مخاوف العراق الأمنية بعد سقوط الأسد تدفع السوداني للتنسيق مع السعودية

رئيس الوزراء العراقي وولي العهد السعودي يبحثان أهمية الاتفاق على التنسيق المشترك بشأن تداعيات الأحداث في سوريا.
الخميس 2024/12/19
الملف السوري يهيمن على اللقاء

العلا (السعودية) - باتت المخاوف الأمنية هي الدافع الأول لتحركات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني نحو المحيط العربي، في خطوة لضمان عدم تأثر بلاده بمجريات الأحداث في سوريا، بعد انحسار للمحور الإيراني الذي كانت بغداد مرتهنة به بشكل أو بآخر.

ويقول المراقبون إن زيارات السوداني إلى الأردن ثم السعودية تندرج في خانة الاقتراب العراقي من المحيط العربي، خصوصا بوجود ملفات تسوية في غزة وسقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

ويأتي لقاء السوداني بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من منطلق ما تمثله السعودية من ارتكاز عربي دبلوماسي وسياسي بحكم علاقاتها الدولية، وهي الأولى بمنظومة الدول العربية قاطبة، وتمتلك الكثير من مفاتيح الحلول خاصة وأن المنظومة الغربية دائما تمر مقارباتها من خلال الرياض.

وتوجه السوداني إلى السعودية الأربعاء حيث بحث مع ولي العهد السعودي، أهمية الاتفاق على التنسيق المشترك بشأن تداعيات الأحداث في سوريا وتكثيف الجهود لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، بما يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي، واستقرار المنطقة بالكامل، وذلك خلال لقائهما في محافظة العلا غرب السعودية، وفق بيان مكتب السوداني ووكالة الأنباء السعودية "واس".

ونقل البيان عن السوداني تأكيده "حرص العراق على وحدة الأراضي السورية وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، واحترام الإرادة الحرّة للسوريين، وضمان مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في إدارة البلاد".

وعقب سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر الحالي، عقدت إدارة العمليات العسكرية برئاسة أحمد الشرع المعروف بأبومحمد الجولاني اجتماعا مع رئاسة حكومة النظام السابق، وتبع ذلك تسليم الحكومة السابقة لملفات الوزارات والإدارات العامة إلى حكومة إنقاذ، لتصبح حكومة تسيير أعمال مؤقتة لمدة أقل من 3 أشهر، يرأسها محمد البشير.

وفي السياق، بحث السوداني والأمير محمد "الأوضاع المأساوية في غزة، واستمرار الكيان المحتل (إسرائيل) في عدوانه ضد الفلسطينيين، وأهمية تكثيف الجهود الدولية من أجل إيقاف فوري للحرب (الإبادة)، ومضاعفة الجهود الإغاثية لتخفيف معاناة الأهالي في غزة"، وفق المصدر ذاته.

وأكد الجانبان خلال اللقاء على "تثبيت وقف إطلاق النار في لبنان (بين إسرائيل وحزب الله)، وبذل الجهود من أجل الالتزام بما تم الاتفاق عليه".

ومنذ 27 نوفمبر الماضي، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفا متبادلا بين إسرائيل وحزب الله" بدأ في 8 أكتوبر 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر الماضي.

وبدورها، قالت وكالة الأنباء السعودية، إن الأمير محمد والسوداني استعرضا "أوجه العلاقات بين البلدين والسبل الكفيلة بتعزيزها، بالإضافة إلى بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة تجاهها بما يحقق الأمن والاستقرار".

ويعتبر توجه العراق نحو محيطه العربي، وفق مراقبين، اتجاها صحيحا في ظل أوضاع المنطقة، وهو جزء من محاولات النأي بالنفس عن الموقف الإيراني فيما يخص الملفات العربية الحساسة لا سيما وأن السعودية والأردن من الدول المعنية بشكل أكبر بكل ما يجري من تغيرات.

ولم يكن للعراق أي دور بالوضع في غزة، ولبنان، فقد اقتصر على مستوى معين من الدعم الانساني وفي بعض اللحظات لعب دور ناقل الرسائل، لكن في سوريا فقد قدم العراق خطوة ليضع نفسه ضمن السياق العربي عبر مبادرته لجمع الدول العربية على موقف واحد بعدما انهارت إيران وفقدت سيطرتها، وهذا بهدف عدم ملء الفراغ من قبل دول إقليمية أخرى.

وكان السوداني، قد زار الأردن في 11 من الشهر الحالي، والتقى في العاصمة الأردنية عمّان بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وذلك بعد أيام فقط من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ويذكر أن لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا، أكدت في اجتماعها بمدينة العقبة الأردنية، يوم 14 من الشهر الحالي، وكان بمشاركة العراق، الوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الانتقالية، واحترام إرادته وخيارته، داعية إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية جديدة "جامعة".

وشدد البيان الختامي الصادر عقب الاجتماع، على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.

ويشكل الوضع الحالي في سوريا مصدر قلق لمصر والأردن والسعودية على حد السواء نظرا لوجود جماعات متطرفة خلفيتها من جماعة الإخوان المسلمين وأخرى من السلفية والقاعدة، وهو ما سيمنحها أرضية شعبية في هذا البلد، أما بالنسبة إلى العراق فإنه يخشى من عودة سيناريو داعش في سوريا، ولذلك فهو يحاول تقوية الاتفاقات مع الدول العربية لإيجاد صيغة حلول للحد من نفوذ الجماعات الإرهابية ذاتها.

ومن خلال تصريحات الحكومة العراقية يبدو أنها لا تريد الذهاب باتجاه موقف عدائي تجاه تلك الجماعات التي أصبحت تحكم سوريا، بل تريد التعامل بشكل محترم كدولة لأخرى وفقا للاتفاقيات الدولية.

وكان السوداني قد أكد الأسبوع الماضي خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنَّ بلاده تنتظر الأفعال لا الأقوال من القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا مشددا على ضرورة عدم السماح بالاعتداء على الأراضي السورية من أي جهة كانت، إذ يمثل تهديدًا للأمن والاستقرار في المنطقة.

وجدد موقف العراق بدعم سوريا في هذه المرحلة المهمة، وأهمية أن تضطلع الدول الصديقة بمساعدة السوريين في إعادة بناء دولتهم، ومواجهة التحديات التي قد تؤثر على السلم الأهلي فيها، مشددًا على "ضرورة تمثيل كل مكونات الشعب السوري في إدارة البلاد لضمان تعزيز استقرارها.