مديونية ثقيلة تعقّد مهمة العراق في تجاوز الأزمة والاستجابة لمطالب الشارع المحتقن

مستثمرون مُعْرضون عن البلد ودول رافضة لإسقاط ديونه ونخبة سياسية فاسدة لا تفكر في مصلحة البلد.
الجمعة 2021/04/16
التنمية لم تمر من هنا

حجم المديونية الثقيلة التي يرزح تحتها العراق والتي لا تتناسب مع مقدّراته الاقتصادية الضخمة، يمثّل شاهدا على الهدر الكبير الذي تعرّضت له موارد البلاد طيلة الثماني عشرة سنة الماضية في ظلّ تجربة حكم أصبحت في نظر العراقيين عنوانا للفشل والفساد، وباتت في مرمى غضبهم العارم دون أن يكون هناك أفق لإخماد ذلك الغضب بإعادة إطلاق التنمية وتحسين الأوضاع الاجتماعية وترميم البنية التحتية والارتقاء بمستوى الخدمات العامّة.

بغداد – يعكس حجم الديون المتراكمة على العراق، حالة مزمنة من الهدر والفساد والفشل في إدارة موارد الدولة التي تمتلك بالإضافة إلى ثروتها النفطية الكبيرة مقدّرات هائلة في مجال الزراعة، فضلا عن توفر بنية صناعية هامّة تمّ إرساؤها خلال عقود سابقة لكنّها أهملت وآلت إلى التلاشي بفعل التقاعس عن إصلاحها وتطويرها.

وقال مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي الخميس، إن ديون بلاده الداخلية والخارجية تبلغ 113 مليار دولار منها 40 مليارا ديونا معلّقة لصالح 8 دول منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

ويعقّد حجم المديونية الجهود الحكومية للخروج من الأزمة الحالية الناتجة عن جائحة كورونا وتذبذب أسعار النفط، والتي انعكست على موازنة الدولة التي أقّرت مؤخّرا بعجز قيمته 43 مليار دولار من حجم جملي بلغ 103 مليارات دولار.

لكنّ للأزمة انعكاسات أوسع نطاقا، حيث تضيّق هامش تحسين الأوضاع الاجتماعية والخدمية والحدّ من الفقر والبطالة، وهي ظواهر أصبحت لصيقة بتجربة الحكم الجارية في البلاد منذ حوالي ثمانية عشر عاما.

وكثيرا ما تحوّلت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكذلك استشراء الفساد في مفاصل الدولة العراقية، خلال السنوات الأخيرة إلى قادح لشرارة احتجاجات شعبية عارمة بلغت مداها منذ خريف سنة 2019 ولجأت السلطات إلى استخدام القوّة المميتة في مواجهتها عندما استشعرت الأحزاب الحاكمة وجود تهديد من قبل الشارع الغاضب للنظام السياسي الذي تقوده تلك الأحزاب.

اقتصاد ريعي غير منتج للثروة وقطاع عام كسول ومتضخم جراء التوظيف العشوائي ومكرّس للفساد وهدر الموارد

لكن الحل الأطول مدى يظل في إعادة إطلاق مسار التنمية شبه المتوقّف في العراق، وخلق دورة اقتصادية نشيطة وغير ريعية وقادرة على خلق مواطن الشغل والحدّ من الفقر، بالإضافة إلى ضرورة إعادة تأسيس البنية التحتية المتهالكة بشدّة والمنعدمة في الكثير من مناطق البلاد بما في ذلك المدن الكبرى ناهيك عن الأماكن النائية.

كما تنتظر العراقَ مهمّة شاقة في إعادة إعمار المناطق المدمّرة من حرب داعش بين سنتي 2014 و2017 والواقعة في شمال البلاد وغربها، وهي خطوة ضرورية في بسط الاستقرار بتلك المناطق وإعادة سكانها الذين نزحوا عنها خلال سنوات الحرب.

ويحتاج البلد في ذلك إلى المساعدة الخارجية سواء في شكل هبات أو قروض أو استثمارات مباشرة. لكنّ جلب التمويل من هذه الأبواب يبدو صعبا في ظلّ مديونية البلاد، وأيضا بسبب انعدام ثقة الشركاء الدوليين سواء جرّاء الظروف الأمنية غير المستقرّة أو بسبب الظروف السياسية وفساد تجربة الحكم وانعدام الشفافية في إدارة الشأنين الاقتصادي والمالي.

وقال المستشار المالي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية العراقية أنّ “ديونا خارجية على العراق تراكمت بسبب الحرب على تنظيم داعش وأخرى بسبب مشاريع تنموية قدمتها صناديق عالمية بقيمة 23 مليار دولار واجبة الدفع”.

ووفق مسح لوكالة الأناضول، تشكل قيمة الدين العام المستحق على العراق 49.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد المقدر في 2020 بـ230 مليار دولار.

وأوضح صالح أن “الحكومة عليها ديون داخلية تبلغ 50 مليار دولار، إضافة إلى ديون معلقة لـ8 دول منها إيران والسعودية وقطر والإمارات والكويت، بقيمة 40 مليار دولار. وهذه الدول ترفض شطب ديونها رغم أنها عضو في نادي باريس”.

ونادي باريس هو عبارة عن تجمع دول ومؤسسات مالية عالمية تأسس في خمسينات القرن الماضي، وتتمثل مهامّه في تقديم القروض المالية لتجنيب الدول والكيانات خطر الإفلاس.

Thumbnail

وقررت عدد من الدول المنضوية في النادي عام 2004 شطب 80 في المئة من ديونها المستحقة على العراق منذ تسعينات القرن الماضي، وخفضت تلك الديون من 38.9 مليار دولار إلى 7.8 مليار دولار.

ولم يتطرق المسؤول العراقي إلى تطور الدين العام المستحق على بلاده خلال العام الماضي الذي شهد تراجعا في المداخيل بسبب هبوط أسعار النفط مصدر الدخل الرئيس للبلاد، ومقارنته مع 2019.

لكن في سبتمبر 2020 صرح وزير المالية علي علاوي بأن حجم الدين العام على بلاده هو 133.3 مليار دولار، وفق سعر الصرف السابق البالغ 1183 دينارا للدولار مقارنة مع 1450 حاليا.

والعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 4.6 مليون برميل في الظروف الطبيعية، بعيدا عن اتفاقية خفض الإنتاج الحالية من جانب تحالف أوبك+.

وخلال فترات سابقة من تجربة الحكم الحالية التي قامت على أنقاض النظام السابق الذي سقط على يد الجيش الأميركي، مرّ العراق بمراحل انتعاش في مداخيل النفط بسبب ارتفاع الأسعار، لكنّ ذلك لم ينعكس على مستوى التنمية وتحسين البنية التحتية والأوضاع الاجتماعية.

وظل التعويل بشكل شبه كليّ على قطاع عام كسول ومتضخّم بشكل كبير جرّاء التوظيف العشوائي، وأيضا مكرّس للفساد وهدر الموارد.

وتذهب بعض المصادر إلى تقدير ما تأتّى للدولة العراقية من أموال النفط بين سنتي 2005 و2018 بـ800 مليار دولار، نهب أغلبها من قبل الأطراف الكثيرة المشاركة في السلطة من أحزاب وفصائل مسلّحة.

3