مدن ساحلية يجرفها البحر

ارتفاع منسوب مياه البحار سيؤدي إلى موجات هجرة جماعية وسيترك مدنا بأكملها لمصيرها في مواجهة الفيضانات.
الخميس 2021/06/24
في خط المواجهة

باريس - منذ آلاف السنين بنى البشر مدنهم على السواحل وعند مصبات الأنهار، ما حوّل الكثير منها إلى مراكز قوة تجارية ومواقع انصهار ثقافي. لكنّ تغير المناخ بات يجعل من هذه القوة عبئاً إذ يعيد رسم الخارطة ويعرّض مئات الملايين من الأشخاص للخطر.

ففي مدينة تلو أخرى تتكدس أبراج المكاتب والمستودعات والمنازل على حافة المياه كما لو كانت تتدافع للغطس، فيما تعانق الطرق الرئيسية الشواطئ وتجاور مدارج هبوط الطائرات الأمواج.

يقول تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن هذه المدن تقع على “خط المواجهة”.

ويوضح أنه “سيتعين اللجوء إلى خيارات صعبة مع استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر وازدياد وتيرة الفيضانات وشدتها وعرام العواصف، فيما يزيد الاحتباس الحراري من حموضة المحيطات وحدة موجات الحر”.

ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحار إلى موجات هجرة جماعية ما سيترك مدنا بأكملها لمصيرها في مواجهة الفيضانات.

وفي بعض الأماكن يعرف الناس جيداً قدرات المياه التدميرية؛ حيث تقول ياسمين بيغوم من الكوخ المعدني الذي تعيش فيه الآن مع أقاربها في عاصمة بنغلاديش دكا “كنت في يوم من الأيام عروساً لعائلة ثرية”.

يوجد ما يقرب من عُشر سكان العالم على ارتفاع أقل من عشرة أمتار فوق مستوى سطح البحر

وتوضح “كان لدى أهل زوجي ووالديّ كل شيء، ماشية ومنزل جميل وأرض زراعية، لكن النهر جرف معه كل شيء”.

وقد عاشت الأسرة حياة مزدهرة نسبيا في منطقة جزيرة بولا في جنوب بنغلاديش، وهي عبارة عن قطعة أرض مكشوفة على الحدود الخارجية لواحدة من أكثر مناطق الدلتا اكتظاظاً بالسكان في العالم. لكن في إحدى الليالي قبل 12 عاما التهم نهر ميغنا الهائج كل ما لديهم.

وتعمل بيغوم، البالغة من العمر 30 عاما والأم لثلاثة أطفال، مدبرة منزل في دكا بينما يقود زوجها عربة توك توك في شوارع المدينة المليئة بالبخار.

لكن بعدما نجيا من الفيضان الفائت سرعان ما بات يتهددهما خطر فيضان آخر؛ فمنزلهما الجديد في أحد الأحياء الفقيرة يقع على بعد أمتار قليلة من ضفة النهر.

ويوجد ما يقرب من عُشر سكان العالم على ارتفاع أقل من عشرة أمتار فوق مستوى سطح البحر.

ويقول الرئيس التنفيذي وكبير العلماء في “كلايمت سنترال” بن شتراوس “من الناحية الهيكلية أُنشئت مدن كثيرة في المكان الخطأ لناحية مخاطر ارتفاع مياه البحار في العالم”.

وقد بُنيت الموانئ والمطارات على أكثر قطع الأرض انخفاضا وتسطحا.

ويوضح شتراوس أن “مستوى سطح البحر كان مستقرا. لكن الوضع لم يعد كذلك”.

وتشير بحوثه إلى أن مناطق من الأرض يقطنها 300 مليون شخص حاليا ستكون عرضة للفيضانات السنوية بحلول عام 2050. ومن المرجح أن يكون الأشخاص الأقل قدرة على حماية أنفسهم هم الأكثر تضررا.

وتختنق كل المناطق الحضرية بشكل متزايد بسبب تلوث الهواء والحرارة الشديدة، لكنّ المناطق الموجودة على السواحل تغمرها أيضا الفيضانات التي تشتد بسبب ارتفاع منسوب المياه وتضربها العواصف التي تلحق ضررا أكبر بسبب ارتفاع درجة حرارة مياه البحار.

وكذلك يهدد الغرق مدنا مثل البندقية وجاكرتا بينما تتعرض الدول الجزرية المنخفضة، لاسيما في المحيط الهادئ، لخطر الاختفاء تحت الأمواج.

ويؤكد التقرير أن خفض الانبعاثات الآن يمكن أن يقلل المخاطر، “غير أن ارتفاع مستوى سطح البحر يتسارع وسيستمر لآلاف السنين”.

وتوقعت الهيئة المعنية بتغير المناخ أن تكون مستويات المياه أعلى بمقدار 60 سنتيمترا بحلول عام 2100، حتى في حال حصر الاحتباس الحراري بأقل من درجتين مئويتين.

وتحذر الهيئة من احتمالات “قاتمة” من شأنها أن تهدد مدنا ساحلية كثيرة على المدى الطويل في حال عدم خفض الانبعاثات بدرجة كبيرة.

العواصف تفتك بعدد أقل من الناس وتسبب أضراراً بدرجة أدنى عندما تكون مدينة ساحلية محمية خلف منطقة عازلة وواسعة من أشجار المانغروف أو المستنقعات

ويقول التقرير إن مثل هذه الكوارث في المدن الساحلية المعولمة تشكل “خطرا على المجتمعات والاقتصاد العالمي بشكل عام”.

وبحسب التوقعات الأكثر تشاؤما لأكبر 136 مدينة ساحلية في العالم ستتراوح قيمة الأضرار المتوقعة بحلول منتصف القرن الحالي بين 1.6 و3.2 تريليون دولار جراء ارتفاع مستوى سطح البحر.

وتستمر المدن في التوسع، مما يعرض الملايين من الأشخاص للخطر، لاسيما في آسيا وأفريقيا.

وتشمل الخيارات الحماية الهندسية مثل السدود والجدران البحرية، والتي يمكن أن تقلل من مخاطر الفيضانات لما يصل إلى بضعة أمتار من ارتفاع مستوى سطح البحر، لكنها قد تلحق ضررا بالنظم البيئية. كما أن إعادة تأهيل النظم الإيكولوجية الساحلية توفر فوائد جمّة.

وتفتك العواصف بعدد أقل من الناس وتسبب أضراراً بدرجة أدنى عندما تكون مدينة ساحلية محمية خلف منطقة عازلة وواسعة من أشجار المانغروف أو المستنقعات.

وتقول مسودة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ “ليس هناك حل سحري”، لكن الخيارات ستصبح أكثر حزما إذا تفاقمت التأثيرات.

وروى البشر قصصا عن مدن وحضارات ابتلعها البحر. ويقول شتراوس “تهدف جهودنا على صعيد وقف تغير المناخ إلى حماية أرواح الأشخاص الأحياء اليوم، لكنها أيضا ستشكل القصص التي سيرويها عنا أحفادنا”.

ويضيف “أظن أنه ستكون هناك الكثير من القصص حول ما فقدناه، حول الأشياء التي فشلنا في حمايتها”.

20