مخالب الأحزاب الدينية تنهش مسيحيي الموصل

عمان– أوضاع المسيحيين أصبحت صعبة بعد ما حدث لهم في الموصل من تهجير، وبعد تخييرهم بين الدخول في الإسلام أو الجزية أو نزوحهم عن المدينة، وإذا لم يختاروا أمرا مِن هذه الأوامر سيكون مصيرهم القتل.
صاحبة هذا القرار، أي الدولة الإسلامية أو خلافة داعش، أذاعت البيان من مكبرات الصوت من على منابر المساجد، التي يُرفع من عليها اسم الله، ولم تكتف بذلك إنما سلبت منهم ما يملكونه من النقد وحلي النساء، ولم يسلم من ذلك حتى جهاز الضغط الطبي الذي كان لدى أحد المرضى.
هاجر مسيحيو الموصل، لربَّما بلا عودة، تاركين خلفهم ذكريات تمتد إلى قرون من الزمان، وكنائس وأديرة ومنازل عامرة.
ما يمكن تأكيده أن ما فعلته داعش من سلوك ظالم في حقهم، وهم أصحاب المكان القدماء، بعد أن أجاز الإسلام السياسي هدم الأوطان، وأن الأفغاني أو الأردني تولى أمر الاستحواذ على تلك الممتلكات، لم يكن مقتصرا عليها ولا على الإسلام السياسي السُّني فقط، إنما سبق للأحزاب الدينية الشيعية أن تجاوزت على المناطق المسيحية بعذر إسكان الشبك.
وهناك ببرطلة شيدوا مركزا إسلاميا تابعا للمجلس الأعلى، أُقيم عند بوابتها، وصارت مراسم عاشوراء فيها تذاع عبر سيارات متجولة.
إنها الهيمنة على الأرض، وبعد فترة ليست بالطويلة ستصبح برطلة ذات التاريخ المسيحي العريق والقديم جدا منطقة شيعية، وهذا شكل آخر، يجري في الخفاء، ويُعلن شيئا فشيئا، فالأرض لمن يسكنها.
كما تصرف أموال الفساد من الخزينة المركزية في هذه الأرض، فيُقدم ثمن مضاعف لدار المسيحي مع تهيئة الخروج من العراق، فيحتلها الشيعي التابع لتلك الجماعة.
إن ما بين تهجير المسيحيين مِن قبل داعش والتضييق عليهم بشراء الأرض وبناء مراكز إسلامية شيعية غرض واحد، هو إخلاء العراق من سكانه الأُصلاء.
فما بين داعش السُّنية وعصائب أهل الحق الشيعية آصرة الإسلام السياسي بفرعيه، تلك ميليشيا هجّرتهم بدافع ديني وهذه ميليشيا تعمل على إبادتهم بذريعة تطبيق الدين.
لكن تبقى داعش معلنة ضد الحكومة في بغداد أما عصائب أهل الحق فهي شرعية مِن قِبل الحكومة نفسها، وأن ما حدث للمسيحيين في البصرة، ومحاصرتهم بطوق شيعي في برطلة كذلك لم يكن بفعل داعش.
إن الهدف واحد، والنتيجة واحدة، يتمثلان في إخراج المسيحيين من ديارهم، والدوافع كثيرة، ومنها إعلان “نقاوة الدين”، ومنها الطمع في الأراضي والعقارات، ومحاولة تأسيس قرى وقصبات طائفية، تتواجه فيها طائفتا الشيعة والسُّنة، وهؤلاء هم أيضا ضحايا الإسلام السياسي.
ما يحدث للمسيحيين العراقيين على يد ميليشيات الأحزاب الدينية الموجودة في السلطة، لا يعبر عنه إلا بفضيحة العصر.
لقد مورس التهجير وسط سكوت مطبق، فنوري المالكي بعد هزيمته في الموصل ظهر وكأنه منشرح مما فعلته داعش، كان يتمنى ذلك لا لشيء إلا لتأكيد أن الموصل صارت تحت الإرهاب، وأنه كان على حق، في محاولة لمداراة هزيمته النكراء هناك.
ليس هناك في الإسلام السياسي العراقي من يُصنف بالمعتدل، فيمكن القول كلهم داعشيون، ففي هذه النقطة بالذات، وإن لم يسموا بهذا الاسم، هناك تحرك مريب من قبل الأحزاب الدينية على أرض العراق.
إن ما يحصل لمسيحيي العراق، جريمة مشتركة اقترفها الإسلام السياسي السُّنة منهم والشيعة، فهو في النتيجة إسلام واحد.