مدمنون على الخبز!

أسوأ الأزمات التي تواجهها شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو غياب الخبز، الذي يمثل قوام الحياة بالنسبة إلى الكثيرين، فمهما حاول الناس تجاوز مشكلة عدم الوفرة المتوقعة في الخبز، عن طريق تغيير ما يأكلونه، فإنه ليس من السهل عليهم التأقلم مع طاولة خالية من الطعام الذي كان من بين أول اكتشافات الإنسان عبر التاريخ، كما ذكر ذلك عالم الاجتماع يوفال نوح هراري في كتابه “العاقل”.
يصعب تفسير الحالة النفسية، التي تقود الكثيرين إلى تناول الخبز بشراهة، لكن وجود الخبز على الطاولة يرتبط بالعادات والتقاليد والثقافة والبيئة التي يوجد فيها الشخص. فبمجرد رؤية البعض للخبز أو نفاذ رائحته إلى أنوفهم، قد تحدث لديهم ما أطلق عليه العالم الروسي إيفان بافلوف “الاستجابة الشرطية” فيسيل لعابهم، ويصبح من الصعب عليهم التصرف بعقلانية وضبط أنفسهم، وإن كان ذلك يأتي أحيانا على حساب صحتهم الجسدية.
غالبا لا يُسرّ المواطن العربي، بما يقرأه من أبحاث عن تأثير الكربوهيدرات النشوية الموجودة في الخبز المشابهة للمواد التي تسبّب الإدمان في الدماغ، ووفقا لبعض الدراسات هناك أطعمة تسمى “بأطعمة المزاج الجيد” ولكن “تأثيرها قصير المدى وتؤدي كثرة تناولها إلى القلق والتوتر” وكلما شعر المرء بالإحباط أكثر ازدادت رغبته في تناول المزيد من هذه الأطعمة التي تخلق استجابة تشبه الإدمان في الدماغ، فيشعر الشخص بأن مزاجه يعتدل مباشرة، ولكن لا يكاد يعود هذا الشعور بالاكتئاب مجددا نتيجة تناول الطعام نفسه الذي يتسبب في نوع من التهيج أو الالتهاب في الجسد والدماغ، وقد يسهم في شعور الكثيرين بالتوتر والقلق ويجدون أنفسهم داخل دائرة مغلقة.
“الإدمان على الخبز”، ليس مصطلحا علميا، بقدر ما هو وصف بليغ لعلاقة الناس بهذا النوع من الطعام المرغوب فيه على نطاق واسع لدى الشعوب العربية والأفريقية بشكل عام، إلى درجة أن الحالة المزاجية للبعض ترتبط ارتباطا شرطيا بوفرته وقلته، وربما أكثر من ذلك.
يبدو لنا هذا الأمر غريبا للغاية عندما نفكر فيه، لكنه قد يجرّنا إلى تجارب ربما تكون مألوفة للكثيرين منّا، فقد حدثتني زميلة أفريقية في العمل عن ولعها المبالغ فيه بالخبز، إلى درجة أنها تتناول كميات كبيرة منه يوميا، فالخبز بالنسبة إليها أفضل من قالب حلوى، وطالما أن الخبز متوفر بكثرة في بيتها والمؤسسة التي تعمل فيها، فذلك يجعل من العسير عليها التركيز على كمية ما تلتهمه منه يوميا.
الكثير من الأشخاص حول العالم مقتنعون تماما بأن تناول الخبز يؤدي إلى السمنة وزيادة الوزن، ومع ذلك فهو يمثل أكثر من نصف الطعام المستهلك في 53 في المئة من الدول، وأكثر من 30 في المئة من الغذاء الذي يتناوله 87 في المئة من سكان العالم.
في ضوء ذلك، ليس من المفاجئ أن يفضّل الناس في المجتمعات العربية رغيف الخبز على الديمقراطية، بعد أن وجدوا أنفسهم جوعى ولا يشعرون بأنهم محميون ومدعومون من حكوماتهم، ويقاتلون يوميا من أجل الحصول على رغيف خبز. وهنا تفقد المقولة الشهيرة “ليس بالخبر وحده يحيا الإنسان” دلالتها التاريخية.
الخبز ليس مجرد عملية مزج بين الطحين والماء والخميرة، وإنما خلف هذه العملية الكيميائية توجد شعوب مستعدة لأن تفعل أيّ شيء من أجل نيل ولو قضمة منه.