مخاوف في لبنان من ممارسة حزب الله ضغوطا على القضاء في قضية انفجار المرفأ

بيروت – لاقت التهم التي وجهها قاضي التحقيق فادي صوان في انفجار مرفأ بيروت لجهات سياسية، استنكارا من حزب الله.
واعتبر حزب الله في بيان الجمعة أن التهم الموجهة لرئيس حكومة تصريف الأعمال وثلاثة وزراء سابقين في انفجار المرفأ “استهداف سياسي”.
وجاء بيان حزب الله في إطار رد فعل معارض على نطاق أوسع من قبل أطراف مؤثرة تعترض على التهم التي وجهها القاضي فادي صوان الخميس، فيما يكشف النقاب عن حقل ألغام سياسي يواجه التحقيق.
وشدّد على "ضرورة ألا يضيع التحقيق في متاهات الإجراءات الإدارية والتعقيدات الروتينية والإشكالات القانونية، بحيث تختفي الأدلة، ويغيب المجرمون وتضيع الحقيقة، وتطفو على السطح الشبهات غير الموثوقة والاتهامات غير المسندة والادعاءات غير الصحيحة، فيسقط التحقيق بين أدغال السياسة ولعبة الشارع وصخب الإعلام على حساب الحقيقة".
واعتبر حزب الله أن التهم الموجهة لحسان دياب والوزراء لم تكن بعيدة عن التجاذبات السياسية ولا تستند على أسس منطقية وقانونية، معربا عن رفضه بشكل قاطع لغياب المعايير الموحدة والتي أدت إلى ما نعتقده استهدافا سياسيا طال أشخاصا وتجاهل آخرين، دون ميزان حق، وحمل شبهة الجريمة لأناس، واستبعد آخرين دون مقياس عدل، وهذا سيؤدي إلى تأخير التحقيق والمحاكمة بدلا من الوصول إلى حكم قضائي مبرم وعادل.
ورأى متابعون في تصريحات حزب الله رسائل تثير مخاوف من ممارسته ضغوطا غير مباشرة على القضاء، لاسيما وأن كثيرين وبينهم حتى دول تحمل الحزب مسؤولية الانفجار الكارثي.
واتهم صوان الخميس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي استقالت حكومته بعد الانفجار، وثلاثة وزراء سابقين بالإهمال الذي أفضى إلى انفجار أغسطس وأودى بحياة 200 شخص ودمر مساحات كبيرة من بيروت.
وأطلع المحقق العدلي مكتب رئيس الحكومة حسان دياب على فحوى الادعاء، وأبلغه بأنه سينتقل الاثنين إلى السرايا الحكومي لاستجوابه كمدعى عليه، كما جرى تحديد جلسات تحقيق الأسبوع المقبل أيضا لاستجواب الوزراء الثلاثة كمدعى عليهم.
وسارع رئيس حكومة تصريف الأعمال الخميس إلى التبرؤ من أي مسؤولية قائلا في بيان إنه “واثق من نظافة كفه وتعامله المسؤول والشفاف مع ملف انفجار مرفأ بيروت، ويستغرب هذا الاستهداف الذي يتجاوز الشخص إلى الموقع، ولن يسمح باستهداف موقع رئاسة الحكومة من أي جهة كانت”.
وكان صوان طلب الشهر الماضي من البرلمان التحقيق مع وزراء حاليين وسابقين للاشتباه بارتكابهم مخالفات أو جرائم على صلة بالانفجار بعد مطالعة أعدّتها النيابة العامة التمييزية ورأت فيها أنّ ملاحقة الوزراء على مخالفات أو جرائم محتملة ارتكبوها خلال تولّيهم مهامهم الوزارية تقع ضمن اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وشكل الانفجار أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ المعاصر، ونتج عن كمية هائلة من نترات الأمونيوم المخزنة لسنوات في ظروف لا تراعي إجراءات السلامة والأمان.
وبحسب وثائق ومصادر أمنية كبيرة، كان دياب والرئيس ميشال عون من بين المسؤولين الذين تم تنبيههم في يوليو إلى أن شحنة نترات الأمونيوم تشكل خطرا شديدا.
واستنكر المتهمون في القضية قرار القاضي صوان، إذ قال حسان دياب إنه “مرتاح الضمير”، متهما صوان بانتهاك الدستور. وكذلك فعل علي حسن خليل، أحد الوزراء الثلاثة السابقين والحليف المقرب من حزب الله والمساعد البارز لرئيس مجلس النواب نبيه بري.
والوزيران السابقان الآخران الموجهة لهما اتهامات هما وزيرا الأشغال العامة السابقان غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، وهما أيضا من حلفاء حزب الله. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على فنيانوس وخليل متهمة إياهما بتمكين جماعة حزب الله التي تعتبرها تنظيما إرهابيا، فيما يدور جدل حول ما إذا كان الوزراء يتمتعون بالحصانة في القضية.
وشكلت اتهامات المحقق العدلي ضربة موجعة لحزب الله وحلفائه، لاسيما وأن دياب كما الوزراء الثلاثة من المحسوبين على هذا التحالف.
وسعى حزب الله وحلفاؤه، الذين يقبضون على مفاصل السلطة في لبنان منذ سنوات، إلى التملص من أي مسؤولية عن انفجار بيروت، حتى أن الحزب ذهب بعيدا إلى حد رفع دعاوى قضائية ضد رجل الأعمال وابن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري بهاء الحريري، والنائب السابق فارس سعيد، وموقع حزب القوات اللبنانية على خلفية تحميله مسؤولية الانفجار المدمر.
ولقي قرار قاضي التحقيق ترحيبا من جهات سياسية كثيرة، إذ أشاد ملحم خلف نقيب المحامين في بيروت بالقرار قائلا إنه ينم عن شجاعة.
وانتقد نجيب ميقاتي، الذي كان رئيسا للوزراء في الفترة من 2011 إلى 2014، الاتهامات، وألمح إلى أنه في حين وُجهت اتهامات إلى دياب تم إغفال عون الذي كان على علم بوجود الشحنة الخطرة.
وقال عون في أغسطس إنه تم إبلاغه بأمر الشحنة وإنه وجّه الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة.
وأسفر انفجار الرابع من أغسطس عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6500 آخرين. واستقالت حكومة دياب على خلفية الانفجار لكنّها لا تزال تصرّف الأعمال لعدم تشكيل حكومة جديدة إلى حدّ الآن.