مدينة التفاحة الكبيرة تطرد الأثرياء والعاملين

أثرياء نيويورك هم أول الأشخاص الذين تركوا المدينة وغادروا مقار إقاماتهم الراقية ليقيموا في بيوتهم التي اعتادوا أن يمضوا فيها فصل الصيف.
الاثنين 2020/08/31
المدينة التي لا تنام خالية من سكانها

نيويورك- عندما غادرت ليلى سعيد شقتها في مدينة نيويورك خلال منتصف مارس الماضي، أخذت معها حقيبة صغيرة فقط، وقالت “كنت أعتقد أنني سأعود بعد أسبوع أو نحو ذلك”. والآن أصبحت متأكدة تماما من أنها لن تعود أدراجها مرة أخرى.

وتركت سعيد مكتب السفريات الذي تعمل فيه بنيويورك مع بدء انتشار جائحة كورونا، ذلك لأنها أدركت أنه صار من الصعب أن تعمل من المنزل، حيث تقيم في غرفة صغيرة داخل شقة مشتركة بضاحية بروكلين.

وبالتالي كان على سعيد التي يبلغ عمرها 31 عاما أن تنتقل مع أمها إلى المنطقة الجنوبية من ولاية كاليفورنيا، غير متخيلة كم من الزمن سيمضي على بقائها في هذا المكان. وقصة سعيد ليست فريدة من نوعها، حيث أن مئات الآلاف من الأشخاص مروا بتجارب مماثلة خلال الأشهر القليلة الماضية.

مبنى مكاتب منظمة الأمم المتحدة المطل على نهر إيست ظل خاليا تقريبا لبضعة أشهر، بعد أن عاد الكثير من الموظفين إلى بلدانهم، ورغم ذلك لا يزال العمل بالمبنى في قمة النشاط

وأول الأشخاص الذين تركوا مدينة نيويورك التي تلقب بالتفاحة الكبيرة، هم الأثرياء الذين غادروا مقار إقاماتهم الراقية، في أحياء “أبر إيست سايد” و”أبر وست سايد” أو “سوهو”، ليقيموا في بيوتهم التي اعتادوا أن يمضوا فيها فصل الصيف.

وبعد ذلك غادر منازلَهم أولئك الذين فقدوا وظائفهم، أو الذين قرروا تأسيس مكتب في مكان آخر يتم العمل فيه من خلال شبكة الإنترنت.

والآن تبدو جولة خلال شوارع نيويورك أنها هادئة بشكل يثير الدهشة بالنسبة إلى مدينة تشتهر بأنها لا تنام، وتشير أبراج المكاتب الخالية في ميدتاون ووسط المدينة إلى أن الرأسمالية الغربية قد توقفت، ومن ناحية أخرى صار ميدان التايمز موحشا، وأصبح تمثال الحرية مهجورا حيث لم يعد هناك إلا عدد محدود من السياح.

وبمجرد أن غادرت سعيد المدينة علمت أن المكتب الذي تعمل فيه سيغلق لفترة من الزمن، فاتصلت هاتفيا بزميلتها التي تشاركها الشقة السكنية ببروكلين، وقامت الزميلة بجمع أمتعتها وبيع أثاثها وأرسلت إليها الأوراق والملابس الخاصة بها إلى مقر إقامتها الجديد المطل على المحيط الهادي.

والآن لا تفكر سعيد حتى في العودة إلى نيويورك، وأوضحت “أن العودة تعني أنني سألتزم مرة أخرى بتأجير مكان للسكن، في الوقت الذي تسود فيه الكثير من مشاعر عدم التيقن إزاء ما يحمله المستقبل لكل فرد من الناحية المهنية وبالتالي من الناحية المالية”.

ليلى سعيد: العودة تعني أنني سألتزم مرة أخرى بتأجير مكان للسكن، في الوقت الذي تسود فيه الكثير من مشاعر عدم التيقن إزاء ما يخبئه المستقبل
ليلى سعيد: العودة تعني أنني سألتزم مرة أخرى بتأجير مكان للسكن، في الوقت الذي تسود فيه الكثير من مشاعر عدم التيقن إزاء ما يخبئه المستقبل

وضربت الجائحة الاقتصاد الأميركي بشدة، حيث اختفت 1.4 مليون وظيفة في ولاية نيويورك خلال يونيو الماضي مقارنة بما حدث في العام السابق.  وارتفعت معدلات البطالة في مدينة نيويورك من 3.9 في المئة إلى 20.4 في المئة، ويخشى الكثيرون من أن تستغرق استعادة الاقتصاد عافيته وقتا أطول مما هو متوقع.

وتأثر بفقدان الوظائف الأفراد الذين يعملون في قطاع الخدمات والصناعات والأنشطة الصغيرة، التي قد لا تستطيع النجاة من الأزمة الحالية على الإطلاق. كما أثرت الجائحة على الأنشطة الاقتصادية الأكبر حجما أيضا في مانهاتن.

وفي الأحياء التي يمكن أن تبلغ قيمة إيجار شقة مكونة من غرفتي نوم بسهولة خمسة آلاف دولار في الشهر، تراجعت القيمة الإيجارية وصار أصحاب المنازل الآن يعرضون شققهم للإيجار مع التنازل عن إيجار بضعة أشهر. وأضحى عدد الشقق الشاغرة أعلى من المعدل الذي كان عليه خلال 14 سنة مضت، وذلك وفقا لما تشير إليه دراسة أعدتها شركة “دوغلاس إليمان” العقارية.

وقد تظل هذه المنازل شاغرة لفترة من الزمن، حيث أن العدد المحدود من العاملين الذين عادوا إلى المدينة لن يكفي لحل الأزمة.

ومن المتوقع أن يعود ما نسبته 10 في المئة فقط من العاملين إلى مكاتبهم في مانهاتن خلال الصيف الحالي، وذلك وفقا لدراسة ميدانية أجرتها منظمة “بارتنرشيب مدينة نيويورك” التي تضم ممثلين عن الشركات الكبرى في المدينة، حيث تشير الدراسة إلى أنه من المرجح أن يعود ما نسبته نحو 40 في المئة من العاملين إلى أعمالهم بحلول نهاية العام الحالي.

وحتى في حالة عودتهم فإن نمط الحياة الذي يعج بأنشطة الشركات في نيويورك، والذي يصاحبه تناول الأطعمة والمشروبات أثناء وبعد انتهاء العمل، قد يتغير أيضا؛ حيث اكتشف بعض أرباب العمل ميزات العمل عن بعد خاصة ما يتعلق بخفض النفقات.

تركت سعيد مكتب السفريات الذي تعمل فيه بنيويورك مع بدء انتشار جائحة كورونا، ذلك لأنها أدركت أنه صار من الصعب أن تعمل من المنزل، حيث تقيم في غرفة صغيرة داخل شقة مشتركة بضاحية بروكلين

ومن ناحية أخرى فإن مبنى مكاتب منظمة الأمم المتحدة المطل على نهر إيست ظل خاليا تقريبا لبضعة أشهر، بعد أن عاد الكثير من الموظفين إلى بلدانهم، ورغم ذلك لا يزال العمل بالمبنى في قمة النشاط وفقا لما قاله متحدث باسم المنظمة.

ومن جانبها تستمتع سعيد بالجوانب الأكثر لطفا؛ إذ أنها تحس بالاستقرار في بيتها، وقالت “إنني شخصيا أحب العمل عن بعد”، مضيفة أن الفريق العامل معها أصبح أكثر إبداعا مقارنة بالمعتاد. وتابعت “في الماضي كان أرباب العمل في الولايات المتحدة يرفضون العمل عن بعد، “ولكن الآن أصبح هناك تحول ذهني إزاء هذه المسألة لدى كلا الجانبين”.

وتمت إعادة فتح مكتب سعيد بنيويورك منذ أسبوع، غير أنه تم السماح للموظفين بالاستمرار في العمل من المنزل. وتتمثل خطة سعيد في عدم العودة إلى نيويورك، وعن ذلك تقول “أفضل العثور على مدينة تناسب أسلوب حياتي بدرجة أكبر”، وهي تفكر في الاستقرار بلوس أنجلس.

20