مخاوف سودانية من نوايا لتعويم فلول البشير في مؤتمر أديس أبابا

الخرطوم- تشكك أوساط سياسية سودانية في إمكانية أن يحرز الحوار السياسي الذي تحتضنه العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أي تقدم، بعد قرار عدد من القوى السياسية والحركات المسلحة مقاطعته، في غياب الوضوح عن أجندة الحوار الذي دعت إليه الآلية الأفريقية، ومشاركة قيادات من المؤتمر الوطني المنحل، وهو ما يضاعف الشكوك حيال أهداف الداعين إليه.
وانطلقت الجولة الأولى من حوار أديس أبابا الأربعاء وتتواصل حتى الخامس عشر من يوليو الجاري، وتأتي الجولة بعد يوم من زيارة أداها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى بورتسودان واجتماعه بقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
وأعلنت تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية في السودان (تقدم) عن عدم المشاركة. وذكرت الأمانة العامة للتحالف المدني في بيان نشرته على صفحتها في فيسبوك مساء الثلاثاء أن التنسيقية حصلت على معلومات تؤكد صحة مخاوف التحالف بشأن غياب الشفافية في ما يتعلق بتصميم الاجتماع.
وأوضحت أن الاجتماع تسيطر عليه عناصر من النظام السابق وواجهاته ومن أسمتهم “قوى الحرب”، وهو ما يهمش ويستبعد قوى السلام والتحول المدني الديمقراطي، ويضعف دورها.
واعتبرت “تقدم” أن هذا الوضع لا يؤدي إلا إلى منح مشروعية للحرب وقواها، بدلاً من تحقيق السلام في السودان.
وفي يونيو الماضي أقرت الآلية رفيعة المستوى المعنية بإعادة الاستقرار في السودان بالاتحاد الأفريقي تنظيم اجتماع بين الأطراف السودانية، وقابلته خطوات أقرها مجلس السلم والأمن الأفريقي بتشكيل لجنة رئاسية من خمسة رؤساء بقيادة الرئيس الأوغندي يوري موسفيني لعقد لقاء بين قائدي الجيش والدعم السريع.
وقال عضو التنسيقية محمد الهادي محمود إن التنسيقية حسمت أمرها بعدم المشاركة في اجتماعات الاتحاد الأفريقي المنعقدة في أديس أبابا، لأن المنظمين لتلك اللقاءات لم يقدموا التفاصيل الخاصة بالمؤتمر ولا توجد أجندة واضحة بشأن ما سيتم التباحث حوله.
وكشف الهادي محمود في تصريحات لـ”العرب” أن التنسيقية أرسلت أمينها العام صديق الصادق المهدي لاستكشاف ما سيدور في الاجتماع قبل انطلاقه ووجد أن هناك الكثير من النقاط المبهمة، كما أن الحاضرين غير معروفين، وسط معلومات تشير إلى وجود قيادات محسوبة على حزب المؤتمر الوطني المنحل تشارك في المؤتمر التحضيري.
وسبق أن عارضت “تقدم” في أكثر من مناسبة إشراك حزب المؤتمر الوطني المنحل في أي عملية سياسية، حيث تقول “لا يمكن أن يُسمح لقوى دمرت البلاد وحولت كل مقدراتها إلى مجرد إقطاعيات خاصة، وفي نفس الوقت عملت كل ما يمكنها من أجل هزيمة ثورة ديسمبر 2019 عبر خلق كل أسباب الفشل للحكومة الانتقالية أولا، ومن ثم القيام بالانقلاب ثانياً، وأخيراً بإشعال الحرب كأكبر دليل على عدم الاكتراث لحياة الإنسان السوداني ومقدراته”.
وتصف “تقدم” الحزب المنحل بأنه منظومة عسكرية وأمنية، وتنظيم قابض على بيروقراطية الدولة وعبرها سيطر على دفة الحكم في البلاد عبر انقلاب عسكري لمدة 30 عاما. وتؤكد أن أي محاولة لإشراك المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتها في العملية السياسية، تعني قطع الطريق أمام مسيرة التحول المدني الديمقراطي، كون الحزب لا يعترف حتى الآن بالتغيير الذي أحدثته الثورة، وليس لديه أدنى رغبة في مراجعة تجربته في الحكم، ولا يفكر في التخلي عن المنظومة الأمنية والعسكرية التي يتوسل بها للوصول إلى السلطة.
ويعتقد متابعون أن أحد أهداف الحوار السياسي في أديس أبابا هو كسر العزلة السياسية للمؤتمر الوطني المنحل، في ظل قناعة أفريقية بأنه لا مناص من إشراك الحزب في أي عملية تستهدف التوصل إلى تسوية، بالنظر للتأثير القوي لقيادات الحزب على مواقف الجيش.
ويشير المتابعون إلى أن محاولة تعويم المؤتمر الوطني المنحل أمر مرفوض بشكل كلي من معظم الطيف السياسي السوداني الذي يحمل قيادات الحزب مسؤولية اندلاع الحرب الحالية والعمل على تأجيجها.
وقال الهادي محمود في تصريحه لـ”العرب” إن “التنسيقية تهدف إلى الحفاظ على المكتسبات التي تحققت في مؤتمر القاهرة، وترفض أن يتم الانقضاض عليها من خلال اجتماعات تفتقر للتنسيق الكبير بشأنها، بعد أن فتحت القوى المدنية والسياسية آفاقا جادة للحل، وبالتالي فإن الاتصالات سوف تستمر مع قيادة الاتحاد الأفريقي، بما يضمن البناء على التطورات الراهنة في المجالين الإنساني والسياسي”، مشيراً إلى أن الأزمة تتمثل في وجود موظفين لدى الاتحاد لديهم صلات بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
وذكر أن “تقدم” تنتظر تصحيح الأخطاء السابقة في الجولة الثانية من الاجتماعات الدورية التي أعلن عنها الاتحاد الأفريقي، بما يفسح المجال لمشاركة التنسيقية فيها، مؤكدا عدم وجود تحفظ على لقاء قيادات الكتلة الديمقراطية (القريبة من الجيش) والتي بدأت تتخذ مواقف أكثر إيجابية نحو وقف الحرب، وهناك ما يشبه الانقسام داخلها بين مجموعات أكبر تدعو إلى وقف إطلاق النار، وأخرى يصر المحسوبون عليها على الاستمرار في الحرب.
وإلى جانب “تقدم” أعلن كل من حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور عدم المشاركة في مؤتمر أديس أبابا.
وقال المتحدث باسم الحركة محمد عبدالرحمن الناير في بيان الثلاثاء إن الحركة سبق أن رحبت بالدعوة المقدمة من الاتحاد الأفريقي المتعلقة بمؤتمر الحوار السياسي، وإثر ذلك طلبت من الاتحاد الأفريقي مدها بقائمة المشاركين في المؤتمر قبل إرسال وفدها إلى أديس أبابا، خاصة أن الحركة، وفقا للناير، لها “موقف ثابت ومبدئي بعدم الجلوس مع المؤتمر الوطني وواجهاته”.
من جهته طالب تحالف القوى المدنية لشرق السودان الاتحاد الأفريقي بتأجيل الحوار، وذلك من أجل المزيد من التشاور وضمان حضور كل القوى المدنية الفاعلة والحركات السياسية المسلحة والتي طرحت نقاطا وأفكارا تستحق النقاش والتداول.