مخرجات الحوار تشغل المصريين بعد تأجيله المفاجئ

قرار بإيقاف الحوار الوطني إلى حين الانتهاء من انتخابات الرئاسة.
السبت 2023/09/23
الحوار ورقة توظفها السلطة متى أرادت

أثار التعليق المفاجئ لجلسات الحوار الوطني في مصر ردود فعل واسعة، خصوصا وأنه لم يتبق الكثير من المحاور لحسمها، فضلا عن أنه لم تكن هناك أي مؤشرات سابقة توحي بهذه الخطوة، ويبقى السؤال الأهم بالنسبة إلى المصريين حول مصير ما تم التوصل إليه بين ممثلي الحكومة والقوى السياسية المعارضة.

القاهرة - تصاعد الحديث عن مصير مخرجات الحوار الوطني في مصر مع إعلان تعليق جلساته بشكل مفاجئ إلى حين انتهاء انتخابات الرئاسة المتوقع الإعلان عن مواعيدها الاثنين المقبل، ما طرح تساؤلات حول مدى تحقيق الحوار لأهدافه بعد حسم غالبية القضايا التي ناقشها، وما إذا كان ممكنًا تطبيق توصياته ذات الارتباط المباشر بالإصلاح السياسي قبل انطلاق السباق الانتخابي من عدمه.

وقرر مجلس أمناء الحوار الوطني، الخميس، رفع جلساته وتعليق أعماله إلى حين انتهاء انتخابات الرئاسة المتوقع أن تجرى في ديسمبر المقبل، وأرجع ذلك إلى أنه لكل المشاركين في جلسات الحوار الذين يعبرون عن الأطياف السياسية رأيهم ومواقفهم المستقلة والمتمايزة من المتنافسين في هذه الانتخابات، وحرصًا على توفير المناخ الإيجابي الملائم لكل الأطياف جرى التوافق على تعليق الجلسات.

ولم يكن معلوما أن هناك نوايا بوقف الجلسات قبل إجراء الانتخابات والإعلان عن المخرجات، لأن التصريحات الإعلامية للقائمين على الحوار الأيام الماضية أشارت إلى أنه جرى الانتهاء من صياغة 80 في المئة من التوصيات، ولم تتبق سوى موضوعات مرتبطة بالمحورين الاجتماعي والاقتصادي وكان يمكن الاستمرار في الجلسات للانتهاء منها.

ويقول معارضون إنه كان من الأجدى تسريع وتيرة عقد الجلسات الختامية للخروج بتوصيات نهائية قبل الانتخابات الرئاسية، وتبنّي جميع المطالب التي ترتبط بتحسين الأجواء السياسية قبل الانتخابات وتُقدم للمرشح الفائز تمهيداً لتنفيذها لاحقا، وأن إطالة أمد الحوار تحدث حالة من الضبابية بشأن الموقف من تنفيذ التوصيات.

عمرو هاشم ربيع: لا توجد بوادر تشير إلى إمكانية تنفيذ ما جاء من توصيات
عمرو هاشم ربيع: لا توجد بوادر تشير إلى إمكانية تنفيذ ما جاء من توصيات

وتقول الحكومة إن الهدف من الحوار الوطني بعد عام من الإعداد له هو تحقيق الإصلاح السياسي وفتح المجال العام تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية يتفاعل معها قطاع واسع من المواطنين، وهو ما لم يتحقق حيث اقتصرت السلطة على الاستجابة لبعض الطلبات من بينها إجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل، والإفراج عن بعض المحبوسين على ذمة قضايا رأي، وهو ما بدا غير مقنع بجدوى استمرار الحوار.

ويبقى من الصعب تنفيذ التوصيات التي خرجت عن الحوار وارتبط أغلبها بالشق السياسي وهي بحاجة إلى تدخلات تشريعية وقرارات إدارية، مع استمرار الإجازة البرلمانية حتى الأسبوع الأول من أكتوبر المقبل، وقرب فتح الباب للترشح للانتخابات، بجانب عدم الحديث عن مسارات تنفيذية.

وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع إن إدارة الحوار رأت أن مجلس الأمناء يضم أعضاء في تيارات سياسية مختلفة والسباق الانتخابي يدفع نحو توجيه النقاش لما يخدم مرشحا بعينه على حساب آخرين، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة الحوار الذي يشكل أحد أوجه تحقيق التوافق بين القوى السياسية.

وأضاف هاشم ربيع في تصريح لـ"العرب" أن تحقيق أهداف الحوار الوطني يرتبط بتنفيذ ما جاء فيه من توصيات، ومدى انفتاح الحكومة على ما تقدمت به إدارة الحوار، وحاليا لا توجد بوادر تشير إلى إمكانية تنفيذ ما جاء من توصيات مهمة في المحور السياسي وذات ارتباط مباشر بالسياق العام في البلاد.

وأوضح أن دور الحوار الوطني لن يتوقف عند حد دفع الحكومة والمعارضة إلى الحديث حول طاولة واحدة، ومن المتوقع أن تكون هناك أدوار أخرى عقب الانتخابات ما يشي باحتمال إطالة أمد الجلسات التي لم يتحدد موعد انطلاقها مرة أخرى، والصورة شبه الواضحة للأوضاع السياسية بعد الانتخابات سوف تجعل الحكومة بحاجة إليه، ليكون بمثابة طرف محايد تثق فيه كافة القوى السياسية.

وحسب إحصاءات نشرها مجلس أمناء الحوار الوطني فإن 65 حزبًا شاركت في 74 جلسة عامة، و16 جلسة متخصصة، وأن عدد المتحدثين وصل إلى أكثر من 2630 متحدثا، قدموا أكثر من 15 ألف مقترح، وأن الحوار ناقش 112 قضية، وشهد نقاشات واسعة حولها مع إتاحة مساحة كبيرة للتحدث بحرية.

وعلى الرغم من تعامل إدارة الحوار الوطني مع هذه الأرقام على أنها مؤشر إيجابي يعبر عن حجم ما أنجز الفترة الماضية، لكن حجم التفريعات التي دخل فيها الحوار جعله فضفاضا، ما ينعكس سلبا على إمكانية الاستجابة لكل التوصيات وتنفيذها، وقد تتيه الأهداف الرئيسية المرتبطة بالإصلاح السياسي.

إيهاب منصور: فترة توقف الحوار قد تمتد من ثلاثة إلى أربعة أشهر
إيهاب منصور: فترة توقف الحوار قد تمتد من ثلاثة إلى أربعة أشهر

وأعلن الحوار الوطني غالبية توصيات المحور السياسي، وثمّن الرئيس عبدالفتاح السيسي ما جاء من مخرجات وطالب الحكومة والبرلمان بتنفيذها، وتضمنت المطالبة بإصدار قانون المجالس الشعبية المحلية المعطلة منذ ما يقرب من 15 عامًا، وسرعة إجراء انتخاباتها. وتقدم الحوار بثلاثة مقترحات بشأن قوانين الانتخابات البرلمانية، إلى جانب تعديلات قانون الحبس الاحتياطي، وتعديلات قوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية.

وأكد رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض) في البرلمان المصري إيهاب منصور أن فترة توقف الحوار الوطني قد تمتد من ثلاثة إلى أربعة أشهر على أقصى تقدير، وأن انشغال الأحزاب المؤيدة والمعارضة بالمعركة الانتخابية يصعب من متابعة سير الجلسات، لأن بعض الأحزاب لديها مرشحون في الاستحقاق، كما أن هناك آخرين ينخرطون في حملات دعم المرشحين.

وذكر منصور في تصريح لـ”العرب” أن فكرة استمرار الحوار إلى ما بعد انتخابات الرئاسة أمر إيجابي، والحوار يجب أن يظل مفتوحًا لفترات أطول بلا توقف لأنه ضمانة لتسمع جميع الأصوات بعضها البعض، والنقاش حول الحلول التي يمكن تطبيقها للأزمات الداخلية، وما خرج عن الحوار غير كاف للإصلاح السياسي، وليس هناك توافق حول ما تم الخروج به من توصيات، لكن تبقى ثمة رغبة لإبداء الآراء حول باقي القضايا.

ولفت إلى أن التوصيات استجابت لنحو 70 في المئة مما كانت تطلبه المعارضة، والأهم تنفيذ المخرجات عبر تحويلها إلى قوانين وقرارات وتطبيقها بحيث لا تظل حبراً على ورق، وأن توفر الإرادة هو الضمانة الوحيدة لنجاح الحوار.

وواجه الحوار الوطني انتقادات لعدم انتظام انعقاد جلساته التي توقفت لفترة قاربت الشهر بسبب إجازة عيد الأضحى، ومع إصدار التوصيات الأولية سادت أحاديث حول انتهاء دوره، لكن إدارة الحوار أكدت على وجود مرحلة ثانية من الحوار لم تستمر سوى أسابيع قليلة قبل أن يتوقف بسبب انتخابات الرئاسة.

2