هناك تطورات كثيرة في ملف سلامة، منها توجّه لوضعه في مكانة يكون فيها أكثر من مدعى عليه، وأن التحقيقات ستتسع لتشمل عددا أكبر من المدعى عليهم.
وقال عقل لوكالة "سبوتنيك" الروسية الثلاثاء "في حال امتنع سلامة عن المثول أمام القضاء الفرنسي في الجلسة المقررة اليوم الثلاثاء وصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية، فإن لبنان ملزم بتسليمه عن طريق الإنتربول، وإلا سيعتبر لبنان يغطي على جريمة مرتكبة في أوروبا".
وكان مصدر قضائي قال لوكالة فرانس برس إن بوريزي أبلغت سلامة خلال الاستماع إليه في بيروت بوجوب المثول أمامها في 16 مايو في باريس، لكن أبوسمرا اعترض على الطريقة كونه يجب تبليغه عبر القضاء اللبناني وفق الأصول.
وحضر محققون أوروبيون من فرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا وبلجيكا ثلاث مرات العام الحالي إلى لبنان، حيث استمعوا إلى سلامة وشهود آخرين في قضيته بينهم شقيقه رجا وموظفون سابقون في مصرف لبنان ومسؤولو مصارف تجارية.
وعشية جلسة الاستجواب في باريس، تقدم وكلاء الدفاع عن سلامة وشقيقه ومساعدته، وفق المسؤول القضائي، "بدفوع شكلية أمام النيابة العامة التمييزية طلبوا فيها إرجاء المساعدة القضائية الأوروبية لكونها تتعارض مع التحقيقات الجارية في لبنان".
وطلب محامو الدفاع "نقل جميع إجراءات الملاحقة بالجرائم المزعومة وتركيزها في لبنان" أمام أبو سمرا، الذي يقود تحقيقاً محلياً فتحه في أبريل 2022 بشأن ثروة سلامة ومصدرها على هامش التحقيقات الأوروبية.
وتركّز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة "فوري أسوشييتس" المسجّلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها شقيق الحاكم.
ويُعتقد أن الشركة أدت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من مصرف لبنان عبر تلقّي عمولة اكتتاب، تمّ تحويلها إلى حسابات رجا سلامة في الخارج.
وأوضح المسؤول القضائي أن وكلاء سلامة دعوا قاضي التحقيق الى أن يطلب من القضاة الأوروبيين "تعليق تحقيقاتهم المتعلقة بالجرائم الأصلية المزعومة في ملف شركة فوري وغيرها بشكل نهائي"، ورأوا أن "أن ما تقوم به بعض الدول الأوروبية يشكل خرقاً صارخاً للسيادة اللبنانية"، معتبرين أن "القضاء اللبناني وحده المخوّل إجراء تحقيقات بالجرائم المزعومة المرتكبة على أراضيه".
وينفي سلامة باستمرار الاتهامات الموجهة إليه، معتبراً أن ملاحقته تأتي في سياق عملية سياسية وإعلامية "لتشويه" صورته.
وجمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ قبل عام 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتهم غسل أموال و"اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021".