مخاوف أممية من طوفان من اللاجئين مع قتال لا يهدأ في السودان

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يحذر من عدم وجود اهتمام دولي يتلاءم مع ما يحدث في السودان بسبب الانشغال العالمي بالحرب الروسية في أوكرانيا.
الاثنين 2023/05/29
المواجهات المسلحة في السودان تدفع عشرات الآلاف للنزوح وتشرد الملايين

القاهرة/الخرطوم - تتخوف الأمم المتحدة من طوفان من اللاجئين ونشوء أزمة إنسانية خطيرة قد تمتد إلى دول الجوار السوداني مع استمرار الاقتتال بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بينما تفجرت مواجهات مسلحة أخرى في إقليم دارفور بدفع من قيادة الجيش وبتحريض من حاكم الإقليم، وفق مصادر أشارت إلى بوادر حرب أهلية تلوح في أفق السودان.

وتأتي المخاوف الأممية بينما تنتهي مساء الاثنين هدنة السبعة أيام التي توسطت فيها السعودية والولايات المتحدة، خلال ساعات قليلة، فيما أعلن وزير في حكومة السلطة الانتقالية بقيادة البرهان، عن مفاوضات جديدة تستضيفها مدينة جدة.

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الاثنين إن التقديرات التي تشير إلى احتمال فرار زهاء مليون شخص من السودان بحلول أكتوبر ربما تكون متحفظة وإن الصراع هناك ينذر بتزايد عمليات تهريب البشر وانتشار الأسلحة في منطقة هشة.

وفر بالفعل أكثر من 350 ألف شخص عبر الحدود السودانية منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في 15 أبريل وتوجه معظمهم إلى مصر وتشاد وجنوب السودان.

ونزح أكثر من مليون داخل السودان الذي يقدر عدد سكانه بنحو 49 مليون نسمة وحيث اندلع قتال عنيف في مناطق سكنية بالعاصمة الخرطوم وامتد العنف أيضا إلى منطقة دارفور غرب البلاد.

وقال غراندي في مقابلة في القاهرة بعد زيارة للحدود مع السودان إن المفوضية توقعت في وقت سابق مغادرة نحو 800 ألف سوداني و200 ألف شخص من جنسيات أخرى السودان على مدى ستة أشهر.

وأضاف "هذا التوقع، بأننا سنصل إلى هذه الأرقام المرتفعة في الأشهر القليلة المقبلة، ربما يكون متحفظا... في البداية لم أكن أعتقد أن ذلك سيتحقق، لكنني الآن بدأت أشعر بالقلق".

ومن بين الدول المتأخمة للسودان جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وإثيوبيا وليبيا، وكلها تأثرت بصراعات داخلها في الآونة الأخيرة.

وقال غراندي إن انهيار القانون والنظام في السودان "ومسارعة الكثيرين للرحيل" سيوفران أرضا خصبة للاتجار بالبشر، بينما من الممكن أن تهدد الأسلحة التي يجري تداولها عبر الحدود بوقوع مزيد من العنف، مضيفا "شهدنا ذلك في ليبيا مع منطقة الساحل. لا نريد تكرار ذلك لأن ذلك سيضاعف الأزمة والمشكلات الإنسانية".

وناشدت الأمم المتحدة المانحين تقديم 470 مليون دولار من أجل استجابتها المخصصة للاجئين في أزمة السودان على مدى ستة أشهر، وهو مبلغ قال غراندي إن واحدا بالمئة فقط منه تم ضخه، مضيفا أنه "توجد حاجة ماسة" إلى عقد مؤتمر لتعهد المانحين بتقديم التمويلات وأن المجتمع الدولي المنشغل بمسألة أوكرانيا لا يولي الاهتمام الكافي للسودان.

وتابع "يمكنكم بكل وضوح أن تشعروا بوجود اختلاف خطير للغاية، فهذه الأزمة قد تزعزع الاستقرار في منطقة بكاملها وخارجها، بقدر ما تفعله أوكرانيا في أوروبا".

وقال غراندي إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحاول ترسيخ وجودها في وادي حلفا بشمال السودان حيث ينتظر كثير من الذكور السودانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عاما لتقديم طلبات الحصول على تأشيرة لدخول مصر، لكنه غير واثق من توقيت ذلك. ولا تحتاج النساء أو الأطفال أو كبار السن للحصول على تأشيرات.

وأوضح أيضا أنه يلزم توصيل مساعدات لمنطقة فاصلة بين المواقع الحدودية المصرية والسودانية حيث ينتظر الفارون لفترات طويلة.

ومنذ بدء الصراع، عبر 160 ألف شخص تقريبا من السودان إلى مصر التي تستضيف بالفعل جالية سودانية كبيرة.

وفيما تتعالى أصوات منادية بتمديد الهدنة الإنسانية التي تنتهي مساء الاثنين، أفاد سكان في العاصمة التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة بوقوع معارك في بحري شمال الخرطوم بينما سُمع دوي المدفعية في جنوبها.

وفي إقليم دارفور غربيّ البلاد تزداد الأوضاع تدهورا، إذ كتب المدير الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالسودان طوبي هارورد على حسابه على موقع تويتر الاثنين "يتجاهل القتال بشكل صارخ التزامات وقف إطلاق النار ويمنع وصول المساعدات الإنسانية"

وأضاف "أدت نوبات القتال المتكررة خلال الأيام الماضية في الفاشر شمال دارفور، بما في ذلك معسكر أبوشوك للنازحين، إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين ونهب منازل ونزوح جديد".

وأكدت الأمم المتحدة الاثنين أن سكان السودان من بين الأكثر احتياجا في العالم في الوقت الحالي إلى اهتمام "عاجل" لتفادي انعدام الأمن الغذائي.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي في تقرير مشترك إنه "تم رفع مستوى القلق في هايتي ومنطقة الساحل (بوركينا فاسو ومالي) والسودان إلى أعلى درجة" من حيث توافر الأغذية للسكان.

وحذر التقرير من أن النزاع على السلطة بين قائد الجيش وخصمه في السودان سيكون له على الأرجح "تداعيات كبيرة على الدول المجاورة".

ويتبادل طرفا الصراع الاتهام بخرق الهدنة التي كان من المفترض أن تفسح المجال لإيصال المساعدات الإنسانية وفتح ممرات آمنة للمدنيين ومن المقرر أن تنتهي بحلول الساعة 19:45 بتوقيت غرينتش.

ولكن حتى اليوم الأخير من الهدنة وصلت الإمدادات إلى عدد محدود من المستشفيات في الخرطوم والتي خرج معظمها من الخدمة بسبب القتال. كما لا يزال المواطنون يعانون ندرة الموارد الغذائية ومياه الشرب وانقطاعات في الكهرباء والاتصالات.

كما تشهد البلاد ارتفاع في أسعار السلع الأساسية بما في ذلك زجاجات المياه بنسبة تتراوح بين 40 و 60 في المئة خصوصا في المناطق المتضررة من النزاع.

وفي شرق دارفور، أكدت منظمة الصحة العالمية أنه منذ بدء القتال "مات حوالي 30 مولودا في مستشفى بمدينة الضعين، بينهم ستة خلال أسبوع واحد بسبب نقص الأكسجين أثناء انقطاع الكهرباء".

ومنذ 15 أبريل أسفر النزاع بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن مقتل المئات ونزوح 1.4 مليون شخص داخليا ولجوء نحو 350 ألف آخرين إلى دول الجوار.

وبحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي)، بلغت حصيلة القتلى منذ اندلاع المعارك 1800 شخص سقط معظمهم في العاصمة وفي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

ويطالب الوسطاء من الولايات المتحدة والسعودية طرفي النزاع في السودان بـ"تمديد وقف إطلاق النار الحالي ليمنح ممثلو العمل الإنساني مزيدا من الوقت للقيام بعملهم الحيوي"، بحسب بيان مشترك للرياض وواشنطن الأحد.

وأتت الدعوات إلى التمديد وسط تحذيرات من الأمم المتحدة بانضمام بعض المدنيين والمسلحين القبليين والمتمردين إلى النزاع الحالي.

وحذّر حزب الأمة القومي أحد الأحزاب المدنية الرئيسية في السودان في بيان الأحد من "الدعوات الداعية لتسليح المواطنين بحجة حماية أنفسهم" باعتبارها "محاولات لجر البلاد للحرب الأهلية".

وحسب بيانات مشروع مسح الأسلحة الصغيرة توجد أسلحة لدى 6.6 بالمئة من سكان السودان البالغ عددهم نحو 45 مليون نسمة.