مخاوف من تحول الاجتماعات الليبية إلى نسخة مكررة من اللقاءات الفلسطينية

القاهرة- بدأت بعض الدوائر الليبية المستقلة تتحسب من أن تتحول اجتماعات القوى الليبية في القاهرة إلى نسخة مكررة من لقاءات فلسطينية شبيهة لم تحقق تقدما ملموسا، حيث كانت تعقد وتنفضّ من دون أن تغير من الواقع السياسي والأمني الفلسطيني.
وتنصب المخاوف الظاهرة في عدم استبعاد أن يتحول الانسداد العام في الحل إلى ارتياح لعقد لقاءات ومشاورات في القاهرة أو غيرها من دول الجوار تنتهي بلا تقدم وتصبح عملية سياسية جوفاء تتجاذب أطرافها قوى إقليمية وتشتبك معها أخرى دولية.
ووسعت القاهرة من انفتاحها على جميع القوى الليبية، من الشرق والغرب والجنوب، وحوت الاجتماعات التي عقدت رسميا قيادات تنتمي إلى جماعة الإخوان (المصنفة إرهابية في مصر) أو محسوبة عليها كي تبدو طرفا محايدا في الأزمة بعد فترة طويلة من انحيازها للشرق، حيث يبدو جمع قوى مختلفة على طاولة واحدة أمرا منطقيا.
وتجد التحركات المصرية المتعلقة باجتماعات كل من اللجنة الدستورية واللجنة العسكرية المعروفة بـ“5+5” حاليا في القاهرة تشجيعا من قوى دولية، ودعما واضحا من المستشارة السياسية للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز التي تريد أن توحي بقدرتها على منع انفلات الأزمة والعودة إلى المرحلة الدامية من الاشتباكات.
ومن الصعوبة أن تتمكن الاجتماعات الجارية في القاهرة بشتى ألوانها واللقاءات المتوقعة قريبا بين قيادات سياسية من تحقيق اختراق في الأزمة، لأن الرؤى التي تتحكم فيها محدودة وخاضعة لحسابات ضيقة لأطراف يريد من يقفون خلفهم عدم مغادرة الساحة وترك الفرصة لمن هم قادرون على التوصل إلى تسوية حقيقية.
ولا توجد ضمانات للنتائج التي يمكن أن تتوصل إليها اللجان الليبية تستطيع تنفيذها على الأرض في ظل الفجوة الراهنة بين القيادات والقواعد، ما يعيد إلى الأذهان سيناريو الفصائل الفلسطينية التي عقدت اجتماعات عديدة في القاهرة وتوصلت إلى اتفاقات وتفاهمات على مدار خمسة عشر عاما وعجزت عن تطبيقها.
واستبعدت بعض المصادر أن تكون القوى الدولية الرئيسية المعنية مستعدة لتسهيل مهمة التفاهمات، لأنها حتى الآن تعترف بحكومة عبدالحميد الدبيبة التي تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية عدم إجراء الانتخابات، ولا تزال تحظى بدعمها في ممارسة دورها على الرغم من اتخاذ الدبيبة ورفاقه موقفا سلبيا من اجتماعات القاهرة.
وأكدت المصادر نفسها لـ“العرب” أن غياب الدعم الصريح أو الرفض الواضح يشير إلى أن الاجتماعات تحولت إلى غاية وليست وسيلة، هدفها تسكين الأزمة وعدم انتقالها إلى مربع التصعيد في ظل انشغالات أخرى على الساحة الدولية، لأن المساهمة في الحل تتطلب تحركات أشد صرامة من المجتمع الدولي.
وقد انطلقت اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة في القاهرة الخميس بحضور رئيس أركان حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة محمد الحداد ورئيس أركان القيادة العامة للجيش الليبي عبدالرزاق الناظوري على أمل توفير دفعة معنوية تشجع على تذليل العقبات التي تعتري ما تبقى من تفاهمات.
وتهدف أعمال اللجنة العسكرية إلى “مواصلة مناقشة خيارات التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الشامل، وتنسيق جهود وترتيبات انسحاب المقاتلين والمرتزقة الأجانب”.
وكشف تقرير أعده فريق الخبراء الدولي المعني بليبيا والذي قدم إلى مجلس الأمن في السابع والعشرين مايو الماضي وجود “عمليات نقل ذهابا وإيابا للمقاتلين السوريين من ليبيا وإليها، مع خروج أولئك الذين انتهت عقودهم واستبدالهم بعناصر جديدة”.

خالد المشري: ندرس الجدوى من زيارة القاهرة في حل المشاكل الخلافية الليبية وعلى رأسها الانسداد الحاصل بالمسار السياسي والدستوري
وتؤكد هذه المعلومات أن ما تحاول القاهرة إصلاحه باليد اليمنى من خلال اللجنة العسكرية يمكن أن تحطمه أنقرة باليد اليسرى، فهي لم تدخل تعديلا حقيقيا على دورها في ليبيا منذ تغيير سياستها الإقليمية وانفتاحها على دول عربية، وهو ما يعزز رغبتها في عدم حل الأزمة ويعوق مخرجات لجنة 5+5 وإنزالها على الأرض.
وأصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الثلاثاء قرارا بإيفاد 12 عسكريا من المنطقتين الشرقية والغربية إلى القاهرة في مهمة عمل لمدة أسبوع من دون أن يوضح تفاصيل المهمة.
وبدأت اللجنة العسكرية المشتركة في القاهرة اجتماعاتها عقب جولتين لها في توليدو (طليطلة) وتونس في شهري مايو ويونيو على التوالي.
وجذبت اجتماعات اللجنة العسكرية الأضواء من نظيرتها الدستورية التي بدأت جولتها الثالثة والأخيرة في القاهرة الأحد الماضي ولمدة أسبوع من دون أن تظهر ملامح تقدم على ما أحرزته في الجولتين السابقتين، حيث أعلن رسميا أنه تم إنجاز نحو 70 في المئة من القضايا الخلافية.
ولوحت ستيفاني ويليامز إلى أهمية الجولة الثالثة للمسار الدستوري، إذ يبحث الأعضاء (24 عضوا) الذين يمثلون البرلمان والمجلس الأعلى للدولة مناصفة عملية تعديل مواد مسودة الدستور بهدف وضع قاعدة قانونية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وتلقى رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الخميس دعوة من مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للاجتماع مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالقاهرة، بما يعني توفير زخم جديد للمسار الدستوري.
وقال المشري “ندرس الجدوى من زيارة القاهرة في حل المشاكل الخلافية الليبية وعلى رأسها الانسداد الحاصل بالمسار السياسي والدستوري”.
وأشارت مصادر ليبية إلى أن هذا الاجتماع يمكن أن ينضم إليه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في محاولة لتقريب المسافات بين الأجسام الثلاثة الرئيسية في المعادلة الراهنة، بعد أن أصبحت الحكومة برأسين، يقودها عبدالحميد الدبيبة من طرابلس، وفتحي باشاغا من سرت، ولكل منهما أنصار من الفرقاء الليبيين.
وعقد المنفي اجتماعا ثنائيا مع عقيلة في القاهرة، وناقشا الوضع السياسي في البلاد، وسبل الخروج من الانسداد الحالي بالوصول إلى إجراء الانتخابات في أقرب الآجال.
وليس مهما ما تتوصل إليه اجتماعات اللجان العسكرية والدستورية أو الشخصيات السياسية في القاهرة من نتائج تتحدث عن التفاؤل باتفاقات وتفاهمات ومصالحات، فقد استوعب المواطنون الليبيون دروس الحالة الفلسطينية ولن يثقوا إلا في ما تراه عيونهم من أمن واستقرار وانتخابات وقيادة جديدة قادرة على جمع الشمل.