مخاوف أميركية على جنودها مع توسيع تركيا قصفها بالشمال السوري

واشنطن – في أشد تنديد أميركي بالعمليات الجوية التركية ضد المسلحين الأكراد في شمال سوريا، أكدت وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان أن الضربات الجوية التي نفذتها أنقرة مؤخرا هددت سلامة العسكريين الأميركيين، وأن الوضع المتصاعد يعرض للخطر سنوات من التقدم ضد مقاتلي تنظيم داعش.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس لصحافيين "تحضّ الولايات المتحدة على وقف فوري للتصعيد في شمال سوريا. نشعر بقلق بالغ إزاء الأعمال العسكرية الأخيرة التي تزعزع استقرار المنطقة.. وتعرّض المدنيين والأفراد الأميركيين للخطر".
وحذر من أن "الضربات العسكرية التركية في الشمال السوري تهدد هدف البلدين المشترك في محاربة تنظيم داعش".
لكنه أوضح أن "الإدارة الأميركية تتفهّم أن لدى تركيا مخاوف أمنية مشروعة في ما يتعلّق بالإرهاب. لكننا في الوقت ذاته عبرنا باستمرار عن مخاوفنا الجديّة إزاء تأثير التصعيد في سوريا على مواجهة تنظيم 'الدولة الإسلامية' وعلى المدنيين على جانبي الحدود".
وفي وقت سابق الأربعاء، حذرت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، من مخاطر هذا التصعيد، لافتة إلى أن الضربات الجوية التركية هددت سلامة العسكريين الأميركيين، وعرّضت التقدم الذي أُحرز على مدى سنوات ضد مقاتلي داعش للخطر.
وقال المتحدث باسم البنتاغون البريجادير جنرال بات رايدر إن "الضربات الجوية الأخيرة في سوريا هددت بشكل مباشر سلامة العسكريين الأميركيين الذين يعملون في سوريا مع شركاء محليين لهزيمة داعش، والاحتفاظ باحتجاز أكثر من 10 آلاف معتقل من التنظيم المتشدد".
وتمثل هذه التعليقات العلنية أشد تنديد أميركي بالعمليات الجوية التركية ضد المسلحين الأكراد في شمال سوريا حتى الآن.
وأردف "التهدئة الفورية ضرورية من أجل الحفاظ على التركيز على مهمة هزيمة تنظيم 'الدولة الإسلامية' وضمان سلامة وأمن العسكريين على الأرض الملتزمين بمهمة هزيمة التنظيم".
وللولايات المتحدة قرابة 900 جندي يتمركزون خصوصا في شمال شرق سوريا، حيث يعملون مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي يقودها مقاتلون أكراد من وحدات حماية الشعب لمحاربة فلول داعش.
وهو ما دفع واشنطن إلى حث أنقرة على وقف عملياتها ضد "قسد" المدعومة أميركيا، والتي تتهمها السلطات التركية بتهديد أمنها لارتباطها بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبلها.
ورأت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية أن الولايات المتحدة وروسيا لا يمكنهما وقف التوغل التركي الجديد المتوقع في سوريا، حيث تسعى أنقرة جاهدة لشن عملية عسكرية تهدد بقتل المزيد من المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن.
جاء ذلك بعدما جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء تهديده بعملية برية محتملة في سوريا، متهما حزب العمال الكردستاني الناشط في شمال العراق، ووحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، بالوقوف خلف هجوم وقع قبل أيام في إسطنبول أسفر عن مصرع ستة أشخاص. ونفى الطرفان الكرديان أي علاقة لهما به.
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن "هجوم إسطنبول قدم لأردوغان، ذريعة للتعمق في شمال سوريا، وهي دفعة طالما أراد القيام بها".
وقال هوارد آيزنستات، المحلل في "معهد الشرق الأوسط"، إن تركيا جادة للغاية بشأن هجوم سوريا الحالي، مشيرا إلى أن هذه التوقعات تتناسب مع "الافتراضات التركية العتيقة" بشأن مصالحها الأمنية وحاجة أردوغان إلى الظهور بمظهر قوي قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو المقبل.
وأضاف آيزنستات أن في ظل الظروف الحالية، قد تتمكن روسيا أو الولايات المتحدة من فرض قيود على العملية التركية، "لكن لا يمكنهما إيقافها تماما".
وأشارت الصحيفة إلى أن كلا من البلدين لديه أسباب خاصة للقلق من قيام تركيا بهجوم بري في سوريا.
ولفتت إلى أن بالنسبة لروسيا، فإنها تدعم الرئيس السوري بشار الأسد، بينما تدعم تركيا الفصائل المسلحة والمتطرفين الذين يسعون للإطاحة به.
وفي المقابل، نقلت الصحيفة عن سونر كاجابتاي، وهو محلل في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، قوله إن المعارضة من قبل موسكو وواشنطن "لا تعكس تماما ما يجرى على أرض الواقع، لأن أنقرة لديها كل المقومات التي تمكنها من القيام بعملية عسكرية برية".
وأوضح كاجابتاي أن واشنطن، من جانبها، قد لا تقاوم بشدة العملية التركية لأنها تريد من أنقرة، حليف "الناتو"، قبول انضمام السويد وفنلندا إلى التحالف العسكري الغربي.
وعلى الجانب الروسي، أضاف الخبير أن موسكو تضخ الملايين للاقتصاد التركي وقطاع الطاقة في البلاد، ما يدعم أردوغان قبل انتخابات العام المقبل.
وأضاف أن الرئيس التركي قد "يرد الدين" بقبوله أخيرا الأسد كحاكم شرعي لسوريا، ما ينهي فعليا الحرب الأهلية هناك.
وفي تطور لاحق، صرّح مظلوم عبدي، قائد "قوات سوريا الديمقراطية"، لموقع "المونيتور" الأميركي، بأن مدينة عين العرب "كوباني"، قد تكون على الأرجح هدف الهجوم البري الذي تعتزم أنقرة شنه قريبا.
وأشار الموقع إلى أن تصريحات القائد الكردي جاءت بعد ساعات فقط على إصابة مقره الرئيس في شمال شرق سوريا بغارة تركية بطائرة مسيّرة.
وتعد عين العرب "كوباني"، التي تقع على الحدود التركية، ذات أهمية رمزية كبيرة للأكراد السوريين، حيث تم تشكيل التحالف الأميركي - الكردي ضد تنظيم داعش الإرهابي.