مخطط إصلاح التعليم في الجزائر يهتم بالمظاهر ويتغافل عن الحقائق

الجزائر – أولت وزارة التربية الجزائرية أهمية قصوى للطور الابتدائي في مخططها، على اعتبار أنه القاعدة الأساسية لتنفيذ مشروع الإصلاح القائم على عدة محاور تتعلق بما أسمته بـ”تحسين التحكم في التعلّمات الأسياسية في الطور الابتدائي، وإعادة النظر في عملية التقييم، والتعميم التدريجي للغة الأمازيغية، وتحسين الحوكمة في النظام المدرسي، ومواصلة رقمنة القطاع، إلى جانب تعزيز التربية على المُواطَنة، وتنفيذ البرنامج الوطني للتكوين لفائدة جميع الموظفين، ومنها الأرضية الرقمية للتكوين في مجال الحوكمة، والقيادة التربوية، ومشروع المؤسسة”.
وشددت الوزارة على تطوير خارطة طريق متكاملة تمس كل المصالح والإشكاليات، وتقوم على الجانب الإداري، وتسيير الموارد البشرية، والحياة المدرسية، فضلا عن التسيير الجواري والتواصل.
ورغم طموح الوزارة المسؤولة عن تنفيذ مشروع إصلاحي يحقق نهضة وتطور المنظومة التربوية في البلاد، في الفترة الممتدة بين 2014 و2019، إلا أن محاور كثيرة مازالت مجرد حبر على ورق، خاصة في ما يتعلق برقمنة المدرسة الجزائرية، حيث لا يزال تلاميذ المدارس منهكين بمحافظ ثقيلة لا تتناسب مع أعمارهم وسببت للبعض منهم مشاكل صحية على مستوى الظهر والعمود الفقري.
ولم يتعد مشروع الرقمنة حدود صالات الندوات المركزية، باعتبار أن الكمبيوترات تعد من الكماليات لدى الأسر الجزائرية، وحتى الحكومة فشلت في تعميم مشروع “أسرة تك”، بسبب العوائق البيروقراطية للبنوك والقدرة الشرائية المتدنية للعائلات، فضلا عن انتشار الأمية الإلكترونية.
وتتردد الوزارة إلى اليوم في ضخ البرامج التربوية الورقية على البرامج الإلكترونية، رغم ما للخطوة من فضائل وعوائد على الحكومة، كونها تخفف العبء على التلميذ وتوفر للحكومة تكاليف باهظة تنفقها على طبع عشرات الملايين من الكتب الورقية، ويكون عدم تفاعل بعض القطاعات الحكومية الأخرى مع المشروع أبرز المعوقات التي تحول دون تحقيق طموحها.
وعلاوة على المشاكل التي تعاني منها مرافق القطاع في المناطق المعزولة، فإن العزلة الإلكترونية تعتبر قاسما مشتركا بينها، فأحسنها لا يتوفر على خط هاتفي ثابت ويفتقد الربط بالإنترنت وقاعة لتعليم أبجديات الإعلام الآلي والاستعمال التدريجي للكمبيوتر، وهي المسؤولية التي تقع على عاتق قطاعات أخرى متخلفة عن الركب الإلكتروني.
واصطدم مخطط إصلاح المنظومة التربوية، خلال الدخول المدرسي الجديد، بردود فعل قوية من طرف تيارات سياسية ودينية محافظة، حيث وجهت لها انتقادات شديدة بعد الكشف عن مضامين حديثة تسوق لمفاهيم وأفكار وصفها القائمون على المشروع بـ”الإنسانية والعالمية”.
9 ملايين تلميذ جزائري التحقوا هذه السنة بمقاعد الدراسة في أجواء يشوبها القلق
ولم يهضم مناوئو وزيرة التربية نورية بن غبريط، تضمن ما يعرف بكتب الجيل الثاني من الإصلاحات لبعض الأفكار والتصورات التي تنوي غرسها في أذهان الطلاب، على غرار اعتبار العاشق واحدا من أفراد العائلة، واعتبار الاستفتاء الذي نظمته السلطات الفرنسية الاستعمارية العام 1962، لتخيير الجزائريين بين الاستقلال أو البقاء تحت سلطاتها، واحدا من السلوكات الديمقراطية.
فيما اشتعل الجدل بين الوزارة والتيارات الإسلامية والقومية، على الأبعاد السياسية والأيديولوجية للإصلاحات التربوية، أقدم العديد من الأولياء، في بعض المدن والأرياف المعزولة، على الاحتجاج ومنع بعضهم الأبناء من الالتحاق بمقاعد الدراسة، بسبب عدم توفر أدنى الشروط الضرورية للتعليم.
وكان نحو تسعة ملايين تلميذ جزائري قد التحقوا مطلع الشهر الجاري بمقاعد الدراسة في مختلف الأطوار، في أجواء يشوبها الكثير من الحذر والقلق، على خلفية تراجع إمكانيات الدولة في التكفل بالقطاع، تحت ضغط الأزمة الاقتصادية التي أجبرت الحكومة على تجميد أو إلغاء العشرات من المرافق التربوية، مما فاقم حالة الاكتظاظ داخل المدارس في ظل الارتفاع المستمر سنويا لعدد المتمدرسين.
العودة المدرسية في الجزائر كانت تتوجس منها الحكومة خشية الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات، لذلك أولتها أهمية قصوى ودخلت في مهادنة مع الشركاء الاجتماعيين والفاعلين في القطاع، إلا أن ملامح الفشل في احتواء الوضع تلوح تحت تهديدات النقابات بمباشرة الاحتجاجات في الأسابيع القادمة.
ودخلت وزيرة التربية نورية بن غبريط، منذ تكليفها بتسيير القطاع عام 2014، في تبني مخطط إصلاحي للمنظومة التربوية من أجل معالجة الاخلالات المتراكمة، وكلفت بذلك عدة خلايا واستعانت بخبراء دوليين لمراجعة الكثير من المضامين المرتبطة بالانفتاح على المبادئ والقيم الإنسانية، والخروج من قوقعة الهوية وتعزيز مبادئ المساواة والانفتاح.
ويرى المدير المركزي السابق في وزارة التربية محمد بوخطة أن “الوزارة التي جاءت لمعالجة إخلالات الماضي، خلقت مشكلات جديدة، فالاهتمام بالمضامين يتوجب تشاورا موسعا، بالتزامن مع الاهتمام اللازم بالمشاكل والصعوبات التي تعيق تطوير المدرسة الجزائرية، من حيث الوسائل والخدمات الأساسية لتحسين التحصيل والأداء”.
وأضاف ”أن “الإصلاحات التي تؤدي إلى الصدام مع الشعب والمجتمع مآلها الفشل، لأنها جرت في ظروف مشبوهة وغير شفافة وافتقدت للإجماع، فالبسملة التي تقرر حذفها من الكتب الدراسية قابلها المجتمع باستياء كبير، وعوضها بكتابة الأولياء والتلاميذ للبسملة بخط أياديهم على كتبهم، وهو مشهد صدامي غير طبيعي في المجتمع”.
وأكد أنه “كان يمكن تعديل المضامين بشكل هادئ عبر فتح نقاش مع جميع الفاعلين لتطوير المدرسة الجزائرية، وأعتقد أن الأولوية كان يتوجب إيلاؤها لتوفير الوسائل المادية والبشرية، فمن غير المعقول أن يتكدس التلاميذ في الأقسام بسبب الاكتظاظ، وألا تتوفر الكثير من المدارس على الطعام ووسائل النقل، فضلا عن مشاكل التأطير ووفرة الكتب وتوسع دائرة العوز في أوساط العائلات”.
واستغرب رئيس الجمعية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ أحمد خالد، موجة الانتقادات التي تطال وزارة التربية على خلفية التعديلات التي مست بعض المضامين في كتب الجيل الثاني من الإصلاحات، وخلفية التشكيك في نوايا الوزارة التي تنفذ بجرأة وشجاعة توصيات لجنة الإصلاحات التي عينها الرئيس بوتفليقة العام 2000.
وقال “لا داعي لكل هذا التشكيك في نوايا وزارة التربية ومخطط الإصلاحات، لأن التعديلات المدرجة جاءت لحماية الرموز الدينية، فما الجدوى من البسملة في الكتب المدرسية إذا كان الكثير من التلاميذ يقومون في نهاية العام الدراسي بتمزيق وإتلاف تلك الكتب، أليس ذلك إساءة للبسملة؟”.