مخاوف في ليبيا من تكرار سيناريو تسليم المريمي مع مطلوبين آخرين

طرابلس – تخشى أوساط قبلية في ليبيا أن تقدم حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها على تسليم عدد من المطلوبين إلى الولايات المتحدة ومن بينهم عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الليبية في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي.
واعترفت حكومة عبدالحميد الدبيبة مؤخرا بأنها سلمت أبوعجيلة مسعود المريمي، المشتبه به في قضية لوكربي، إلى الولايات المتحدة، بعد أيام من إعلان واشنطن وصول المريمي إلى أراضيها ومحاكمته في محكمة اتحادية.
وذكرت مصادر في ليبيا أن القبائل التي ينتمي إليها المطلوبون ستصعّد تحركاتها في الأيام المقبلة للضغط باتجاه الإفراج عنهم، بعد ورود معلومات مؤكدة عن عزم حكومة الوحدة الوطنية على تسليم عدد منهم ومن بينهم السنوسي.
أوساط قبلية في ليبيا تخشى إقدام حكومة الوحدة على تسليم مطلوبين إلى الولايات المتحدة من بينهم عبدالله السنوسي
ويعتبر السنوسي الذراع اليمنى للراحل معمر القذافي، وهو محتجز في سجن بالعاصمة طرابلس منذ عام 2012 إلى جانب العشرات من أركان النظام السابق، بعد إدانته لدوره في مقتل محتجين خلال انتفاضة 2011.
وبالإضافة إلى رئيس المخابرات الأسبق تطالب القبائل بالإفراج العاجل عن ثلاثة من رموز نظام القذافي وهم عبدالله منصور وأحمد إبراهيم ومنصور الضو.
وينتمي السنوسي إلى قبيلة المقارحة، وهي من أكبر القبائل في ليبيا، ولجأت هذه القبيلة في فترات سابقة إلى إغلاق صمامات مياه النهر الصناعي عن طرابلس. وينتمي عبدالله منصور إلى قبيلة أولاد سليمان، أما أحمد إبراهيم ومنصور الضو فينتميان إلى قبيلة القذاذفة.
وقال أشرف عبدالفتاح، عضو المجلس الأعلى للقبائل الليبية، إن القبائل الليبية جادة في تحذيراتها، وإن المعلومات المتوفرة حتى الآن تشير إلى تخوفات بشأن تسليم عبدالله السنوسي.
وأضاف في حديثه لوكالة “سبوتنيك” الروسية أن العديد من أوراق التصعيد يمكن أن تلجأ إليها القبائل خلال الأيام القليلة المقبلة، منها إغلاق صمامات النهر الصناعي، أو إغلاق الطرق الرئيسية بين المدن، وكذلك أوراق حقول النفط.
وحذر عبدالفتاح من الإقدام على تسليم السنوسي، خاصة أن قضية لوكربي أغلقت بناء على اتفاقية وتعويضات دفعت في السابق، وأن حالة الاحتقان في الشارع الليبي يمكن أن تؤدي إلى انفجار كبير، لاسيما أن الجميع يعتبرون ما حدث “خيانة عظمى”، وأن أي تحرك في الشارع سيؤدي إلى نتائج غير متوقعة وصدام كبير.
وكان المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الأميركية جون بيلينغر ذكر مؤخرا أن اعتقال المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود المريمي “قد لا يكون الفصل الأخير” في قضية تفجير طائرة لوكربي، مرجحا أن يُكشف “المزيد من المعلومات حول الهجوم، وقد يؤدي إلى إلقاء القبض على مسؤولي المخابرات الليبيين الآخرين المسؤولين عن التفجير ومحاكمتهم”.
جاء ذلك في مقال مطول كتبه بيلينغر في مدونة “لاوفير” الأميركية المتخصصة في قضايا الأمن القومي، والتي تتابع سير ملف لوكربي منذ وقوع الحادث حتى مثول المريمي أمام محكمة فيدرالية في واشنطن يوم الثاني عشر من ديسمبر الجاري.
وقال المستشار الأسبق لوزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، في مقاله الذي تناقلته وسائل إعلام ليبية “قد تدور عجلات العدالة الأميركية ببطء، لكنها تدور بلا هوادة”، مذكِّرا بحديث سابق أدلى به المدير الأسبق لمكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت مولر لعائلات ضحايا الحادث في الذكرى العشرين حين قال “نجدد جهودنا لإنصاف أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بنا. نجدد جهودنا للحفاظ على أمن شعبنا وتخليص العالم من الإرهاب. سنواصل المضي قدما. لكننا لن ننسى أبدا”.
وأشار بيلينغر إلى أن “اعتقال الولايات المتحدة أبوعجيلة مسعود يظهر أن الذراع الطويلة للعدالة الأميركية تمتد إلى أميال وسنوات عديدة، من خلال إدارات متعددة”، لافتا إلى اعتقاده بأن المريمي جرى تسليمه إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في ليبيا.
وأوضح المستشار الأميركي الأسبق أن اعتقال المريمي هو “أحدث إجراء أميركي منذ أكثر من ثلاثة عقود من العمل الذي قامت به وكالات المخابرات الأميركية ووزارتا العدل والخارجية (إضافة إلى الوكالات الحكومية الأخرى) لتحديد ومحاكمة مفجّري طائرة “بانام أميركان” ومحاسبة الحكومة الليبية وتقديم تعويضات لأسر الضحايا”. ويتخوف الليبيون من أن يقود تسليم المريمي إلى فتح قضية كلفت الدولة الليبية أموالا طائلة.
الليبيون متخوفون من أن يقود تسليم المريمي إلى فتح قضية كلفت الدولة الليبية أموالا طائلة
وكان نظام معمر القذافي دفع في 2008 أكثر من ملياري دولار تعويضات لأهالي الضحايا لإقفال ملف قضية لوكربي، لكن مع تسلم الولايات المتحدة للمريمي فإنه من غير المستبعد أن تكون لذلك تبعات جديدة على الدولة الليبية.
وأعيد فتح التحقيق في القضية عام 2016 عندما علم القضاء الأميركي بتوقيف المريمي بعد سقوط نظام القذافي وبأنّه قدّم اعترافا مفترضا لاستخبارات النظام الليبي الجديد عام 2012.
وكشف محققون أميركيون وقت التفجير عن أدلة على أن أحد المتهمين المحتملين كان اسمه أبوعجيلة مسعود، لكنّهم لم يتمكّنوا من تحديد مكانه.
وأدين شخص واحد حتى الآن في تفجير رحلة بان أميركان 103 في الحادي والعشرين من ديسمبر 1988، في اعتداء إرهابي هو الأكثر دموية الذي تشهده الأراضي البريطانية.
والطائرة التي كانت متوجّهة إلى نيويورك انفجرت بعد 38 دقيقة من إقلاعها من لندن، ما أدّى إلى سقوط هيكلها في بلدة لوكربي بينما تناثر الحطام على مساحة شاسعة.
وأسفر التفجير عن مقتل 259 شخصا، بينهم 190 أميركيا كانوا على متن الرحلة، إضافة إلى 11 شخصا كانوا على الأرض.
وأمضى ضابط المخابرات الليبي السابق عبدالباسط المقرحي سبع سنوات في سجن أسكتلندي بعد إدانته في هذه القضية عام 2001، وتوفي في ليبيا عام 2012. ولطالما دفع المقرحي ببراءته.