مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية تتصدر بؤر الصراع مع إسرائيل

رام الله - تمثل مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية العنوان الأبرز لموجة التوتر غير المسبوقة منذ سنوات في الأراضي الفلسطينية وبؤر الصراع الأولى ما جعلها محل استهداف دائم من إسرائيل.
وتتوزع في الضفة الغربية 19 مخيما يقطنها ما يزيد عن 800 ألف لاجئي فلسطيني بحسب سجلات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تتولى تقديم الخدمات الإنسانية والصحية والتعليمية لسكان تلك المخيمات.
وقُتل أكثر من 200 فلسطيني منذ بداية 2023 بحسب إحصائيات رسمية، غالبيتهم العظمى في الضفة الغربية وتحديدا في مخيمات اللاجئين خلال عمليات مداهمة شبه يومية للجيش الإسرائيلي. وكان عام 2022 سجل مقتل 230 فلسطينيا من بينهم 171 من الضفة الغربية.
ويعتبر المحلل السياسي الفلسطيني رامي مهداوي أن إسرائيل تشن “حربا شاملة على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية على خلفية دورها في المواجهة المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية ضد الاحتلال والاستيطان”.
ويقول مهداوي إن لمخيمات اللاجئين سمات خاصة في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي كونها “واحدة من أكثر المناطق المهمشة والمحرومة وتعكس بشكل صادم الواقع القاسي الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون”.
ويضيف أن مخيمات اللاجئين تعيش حالة من الفقر والتهميش وانعداما للخدمات الأساسية في ظل أنها تتميز بكثافة سكانية عالية وظروف سكن غير صحية، وتفتقر إلى البنية التحتية الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والكهرباء.
ويشير مهداوي إلى أن الظروف الإنسانية الصعبة في مخيمات اللاجئين تكون دافعا إضافيا لتصعيد المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي “بوصفه السبب الأول والرئيسي لكل معاناة اللاجئين ونهجه القائم دوما على التهجير والقتل”.
وبينما انتشرت في الضفة الغربية بشكل لافت منذ بداية عام 2022 خلايا مسلحة تبنت عمليات بارزة ضد أهداف إسرائيلية، فإن مخيمات اللاجئين تعد القاعدة والحاضنة الرئيسية لتلك الخلايا.
ففي مخيم جنين للاجئين برزت “كتيبة جنين” المحسوبة على حركة الجهاد الإسلامي وتضم مسلحين من عدة فصائل. وفي مخيم بلاطة للاجئين في نابلس انطلقت “عرين الأسود” و”كتيبة بلاطة”. وتحظى هذه الخلايا المسلحة بدعم شعبي واسع داخل مخيمات اللاجئين وخارجها.
وأظهر استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية نشرت نتائجه في يونيو الماضي أن 71 في المئة من الفلسطينيين يؤكدون أهمية تشكيل مجموعات مسلحة ضد إسرائيل، وهي النسبة الأعلى منذ سنوات.
ويقول أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي إنه من غير المستغرب تصاعد المقاومة بكافة أشكالها انطلاقا من مخيمات اللاجئين بوصفها العنوان الأكثر وضوحا للقضية والمعاناة الفلسطينية.
ويشير البرغوثي إلى أن اللاجئين سكان المخيمات أصبحوا يائسين أكثر من أي وقت مضى من احتمال وجود حل سياسي وتمكينهم من نيل حقوقهم بما في ذلك حق العودة.
ويعتبر أن استهداف إسرائيل المستمر لمخيمات اللاجئين “سجل فشلا ذريعا في كسر مقاومة المخيمات وتصفية المقاومين وقاعدتهم الشعبية، بل إن الحاضنة الشعبية للمقاومة في المخيمات تحولت إلى حاضنة فلسطينية شعبية عامة”.
ويضيف أن ما أفرزته حالة المقاومة داخل مخيمات اللاجئين هو انضواء عشرات الآلاف من الشباب الفلسطينيين في المواجهة بكل أشكالها مع إسرائيل “حتى تحولت المقاومة المسلحة إلى جزء كبير من مقاومة شعبية شاملة”.
وتصدر مخيم جنين المشهد الفلسطيني خلال شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية موسعة يومي الثالث والرابع من يوليو الماضي بدأت بشن عدة هجمات بطائرات مسيرة، ثم اقتحام مكثف للمخيم أدى إلى معارك بالأسلحة في شوارعه.
وخلفت العملية الإسرائيلية في مخيم جنين مقتل 10 فلسطينيين وجندي إسرائيلي فضلا عن تدمير واسع في المنازل ومرافق البني التحتية في المخيم.
ودفع الفلسطينيون إلى فشل هجوم إسرائيل وعجزها عن القضاء على الخلايا المسلحة فيه لاسيما كتيبة جنين.
ومن غير المعروف العدد الحقيقي لنشطاء كتيبة جنين، لكن العشرات منهم ظهروا في عروض عسكرية أو أثناء جنازات مقاتلين بما في ذلك فور إعلان إسرائيل سحب قواتها من مخيم جنين.
ويستخدم نشطاء كتيبة جنين قنابل بدائية محلية الصنع خلال الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي الذي يقول إنه ينظر بقلق إلى تطور مستوى التسليح في مخيم جنين.
الظروف الإنسانية الصعبة في مخيمات اللاجئين تكون دافعا لتصعيد المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي بوصفه السبب الأول والرئيسي لكل معاناة اللاجئين
ومن ذلك حذرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من رصد إطلاق قذائف صاروخية من مخيم جنين ومخيمات أخرى باتجاه إسرائيل.
وفضلا عن ذلك استهدف الجيش الإسرائيلي بعمليات مداهمة العديد من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية مثل بلاطة في نابلس ونور شمس في طولكرم وحتى عقبة جبر في أريحا التي كان ينظر إليها على أنها أكثر مدن الضفة الغربية هدوءا.
وينظر إلى مخيمات اللاجئين على أنها الحالة القتالية الأكثر اشتعالا من أماكن أخرى، لكن الأخطر بالنسبة إلى إسرائيل أنها تنقل تلك المخيمات إلى الحالة الأكثر تعبيرا عن الوضع الفلسطيني بإجماله.
ويقول المختص في شؤون اللاجئين عصام عدوان إن المخيمات الفلسطينية ظلت تاريخيا الأكثر حضورا في “الفعل الشعبي والمقاوم” ضد إسرائيل ومن أمثلة ذلك مخيم جنين ومخيم جباليا الذي اندلعت منه الانتفاضة الأولى عام 1987.
ويبرز عدوان أن سكان مخيمات اللاجئين يعتبرون الأكثر مساسا بالقضية الفلسطينية والمتضرر الأول من وجود الاحتلال الإسرائيلي وسياساته ما دفع إلى أن تكون المخيمات دوما في طليعة خط المواجهة.
ويشير إلى أن الظروف الإنسانية الصعبة داخل المخيمات تمثل عاملا آخر في تصعيد “الفعل المقاوم” في ظل التكدس السكاني الكبير وانتشار الفقر والبطالة ونقص الخدمات الأساسية.
كما ينوه عدوان إلى أن طبيعة المخيمات بأزقتها الضيقة ومنازلها المتلاصقة تشكل بيئة مناسبة لنشاط الخلايا المسلحة والقدرة على التخفي في مقابل صعوبة عمليات المداهمة للجيش الإسرائيلي “الذي استهدف على مدار سنوات تفريغ المخيمات من ساكنيها والقضاء على حالة المقاومة فيها”.