مخاوف من تحول التصعيد بين لبنان وسوريا إلى معركة تكسير عظام

دمشق – تحذر أوساط سياسية لبنانية من أن التصعيد بين الجيش اللبناني والقوات السورية قد يتحول إلى معركة كسر عظام في وقت يسعى فيه كل طرف إلى استعراض القوة لإظهار أنه قوي ولا يمكن أن يقبل بهجمات تمس الأمن القومي لبلاده، وهو مناخ قد يجعل التصعيد أمرا مطلوبا وهدفا في حد ذاته.
ويريد الجيش اللبناني والرئيس جوزيف عون التأكيد على أن لبنان في المرحلة الحالية قادر على ضبط الأمور في الداخل وفي الوقت نفسه قادر على حماية أراضيه من الهجمات التي تأتي من سوريا في ظل الإدارة الجديدة التي يرأسها أحمد الشرع، والتي تعمل بدورها على الظهور بمظهر الطرف القوي، وهو ما يفسر الهجوم المروع في الساحل السوري.
وقال مكتب الرئيس اللبناني الاثنين إن الرئيس عون أمر الجيش بالرد على مصادر إطلاق النيران من الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا.
وأضاف عون في بيان “ما يحصل على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية لا يمكن أن يستمر، ولن نقبل باستمراره. وقد أعطيت توجيهاتي للجيش اللبناني بالرد على مصادر النيران.”
التصعيد اللبناني يهدف إلى إكساب المؤسستين الرئاسية والعسكرية شرعية تمكنهما لاحقا من التشدد في ملف حزب الله
وترى الأوساط السياسية اللبنانية أن التصعيد العسكري والسياسي اللبناني ضد القصف السوري لمناطق لبنانية يهدف إلى إكساب الرئاسة اللبنانية والمؤسسة العسكرية شرعية في الداخل اللبناني تمكنهما لاحقا من التشدد في ملف حزب الله وحصر السلاح بيد الدولة، وأن أي تهاون في الرد على التصعيد السوري يمكن أن يستفيد منه الحزب لاتهام المؤسسات اللبنانية بأنها غير قادرة على حماية لبنان ما يبرر مطالبة الحزب بالإبقاء على سلاحه.
ويبعث الرد اللبناني الحاسم على التصعيد في الجبهة السورية، حتى وإن بقي في حدود تصعيد التصريحات، رسالة إيجابية إلى الدول التي تراهن على الجيش اللبناني ويدفعها إلى مواصلة دعمه بالتمويل والتدريب والتسليح. لكن تبقى مشكلة الجيش اللبناني كامنة في أنه يتحرك ببطء شديد في التعاطي مع انتشار سلاح حزب الله ويتجنب أي صدام مباشر ولو بشكل عرضي.
ويحتكم الجانب السوري في عملية التصعيد على الحدود إلى المسوغات نفسها التي يعتمدها المسؤولون اللبنانيون؛ حيث يريد الجيش السوري الجديد، الذي هو خليط من مجاميع مسلحة ويستغرق تحوله إلى جيش حقيقي وقتا، إظهار قدرته على حماية الأراضي السورية من خلال الردود القوية على أي تجاوز داخلي أو خارجي باستثناء إسرائيل، فهي تمثل استثناء للبنانيين والسوريين معا.
ومن بروكسل أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن السوريين “لن يتسامحوا مع أي محاولة للمساس بالسيادة السورية،” متهما “جهات خارجة عن القانون”، من بينها “بعض الميليشيات المتمركزة على حدودنا مع دول الجوار” من دون أن يسميها، بتشكيل “تهديد مستمر” لأمن بلاده واستقرارها.
وقال ماهر الزيواني، وهو قائد فرقة من الجيش السوري تنتشر على الحدود، “تعزيزات عسكرية كبيرة وصلت لدعم المواقع على الحدود السورية – اللبنانية ومنع أي انتهاكات في الأيام المقبلة.”
ولا ينظر المسؤولون الجدد في سوريا إلى التصعيد على أنه اشتباك مع لبنان، وإنما مع حزب الله لما يمثله الحزب للسوريين من محاميل طائفية وارتباطه بإيران والرئيس السابق بشار الأسد، لتبدو المواجهة معه نوعا من القصاص من الحزب الذي يتم التعامل معه كعدو مفترض حتى بعد أن تعرض لضربات قاصمة من إسرائيل، وقد تم اتهامه بأنه يقف وراء محاولة “التمرد” في الساحل السوري، ووجوده الافتراضي قد يفسر الرد العنيف ضد العلويين.
ويقول مراقبون إن حزب الله والمجموعات العشائرية المتحالفة معه يخططان عبر افتعال اشتباكات محدودة لتشتيت جهود الإدارة الجديدة في سوريا ومنعها من الاستمرار في مساعيها لإقامة تسويات داخلية مثلما جرى مع الأكراد والدروز لأن ذلك يساعدها على تثبيت الوضع لفائدتها، وهو ما يتناقض مع خطط إيران والمجموعات الحليفة لها ومن بينها حزب الله.
واتهمت وزارة الدفاع السورية حزب الله بخطف ثلاثة جنود سوريين إلى لبنان وقتلهم هناك. ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) عن المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع قوله إن “مجموعة من ميليشيا حزب الله قامت عبر كمين بخطف ثلاثة من عناصر الجيش العربي السوري على الحدود اللبنانية (…) قبل أن تقتادهم إلى الأراضي اللبنانية وتقوم بتصفيتهم.”
حزب الله يخطط عبر افتعال اشتباكات محدودة لتشتيت جهود الإدارة الجديدة في سوريا ومنعها من الاستمرار في مساعيها لإقامة تسويات داخلية مثلما جرى مع الأكراد والدروز
وأضافت “ستتخذ وزارة الدفاع جميع الإجراءات اللازمة بعد هذا التصعيد الخطير من قبل ميليشيا حزب الله،” مشيرة إلى أن الحادثة وقعت قرب سد زيتا غرب حمص.
من جهته نفى حزب الله في بيان “بشكل قاطع ما يتم تداوله بشأن وجود أي علاقة لحزب الله بالأحداث التي جرت على الحدود اللبنانية – السورية.” وأضاف “نجدّد التأكيد على ما سبق وأعلنا عنه مرارا، بأن لا علاقة لحزب الله بأي أحداث تجري داخل الأراضي السورية.”
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية أن صواريخ أطلقت من الأراضي السورية سقطت في بلدة القصر اللبنانية الحدودية. وأفادت الوكالة بـ”سقوط عدد من القذائف الصاروخية في بلدة القصر الحدودية مصدرها ريف القصير داخل الأراضي السورية.”
وفيما يقول السوريون إن الحزب اختطف ثلاثة من عناصر الأمن الوطني السوري ثم قتلهم يقدم اللبنانيون رواية مضادة تقول إن العناصر هم الذين دخلوا الأراضي اللبنانية في بلدة القصر، حيث تعرضوا لإطلاق نار من أفراد عشيرة تنشط في مجال التهريب.
وأعلنت السلطات الجديدة في سوريا الشهر الماضي عن إطلاق حملة أمنية في محافظة حمص الحدودية، بهدف إغلاق الطرق المستخدمة في تهريب الأسلحة والبضائع. واتهمت حزب الله بشن هجمات، وقالت إنه يرعى عصابات تهريب عبر الحدود.