مخاوف جزائرية من تمدد الأزمة مع مالي إلى دول الساحل

الجزائر - تعكس مسارعة الجزائر إلى استقبال وزير خارجية النيجر باكاري ياوو سانغاري تخوّفا من تمدد الأزمة مع المجلس العسكري في مالي، بسبب انحيازها للأزواد، إلى بقية دول منطقة الساحل وهو ما سيشكل لها حصارا غير معلن، الأمر الذي سيزيد من عزلتها في ظل علاقاتها المضطربة ببقية جيرانها.
وبحث وزير خارجية النيجر في الجزائر الملفات الثنائية والإقليمية، لاسيما المشاريع المشتركة كالطريق العابر للصحراء. وأعطت زيارة وزير خارجية النيجر انطباعا بأن الجزائر تريد تطويق أزمتها مع المجلس العسكري الحاكم في مالي، ومنع تمددها إلى الدول المجاورة المشكلة لمنطقة الساحل، خاصة في ظل التحول السياسي في المنطقة والذي يطبعه صعود نخب عسكرية مناهضة لمنطق الهيمنة والتبعية الاستعمارية.
وكانت العاصمة باماكو، وبعض المدن المالية المجاورة لها، قد شهدت مظاهرات شعبية رفعت شعارات مناهضة للجزائر لأول مرة في تاريخ البلاد، ما يعكس حجم الاستياء الذي وصل إلى الشارع المالي من التدخلات الجزائرية في الشأن الداخلي لبلاده، وهو ما يعيد إلى الأذهان الشعارات المناوئة لفرنسا التي رفعها محتجون ماليون من قبل.
◙ الاستياء من الدور الجزائري وصل إلى الشارع المالي حيث شهدت عدة مدن خروج مظاهرات رفعت شعارات مناوئة للجزائر
كما قامت قبل ذلك باستدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور عملا بما أسمته "مبدأ المعاملة بالمثل"، وهو ما يوحي بأن السلطات الجزائرية استدعت سفيرها في باماكو للغرض نفسه لكنها لم تعلن عن ذلك. وجاء ذلك كحلقة من مسلسل التصعيد والتوتر بين الطرفين، حيث تبادلت الحكومتان إجراء استدعاء السفير من طرف وزير الخارجية، لإبلاغه احتجاجا على أفعال غير ودّية من جانب بلاده وتدخلها في الشؤون الداخلية.
ومن بين المآخذ التي أعلنت عنها مالي ما وصفته بـ"الاجتماعات المتكررة التي تعقد في الجزائر على أعلى المستويات ومن دون أدنى علم أو تدخل من السلطات المالية، من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقّعة على اتفاق 2015 والتي اختارت المعسكر الإرهابي".
واستقبلت الجزائر في الشهر الجاري قيادات سياسية أزوادية تمت دعوتها من طرف الحكومة رسميا لبحث المسائل المستجدة في المنطقة، خاصة إقليم الأزواد الذي اجتاحته منذ عدة أشهر قوات عسكرية حكومية بدعم من عناصر مجموعة فاغنر الروسية.
وشن الإعلام الجزائري حملة شرسة ضد قائد المجلس العسكري المالي، وتم وصفه بـ"المتآمر" و"الضابط الذي يلعب بالنار"، كما اتهمته بـ"الخضوع لجهات إقليمية تريد الانتقام من الجزائر بافتعال أزمات مع دول الجوار".
ومن جانبها أعربت الجزائر عن "تمسكها الراسخ بسيادة جمهورية مالي، وبوحدتها الوطنية وسلامة أراضيها، وأكدت على القناعة العميقة بأن السبل السلمية، دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في جمهورية مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام".
وذكر بيان لخارجيتها أن "المصالحة الوطنية، وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة والأشقاء، تظل الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء".
وتريد الجزائر الاستثمار في إيجابية الزيارة التي أداها وزير خارجية النيجر، لتبديد الصورة السلبية التي راجت عن دورها في المنطقة، خاصة ما تعلق بالمكون الأزوادي المنتشر على الحدود الجنوبية، وحماية اتفاق المصالحة الوطنية المالية من الانهيار.
وأشاد الوزير النيجري في تصريحه بـ"جودة العلاقات بين الجزائر وبلده، وبالمشاريع المشتركة، وبالدور الذي اضطلعت به الجزائر دائما في حل الأزمات التي شهدها بلده”.
وأكد على أن "الجانبين تطرقا خلال المحادثات التي دارت بينهما إلى جملة من المشاريع المشتركة، لاسيما الطريق العابر للصحراء الذي من شأنه فك العزلة عن العديد من البلدان الأفريقية وتسهيل المبادلات قاريًّا”.
ولفت إلى أن الجزائر تقف دوما إلى جانب بلاده في كل الأزمات التي واجهها في الماضي، و”لقد كنا دائما راضين عن الطريقة التي أدت بها دور الوساطة بمساع حميدة في كل مرة يحدث فيها مشكل بالنيجر”.
وكشف وزير خارجية النيجر للصحافيين عقب اللقاء الذي جمعه بنظيره الجزائري أحمد عطاف، في العاصمة الجزائرية، أن بلاده اليوم "في خضم وساطة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وقد جئت لتقييم التطورات مع أخي الجزائري ولأشرح له الديناميكية التي نوجد فيها حاليا".
وأضاف "الوساطة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في الطريق الصحيح، ونأمل أن نتخلص سريعا من كل هذه الأوضاع وأن نتمكن من إيجاد حل سريع للأزمة بخصوص الأوضاع التي نعيشها حاليا".
وخلص رئيس الدبلوماسية النيجرية إلى أن "الخروج المأمول فيه من الأزمة سيمكننا من التركيز على العمل الذي ينتظرنا من أجل العودة إلى النظام الدستوري، والأعمال الواجب القيام بها لدعم التنمية في بلدنا”.