مدينة الحرير في الكويت تواجه ممانعة من القوى المحافظة

عدم اتضاح خطط التمويل يضفي المزيد من الغموض على المشروع.
الجمعة 2019/05/03
البرلمان الكويتي يحتفي برئيس الوزراء الياباني عقب تشييد جسر الشيخ جابر الصباح

مشروع مدينة الحرير يشكل بالنسبة إلى مؤيديه نقلة نوعية لاقتصاد الكويت، بيد أنه من وجهة نظر القوى المحافظة التي تعد طرفا مؤثرا في المعادلة القائمة في هذا البلد، هو تهديد يتعارض مع قيم المجتمع الكويتي ودستوره المستمد من الشريعة الإسلامية.

الكويت - تسير الكويت بخطى ثابتة نحو تنفيذ مشروع مدينة الحرير في شمال الكويت الذي يهدف إلى إنهاء حالة الارتهان إلى النفط عبر تنويع مصادر دخل البلاد، واجتذاب الاستثمار الأجنبي وتقوية الروابط التجارية مع الجوار والصين، أو ذلك على الأقل هو ما تهدف إليه الخطة.

ويمهّد تشييد أطول جسر يربط بين العاصمة الكويتية والمنطقة الشمالية الطريق لتنفيذ هذا المشروع الواعد الذي يراهن عليه نجل أمير الكويت الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح لتحقيق قفزة في مسار طموحاته السياسية.

ويرى مراقبون أن تنفيذ مشروع مدينة الحرير أو “هونغ كونغ الجديدة”، كما يحلو للشيخ ناصر تسميتها، لا يخلو من عراقيل جزء منها سياسي.

وكان الشيخ ناصر، الذي يتولى منصبي وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء، قد واجه معارضة شديدة من قبل مجموعة من المشرعين في مارس. حيث انتقدوا مسودة قانون بدا أنها تضع المنطقة المقترحة خارج الرقابة البرلمانية، وأثار مخاوف من السماح بالخمور في بلد مسلم.

وقالت النائبة صفاء الهاشم للصحافيين، بعدما شاركت في اجتماع عقده الشيخ ناصر مع أعضاء لجنة برلمانية، إن مسودة القانون “عبارة عن إنشاء دولة داخل الدولة.. أخطر قانون شفته في حياتي”.

وتهدف خطة وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء التي تتضمن بناء منطقة اقتصادية حرة وميناء في المياه العميقة، على مراحل تمتد لما يزيد عن 25 عاما، إلى وضع حد لحالة الانحدار التي تشهدها الكويت مقارنة بجيرانها الذين فتحوا أبوابهم أمام الاستثمار الأجنبي، ويتنافسون على أن يصبحوا مراكز لأنشطة الأعمال في المنطقة.

ورغم الإغراءات الكثيرة لهذه الخطة التي يراد أن تشكل نقلة نوعية لوضع اقتصاد البلاد على سكة الحداثة، إلا أن هناك قوى محافظة لها حضور مؤثر داخل البرلمان تعارضها.

وقال محمد الهاشل، محافظ بنك الكويت المركزي في مائدة مستديرة مصرفية في مارس الماضي، “هناك مقاومة متزايدة للإصلاحات. إنها حالة جسم مريض لا يرغب في تناول الدواء، لكن دون علاج اختلالاتنا الهيكلية لن نتمكن من إحراز تقدم كبير”.

ويقول مؤيدو مدينة الحرير إن المشروع أساسي لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن صادرات النفط، التي تشكل نحو 90 بالمئة من دخل الدولة، وتطوير القطاع الخاص للمساهمة في خفض الإنفاق على الأجور والدعم اللذين يلتهمان حوالي 70 بالمئة من الميزانية.

ويشمل المشروع خمس جزر ومنطقة في شمال الكويت ويربطهما بالعاصمة جسر الشيخ جابر الأحمد، الذي بلغت تكلفته حوالي 904 ملايين دينار (ثلاثة مليارات دولار) وافتتح الأربعاء.

محمد الدلال: هويتنا إسلامية، ولا يمكن أن يكون هناك انفتاح غير مسؤول
محمد الدلال: هويتنا إسلامية، ولا يمكن أن يكون هناك انفتاح غير مسؤول

وبالإضافة إلى المنطقة الحرة والميناء، يتضمن المشروع مطارا وملعبا أولمبيا وبرجا يراد أن يكون أطول من برج خليفة في دبي، وهو حاليا أطول مبنى في العالم، ومساكن تستوعب ما يصل إلى 700 ألف شخص.

ويهدف المشروع إلى خلق 200 ألف وظيفة على الأقل، بحسب تعليقات للشيخ ناصر نقلتها وسائل إعلام محلية العام الماضي، وهو أمر مهم في بلد يزيد فيه الشباب دون 25 عاما عن نصف سكانه، ويعاني من عمالة زائدة في القطاع العام الذي لا يمكنه استيعاب الوافدين الجدد لسوق العمل.

وجدير بالذكر أن خطط إقامة منطقة اقتصادية في شمال الكويت القليل السكان كانت تطل برأسها منذ سبعينات القرن الماضي. ومحاولات الشيخ ناصر لإحياء الفكرة منحتها شهرة واسعة، حيث يُنظر إلى النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الذي يبلغ من العمر 71 عاما كمنافس محتمل بعد ولي العهد لخلافة والده أمير البلاد (81 عاما)، حسب ما قال دبلوماسيون ومصدران قريبان من الأسرة الحاكمة، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية المسألة.

وتريد الحكومة أيضا تعزيز دفاعات الكويت في مواجهة التقلبات في أسواق السلع الأولية، إضافة إلى دعم أمنها الإقليمي من خلال الشراكة مع الصين. ومن حيث نصيب الفرد من الدخل، تأتي الكويت بين أغنى الدول في العالم نظرا لعدد سكانها القليل وإيراداتها النفطية الكبيرة.

لكنها شهدت في العام 2016 أول عجز في الميزانية في نحو 20 عاما بسبب هبوط أسعار النفط. وفي تلك الأثناء، يتخذ جيرانها المعتمدون على النفط، مثل السعودية والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، خطوات واسعة لتنويع الاقتصاد، وقد حققوا تقدما وإن متفاوتا في هذا المسار.

وخطة مدينة الحرير شحيحة التفاصيل، وبصفة خاصة في ما يتعلق بمصادر التمويل. وحين عُرض المشروع في وسائل الإعلام الحكومية في يوليو الماضي 2018، كانت تكلفته تقدر بنحو 86 مليار دولار، لكنّ مسؤولين لم يذكروا تفاصيل هذا الرقم. وحينما سُئل عن التمويل في مارس، قال خالد المهدي الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية في الكويت، إن النموذج المالي لا يزال قيد البحث، لكن الجزء الأكبر سيأتي من القطاع الخاص. ولم يذكر المزيد من التفاصيل.

ومما يضيف إلى التساؤلات التي تحوم حول الخطة، قيام الشيخ ناصر في الأسبوع الماضي بحل مجلس أمناء مدينة الحرير المسؤول عن إدارة المشروع، في مرسوم نشرته الجريدة الرسمية للكويت الأحد، دون إبداء أسباب. ولم تتم تسمية مجلس جديد.

وتراهن خطة الشيخ ناصر على تعافي العراق من سنوات الحرب، وعلى حل المعضلة الإيرانية، في نظرة طويلة الأجل جذبت اهتمام الصين في إطار مبادرتها الحزام والطريق لإعادة بناء طريق الحرير القديم ليربط الصين بآسيا وأوروبا وما وراء ذلك. وقال مصدر كويتي مطلع على الخطة إن الصين قد تدير الميناء مقابل رسوم، وتشارك في إدارة المنطقة الاقتصادية.

وذكرت وسائل إعلام حكومية كويتية هذا الأسبوع أن مبعوثا كويتيا وقّع، بالإنابة عن الشيخ ناصر، على مذكرة تفاهم مع بنك التنمية الصيني تتعلق “بالتطوير والتعاون الاستشاري” على هامش قمة الحزام والطريق في بكين.

وذكر بيان من وزارة الخارجية الصينية أن الاتفاقية أشارت إلى مدينة الحرير وتطوير الجزر الخمس، لكنه لم يذكر المزيد من التفاصيل.

ودعت مسودة قانون، نشرتها صحيفة القبس، إلى أن تكون المنطقة مستقلة من النواحي الإدارية والقانونية والتمويلية في نموذج مماثل لمركز دبي المالي العالمي، الذي يتيح إعفاءات ضريبية ولديه نظامه القضائي الخاص.

ويخشى أعضاء البرلمان من أن ذلك سيضع المنطقة خارج نطاق رقابتهم. وغالبا ما يستجوب المشرعون الوزراء، وهو ما يؤدي إلى تعديلات وزارية أو حل البرلمان لتفادي اقتراع بعدم الثقة، خاصة أن أعضاء من الأسرة الحاكمة يشغلون مناصب وزارية.

وقالت كريستين ديوان، الباحثة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، “ستكون عملية إقناع صعبة للغاية”.

ويخشى بعض أعضاء البرلمان من بناء مدن تحتوي على محلات لشرب الخمور وملاه ليلية في تجاوز للدستور الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وصرح النائب محمد الدلال “الكويت، طبيعتها وهويتها عربية إسلامية ويغلب عليها الطابع المحافظ. وهناك نصوص دستورية، سواء كانت المادة الثانية من الدستور التي تتعلق بالشريعة الإسلامية أو النص المتعلق باحترام ومراعاة الآداب العامة.. وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك انفتاح غير مسؤول”.

3