مخيمات منسية في شمال سوريا يكابد قاطنوها للبقاء

مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية خصوصاً في الرقة والحسكة تضمّ  العشرات من المخيمات العشوائية.
الأربعاء 2023/08/09
فريسة للجوع

الرقة (سوريا) - تشكو رحمة الحمود القاطنة في شمال سوريا من ظروف معيشية صعبة مع شحّ المساعدات وسوء الخدمات ودرجات الحرارة الخانقة التي تحوّل يومياتها إلى جحيم، كما هو حال عشرات الآلاف من النازحين في مخيمات عشوائية منسية.

وتضمّ مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، خصوصاً في محافظتي الرقة (شمال) والحسكة (شمال شرق)، العشرات من المخيمات العشوائية التي تؤوي مدنيين فروا من عدة مناطق على وقع المعارك بين أطراف مختلفة من النزاع السوري المتواصل منذ عام 2011.

وتقول الحمود (تبلغ من العمر 33 عاما وأم لأربعة أطفال قتل والدهم في الحرب) وهي تقف أمام خيمتها “يمرض أطفالنا بشكل متكرّر، يعانون من الحرارة وحالات إسهال وتقيّؤ، الخيمة حارّة جدا ولا نستطيع الجلوس داخلها في فترة الظهيرة”.

نازحو مدينة رأس العين على أطراف مدينة الحسكة وريفها في مخيم الطلائع يشكون من انقطاع شبه دائم للمياه

وتتابع “المساعدات قليلة والمنظمات لا تعترف بهذا المخيم. لو كانت تساعدنا كل شهرين أو ثلاثة لاستطاع الناس العيش” بشكل أفضل.

وفي المخيم اليوناني حيث تعيش، والذي اكتسب اسمه من مطعم يحمل الاسم ذاته على ضفاف نهر الفرات عند أطراف مدينة الرقة، تتعالى أصوات أطفال يركضون بين خيام مهترئة تحت أشعة الشمس الحارقة. وتنقل نساء المياه في أوعية يملأنها من صنبور في باحة المخيم، فيما تنهمك طفلة بغسل الأطباق قرب خزان مياه.

ووفق الإدارة الذاتية الكردية تحوي محافظة الرقة التي شكّلت المعقل الأبرز لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، قبل دحره منها في أكتوبر 2017، أكبر عدد من المخيمات العشوائية.

وتقول الحمود التي تعمل وأولادها الثلاثة كأجراء مياومين “كلمة منسيين قليلة لوصف الظروف التي نعيشها في المخيم”.

وتضيف “نحن منسيون بشكل كامل؛ لا مواد تنظيف، والخيم مهترئة، تدخل منها الشمس” بينما تتجاوز درجات الحرارة عتبة الأربعين.

وتكاثرت شيئا فشيئا مخيمات النازحين الفارين من المعارك الدامية في البلاد على وقع النزاع وتوسعه من منطقة إلى أخرى. وفي شمال غرب البلاد الخارج عن سيطرة النظام، ينتشر أكثر من ألف مخيم نظامي وعشوائي لنازحين يعتمدون بشكل أساسي على مساعدات المنظمات الدولية العابرة للحدود.

وفي مناطق سيطرة الأكراد (شمال وشمال شرق) يشير مسؤول المخيمات والنازحين لدى الإدارة الذاتية شيخموس أحمد إلى وجود العشرات من المخيمات العشوائية بالإضافة إلى 16 مخيماً نظامياً، من بينها مخيما الهول وروج الذائعا الصيت لكونهما يؤويان أفراداً من عائلات تنظيم داعش.

شيخموس أحمد: العشرات من المخيمات العشوائية موجودة في شمال شرق سوريا
شيخموس أحمد: العشرات من المخيمات العشوائية موجودة في شمال شرق سوريا

وتراجع الدعم الذي كان يصل إلى تلك المناطق منذ إغلاق طريق المساعدات العابرة للحدود قبل ثلاث سنوات.

ولئن كانت كميات أكبر من المساعدات تصل إلى المخيمات النظامية التي تعمل فيها منظمات محلية ودولية، فإن المخيمات العشوائية تشهد أوضاعاً معيشية صعبة جراء قلّة المساعدات وانتشار الأمراض ونقص المياه.

وتقول تانيا إيفانز من منظمة الإغاثة الدولية إن المخيمات العشوائية في شمال شرق سوريا يمكن اعتبارها “منسية”، مشددة على ضرورة زيادة الاهتمام بها، وتمويلها والدفع نحو جهد مستدام تجاهها من المجتمع الدولي.

ويقيم قرابة 150 ألف نازح في المخيمات النظامية، بينما تؤوي المخيمات العشوائية عشرات الآلاف من النازحين، وفق أحمد.

ويقول أحمد من مكتبه في الرقة “نعمل على إعداد خطة لنقل المقيمين في المخيمات العشوائية إلى مخيمات منظمة، لتتمكن الإدارة الذاتية والمنظمات الإنسانية من التعامل مع الأوضاع الإنسانية والصحية”.

وتُشكّل المواقع العشوائية 79 في المئة من مخيمات النازحين في الرقة، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الذي يعتبر تلك المخيمات الأكثر “هشاشة” وعرضة لتداعيات حالات الطقس القاسية جراء “غياب التخطيط والبنى التحتية والإدارة”.

وفي مخيم سهلة البنات عند الأطراف الشمالية الشرقية لمدينة الرقة، توجد أكوام من البلاستيك والحديد تباع عادة لسيارات خردوات تجوب المخيم القريب من مكب نفايات.

ويعتمد أغلب المقيمين في المخيم على مدخول يوفره البحث بين القمامة عن مواد يمكن بيعها. وبالإمكان رؤية نساء وأطفال يحملون أكياساً على ظهورهم بينما يغطي السواد أيديهم ووجوههم المرهقة وهم يجوبون المكان قرب المكبّ.

وتقول النازحة من محافظة دير الزور (شرق) شكورة محمّد (30 عاماً) بعد عودتها من جمع البلاستيك “ما من مساعدات تأتي إلى المخيم، يعمل الناس في القمامة ويبحثون عما يمكنهم بيعه لشراء الخبز وتأمين مصروفهم اليومي”.

وتتابع “الوضع سيء هنا وحالة المخيم مأساوية. في الصيف ما من مياه باردة”، مضيفة أنه منذ بدء النزاع “نحن منسيون. لو تذكّرنا الناس، لما وصلنا الى هذا الحال”.

محافظة الرقة تحوي أكبر عدد من المخيمات العشوائية وفق الإدارة الذاتية الكردية

وعلى غرار غالبية قاطني المخيم تناشد محمّد، بينما تغرورق عيناها بالدموع، المنظمات الإنسانية تقديم المساعدات. وتقول “يجهد الرجال والنساء والأطفال هنا لأجل لقمة العيش”.

وفي المخيم ذاته تنظف أم راكان (أربعينية)، النازحة من دير الزور، الأرضية أمام خيمتها.

وتعلّق باختصار “لم نعد نعوّل على مساعدة من أحد، لأننا فقدنا الأمل منذ سنوات وقدرنا أن نعيش هذا الجحيم إلى الأبد”.

ولا يعني وصول مساعدات إلى عدد من المخيمات المنظمة أن وضعها أفضل حالاً.

وفي مخيم الطلائع على أطراف مدينة الحسكة يشكو نازحو مدينة رأس العين وريفها من انقطاع شبه دائم للمياه المتأتية من محطة مياه علوك الخاضعة لنفوذ القوات التركية. وتتهم الإدارة الذاتية ومنظمات إنسانية أنقرة بمنع تدفّق المياه.

ويقول حمد العزو (60 عاماً) “الأجواء حارة والكهرباء غير متوفرة. المياه قليلة والمساعدات الإنسانية شحيحة… والوضع المادي صفر”.

2