مخرجات تونسيات: المرأة حاضرة بإبداعها في الإخراج المسرحي وليس تمييزا جندريا

لقاء ثقافي يسعى إلى خلق نقاش جاد حول تجربة المرأة في الإخراج المسرحي.
الاثنين 2025/03/10
مخرجات فرضن إبداعهن في الفن الرابع

تونس - بمناسبة اليوم العالمي لحقوق النساء الموافق للثامن من مارس من كل عام، نظم المسرح الوطني التونسي مائدة مستديرة بعنوان “الرّكح المؤنّث” (الخشبة المؤنثة) جمعت ثلاث مخرجات تونسيات بارزات هن ليلى طوبال ووفاء الطبوبي ولبنى مليكة، وأدارته الناقدة فوزية بلحاج المزي، وتناولت حضور المرأة كمخرجة في المسرح التونسي والصعوبات والتحديات التي واجهتها النساء في هذا المجال، بالإضافة إلى تسليط الضوء على تجاربهن ومساراتهن الفنية.

وأكد المدير العام للمسرح الوطني التونسي الدكتور معز المرابط، في كلمة افتتاحية، على أهمية هذا اللقاء الذي يهدف إلى الاحتفاء بالمخرجات ويسعى إلى خلق نقاش جاد حول تجربة المرأة في الإخراج المسرحي. كما أبرز أهمية الدور الذي لعبته الأجيال السابقة من المسرحيات التونسيات، مثل رجاء بن عمار، في تمهيد الطريق للجيل الحالي من المخرجات اللواتي قدمن إضافة نوعية على مستوى الرؤى الإبداعية وطرح قضايا إنسانية جوهرية.

وقالت الناقدة فوزية بلحاج المزي إن حضور النساء في الإخراج المسرحي لم يكن دائما من باب التحدي ضد المجتمع، بل جاء كنتيجة طبيعية لكفاءتهن وإبداعاتهن. وأضافت أن الجيل الجديد من المخرجات لم يدخل هذا المجال لمجرد مواجهة التمييز، بل لكونهن يحملن رؤية فنية خاصة بهن ويطمحن إلى تقديم أعمال تحمل بصمتهن الشخصية.

"الرّكح المؤنّث" مائدة مستديرة تناولت حضور المرأة كمخرجة في المسرح والتحديات التي واجهتها في هذا المجال
"الرّكح المؤنّث" مائدة مستديرة تناولت حضور المرأة كمخرجة في المسرح والتحديات التي واجهتها في هذا المجال

كما أثارت سؤالا جوهريا خلال النقاش: “هل يمكن الحديث عن مدرسة إخراجية نسوية في المسرح التونسي؟” وأوضحت أن البعض يرى أن هناك “حساسية نسوية” تميز بعض الأعمال المسرحية التي تخرجها النساء، سواء من حيث المواضيع المطروحة أو من حيث الأساليب السردية والبصرية المعتمدة.

واعتبرت أن هذا السؤال يظل مفتوحا للنقاش، لأن تجارب المخرجات تختلف فيما بينهن، فبعضهن يفضلن الاشتغال على قضايا المرأة بشكل مباشر، بينما تسعى أخريات إلى تجاوز التصنيفات الجندرية والتركيز على طرح إبداعي أكثر شمولا.

كما شددت فوزية بلحاج المزي على أن المسرح التونسي، بفضل انفتاحه التاريخي، منح المرأة فرصا مهمة مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى، لكنه لا يزال بحاجة إلى سياسات ثقافية تضمن استدامة هذا الحضور النسائي وتدعمه.

من جانبها أوضحت الفنانة والمخرجة ليلى طوبال أن المسرح لا يحتاج إلى “نسوية” بقدر ما يحتاج إلى إنسانية، معتبرة أن تصنيف الأعمال المسرحية وفق منظور جندري قد يكون محدودا. وأكدت أن المسألة تتعلق بجودة العمل المسرحي أكثر من كونها مرتبطة بجنس المخرج.

وترى ليلى طوبال أن المسرح ليس حكرا على الرجال أو النساء، بل هو فضاء تعبيري يتجاوز التصنيفات الجندرية. واعتبرت أن الحديث عن “مسرح نسوي” قد يحمل أحيانا نوعا من التقزيم لدور المرأة في الإخراج المسرحي، لأن الحكم على الأعمال الفنية يجب أن يكون بناء على قيمتها الإبداعية وليس على جنس المخرج.

وأضافت أن تجربتها المسرحية كانت دائما متجذرة في قضايا الإنسان عامة، وليس فقط قضايا المرأة، رغم أنها لا تنكر أن تجربتها الشخصية كامرأة أثرت على اختياراتها وأسلوبها في الإخراج. كما أكدت أن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على تقديم مسرح يلامس شواغل الجمهور بغض النظر عن هوية صاحبه.

وأشارت إلى أن بعض المخرجات يقعن في فخ التركيز الحصري على قضايا المرأة، بينما يمكنهن تناول مواضيع أوسع تعكس تعقيد الواقع الاجتماعي والسياسي بأكمله.

أما المخرجة لبنى مليكة فقد عبرت عن اعتزازها بكونها نسوية، مشيرة إلى أن المساواة لا تعني إقصاء الرجل، بل تتعلق بإيجاد مساحة تعبير متكافئة للجميع. وأضافت أن التحدي الحقيقي الذي تواجهه النساء في المسرح لا يكمن فقط في كونهن مخرجات، بل في ظروف الإنتاج الفني والتحديات الاقتصادية التي تعيق تطوير مشاريعهن.

وترى مليكة أن النسوية في المسرح ليست مجرد موقف شخصي، بل هي ضرورة ثقافية لضمان عدالة الفرص بين الجنسين. وأكدت أن المطالبة بحق المرأة في المسرح لا تعني إقصاء الرجل، بل تهدف إلى خلق فضاء تتساوى فيه الفرص ويُحتكم فيه إلى الكفاءة فقط.

وتحدثت عن تجربتها الخاصة في العمل المسرحي، حيث لاحظت أن النساء غالبا ما يواجهن نظرة شك عند تولي أدوار قيادية في الإنتاج المسرحي. وأشارت إلى أن بعض الممثلين الذكور، حتى اليوم، قد يجدون صعوبة في التعامل مع مخرجة، لأنهم اعتادوا العمل تحت إدارة رجال.

حضور أنثوي بامتياز
حضور أنثوي بامتياز

كما لفتت لبنى مليكة إلى أهمية كسر هذه الصور النمطية من خلال تقديم أعمال تحمل رؤية جريئة ومختلفة، قادرة على زعزعة الأفكار التقليدية حول دور المرأة في المسرح. وأضافت أن التحدي الأكبر يتمثل في كسب ثقة الجمهور والنقاد، لأن التحيز الجندري لا يقتصر على الوسط الفني، بل يمتد إلى التلقي الجماهيري أيضا.

بدورها سلطت المخرجة وفاء الطبوبي الضوء على التحديات الإدارية والمهنية التي تواجهها المرأة في المجال المسرحي، مشيرة إلى أن الكثير من النساء يعملن بجهد مضاعف دون أن تُذكر أسماؤهن بنفس القدر الذي يُذكر به الرجال. كما أكدت على أهمية وجود فضاءات تتيح للمرأة الإبداع والتجريب دون قيود.

وتطرقت إلى العقبات التي تواجهها المرأة في المسرح، خاصة في مجال الإنتاج والإدارة. وأشارت إلى أن التحدي الأكبر يكمن في فرض وجودها داخل المنظومة الثقافية التي تظل في الكثير من الأحيان منحازة للرجل.

وأكدت أن المرأة المسرحية مطالبة ببذل مجهود مضاعف للحصول على الاعتراف بمكانتها، حيث لا يزال هناك نوع من التمييز غير المعلن الذي يجعل الفرص المتاحة للرجال أكبر سواء من حيث الدعم المادي أو التغطية الإعلامية أو حتى الاعتراف النقدي.

كما أوضحت أن التحديات لا تتعلق فقط بنظرة المجتمع، بل تمتد إلى طبيعة التقاليد السائدة في الوسط المسرحي، حيث تتطلب بعض الوظائف، مثل إدارة الفرق أو الإخراج التقني، حضورا قويا ومفاوضات مستمرة وهو ما يضع المرأة أحيانا في موقع صعب عند التعامل مع المؤسسات الإنتاجية أو الجهات المانحة للدعم.

وأضافت الطبوبي أن النساء، رغم كل هذه العراقيل، تمكنّ من تقديم تجارب فنية قوية ومتنوعة وهو ما يثبت أن الإبداع لا يعرف جنسا، وإنما يحتاج فقط إلى فضاء يسمح بالتعبير الحر والمستقل.

وخلُصت أشغال هذه المائدة المستديرة إلى أن المرأة التونسية في المسرح لم تعد مضطرة إلى إثبات قدراتها، بل أصبحت تفرض وجودها من خلال أعمالها وتجاربها الفنية. ومع ذلك لا تزال هناك تحديات تتطلب المزيد من الدعم والتشجيع لضمان استمرارية المسار الإبداعي للمخرجات. ودعا المشاركون إلى تعزيز المبادرات التي تساهم في تكريس التنوع والانفتاح داخل المسرح التونسي، مؤكدين أن المسرح بصفته فضاء للإبداع والتعبير الحر، يجب أن يكون مفتوحا للجميع دون تمييز أو إقصاء.

15