مذبحة المسجدين في نيوزيلندا تصدم العالم

أكدت حادثة استهداف مسجدين في نيوزيلندا من قبل شاب يميني متطرف، تحذيرات أجهزة الاستخبارات الغربية المتواصلة من تنامي التشدد اليميني وخطره على السلم الاجتماعي داخل المجتمعات متعددة العرقيات والأديان. وتعكس الحادثة قصور المقاربات الأمنية الصرفة في التصدي للظواهر الإرهابية، ما يستوجب إعادة قراءة شاملة للمعطى الإرهابي ودوافعه العميقة إضافة إلى بداية تشكلاته وتمظهراته.
كريستشيرش (نيوزيلندا) - قام “يميني متطرف” مزوّد بأسلحة نصف آلية بإطلاق النار عشوائيا على المصلين داخل مسجدين في مدينة كريستشيرش النيوزيلندية، ما أدى إلى مقتل 49 شخصاً وإصابة العشرات، فيما أثار الاعتداء سلسلة ردود أفعال منددة حول العالم.
وتحدّثت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن عن “أحلك يوم” في تاريخ هذا البلد الواقع في جنوب المحيط الهادئ وكان يعدّ آمنا، قبل أسوأ اعتداء يستهدف مسلمين في بلدٍ غربي، صنّفته رئيسة الوزراء مباشرةً بأنه “إرهابي”. ونقل المهاجم مباشرةً على الإنترنت مقاطع من الاعتداء، حيث أمكن رؤيته ينتقل من ضحية إلى أخرى، مطلقا النار على الجرحى الذين يحاولون الهرب منه.
وقالت الشرطة إنها أوقفت أستراليا يبلغ من العمر 28 عاما ووجهت إليه تهما بالقتل في الهجوم. ومن المقرر أن يمثل السبت أمام محكمة مقاطعة كريستشيرش. وأوقف رجلان آخران لكن لم تعرف بعد التهم الموجهة إليهما.
ونشر المشتبه به الأساسي “بياناً” عنصرياً على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن ينفذ الهجوم. ويبدو أنه استوحى في بيانه من نظريات منتشرة في أوساط اليمين المتطرف وتقول إن “الشعوب الأوروبية” يجري استبدالها بمهاجرين غير أوروبيين.
وعثر على عبوتين ناسفتين يدويتين مثبتتين على سيارة وجرى تفكيكهما بحسب الشرطة. وفي سيدني، وصف رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون المهاجم بأنه “شخص عنيف متطرف من اليمين”. وأدانت دول غربية وأخرى عربية وإسلامية الاعتداء الإرهابي والوحشي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهجوم بأنه “مقزز ووحشي وصادم”، معربا في بيان نشره الكرملين عن تمنياته بأن تتم محاسبة كافة المتورطين فيه، فيما أعربت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن حزنها العميق للضحايا.
وكذلك وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تغريدة، الهجوم بـ”الإرهابي”، مضيفا “تعازي لشعب نيوزيلندا.. الولايات المتحدة تقف إلى جانب نيوزيلندا في أي شيء يمكننا القيام به”.
وفي العالم الإسلامي نقلت وكالة الأنباء السعودية، عن مصدر مسؤول بالخارجية تنديده “بأشد العبارات، إطلاق النار الذي استهدف المسجدين”، مشددًا على موقف المملكة “الداعي إلى ضرورة احترام الأديان”.
وأعرب أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، في برقية بعثها إلى حاكم عام نيوزيلندا باتسي ريدي عن رفض بلاده وإدانتها واستنكارها الشديد للاعتداء الإرهابي والوحشي الذي استهدف مسجدين.
وغرّد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن مذبحة نيوزيلندا قائلا “جريمة إرهابية صادمة ومؤلمة توحدنا للاستمرار في محاربة التطرف”. بينما اعتبرت الحكومة الأردنية، في بيان، أن الاستهداف الغاشم والمتكرر للأبرياء يعد من أبشع صور الإرهاب.

وبدورها، قالت الخارجية البحرينية، إنها “تدين بشدة العمل الإرهابي الجبان الذي يتنافى مع جميع المبادئ الدينية والقيم الإنسانية”، فيما قالت الخارجية العمانية، في بيان إنها تؤكد “موقفها الثابت الرافض لكافة أشكال العنف والإرهاب والكراهية والعنصرية بحق الناس الأبرياء في كل زمان ومكان”.
وشدَّد الأزهر، على أن الهجوم الإجرامي على مسجدي نيوزيلندا يعد “مؤشرًا خطيرًا لتصاعد خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا”، وقال في بيان، إن “ذلك الهجوم الإجرامي، الذي انتهك حرمة بيوت الله وسفك الدماء المعصومة، يجب أن يكون جرس إنذار على ضرورة عدم التساهل مع التيارات والجماعات العنصرية التي ترتكب مثل هذه الأعمال البغيضة”، فيما دعت منظمة التعاون الإسلامي، في بيان، السلطات النيوزيلندية إلى إجراء تحقيق فوري في الهجوم الإرهابي على المسجدين، وطالبت بتوفير الحماية للجالية الإسلامية. ومباشرة على إثر الحادثة، أصدر مسؤولون بريطانيون وفرنسيون أوامر بتعزيز التواجد الأمني حول المساجد، خشية استهدافها.
نبذة عن المسلمين في نيوزيلندا
ويلنغتون - يبلغ عدد مسلمي نيوزيلندا، حسب إحصاء سنة 2013 للسكان، 46.194 نسمة ما يعادل 1.04 بالمئة من مجموع سكان البلاد، ويعتبر الإسلام في نيوزيلندا من أكثر الديانات نموا، حيث ازداد عدد السكان المسلمين ستّة أضعاف بين عامي 1991 و2006، وحوالي 77 بالمئة من مسلمي نيوزيلندا مولودون في الخارج، وأغلبهم من الهند، حيث تبلغ نسبة الهنود من بين المسلمين حوالي 29 بالمئة، أمّا نسبة مسلمي الشّرق الأوسط فتبلغ حوالي 21 بالمئة، وهم من العرب والإيرانيين، وهذا التصنيف بحسب وزارة التّنمية الاجتماعية النيوزلندية.
وبحسب كتاب “التاريخ الإسلامي الأقليات الإسلامية” للباحث محمود شاكر، فإن المسلمين لم يصلوا إلى نيوزيلندا إلا من عهد قريب لا يبعد عن عام 1390 ميلادي، إذ هاجر مسلمون من جنوب شرق آسيا، ومن جزر فيجي، وتجار من الهند من منطقة كوجرات، ثم من ألبانيا ويوغوسلافيا وتركيا وباكستان، وأسلم عدد من سكان نيوزيلندا، ويتجمعون في المدن الكبرى في أوكلاند والعاصمة ويلنغتون وكريستشيرش.
وتأسست في أوكلاند جمعية حماية الإسلام، ثم تبعها تأسيس جمعيات إسلامية في ويلنغتون وبلمرستون وكريستشيرش، وفي مدينة أوكلاند أيضا يوجد مركز إسلامي يعرف بالمركز الإسلامي النيوزيلندي، وله فرع في ويلنغتون، وقد بنى مسجدا في المدينة نفسها عام 1399، ويضم مقرا للمركز وقاعات للاجتماعات، وقد قامت الجمعية في أوكلاند بجهود لقيام اتحاد يضم الجمعيات الإسلامية في مختلف مدن البلاد، كما تتصل بالمسلمين في جزر فيجي وأستراليا والهند وجنوب أفريقيا. ويوضح كتاب “الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا” للكاتب مصطفى رمضان، أن أول جمعية إسلامية تأسست رسميا كانت عام 1952 في أوكلاند أكبر مدن البلاد، والآن يجتمع المسلمون تحت اتحاد شامل اسمه “اتحاد الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا”.