مخاطر تعثر القروض يمنع البنوك المصرية من تمويل المشاريع

تسربت أزمة شح الدولار في السوق المصرية إلى القطاع المصرفي، الذي شرع في التحوط من تمويل مجموعة من القطاعات الحيوية خشية تعثر الشركات وأصحاب الاستثمارات في سداد القروض، ما يؤكد حجم المحنة التي يمر بها الاقتصاد المصري.
القاهرة- كشف مصرفيون الاثنين أن بنوكا مصرية بدأت التحوط من تمويل قطاعات اقتصادية هي الأكثر تضررا من أزمة شح العملة الصعبة التي تشهدها البلاد، وتواجه مخاطر محتملة للتعثر عن سداد الديون.
وتأتي العقارات والمجالات المرتبطة بها، وهي صناعة حديد التسليح والإسمنت والسيراميك، في مقدمة القطاعات التي باتت في خانة “مرتفعة المخاطر”، إلى جانب كل من قطاعات السياحة والأسمدة والأعلاف.
ويتزامن امتناع القطاع المصرفي عن إقراض مشاريع هذه القطاعات السبعة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، نتيجة الشح الحاد في السيولة الدولارية وزيادة الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي لصرف الجنيه. وتتغذى هذه المشكلة من تراجع تحويلات العاملين في الخارج وكذلك الصادرات، وهي أزمة عززتها التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر.
وتسبب شح الدولارات في تراكم قوائم الانتظار في البنوك لتمويل عمليات الاستيراد، وانتشار السوق الموازية للعملة، والتي وصل فيها سعر صرف الدولار إلى ضعف السعر الرسمي المتداول في البنوك حالياً عند 31 جنيها.
وقال رئيس أحد البنوك الخاصة العاملة في البلاد، رفض الكشف عن هويته، لبلومبرغ الشرق إن مصرفه “يعتزم تكوين مخصصات للتحوط من مخاطر تعثر محتملة تواجه قطاع التطوير العقاري”.
وعزا المصرفي هذه الخطوة إلى المخاوف من عدم القدرة على التنفيذ والتسليم والتي تتزايد مع المبيعات غير المسبوقة، التي يحققها المطورون. وأشار إلى أن البنوك تتحوط أيضا حاليا من مخاطر تتعلق بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة منذ بدْء حرب إسرائيل على غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
وقال “لقد تمت إضافة العقارات إلى القطاعات التي نتحوط منها مطلع العام الحالي بسبب تضخم المبيعات التعاقدية مقابل التنفيذات الحقيقية بالمشاريع، وسط ارتفاعات غير مسبوقة في التكاليف”.
وطالت أزمة نقص الخامات الناتجة عن شح الدولار الحاد مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والكباري، والتي تعمل البلاد على إنجازها حاليا، بحسب مسؤولين في شركات مقاولات حكومية.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الإسراع في تنفيذ المشاريع الكبرى، التي أطلقتها خلال العامين الماضيين، تواجه كبرى شركات المقاولات العاملة بها أزمات أبرزها تداعيات شح الدولار وارتفاعه الشديد في السوق الموازية.
وقال رفقي كامل، رئيس قطاع تنمية الأعمال بشركة سامكريت، الأسبوع الماضي إن “أزمة شح العملة الأجنبية نتج عنها نقص شديد في الخامات الأساسية للمشاريع، مع ارتفاع غير منطقي في الأسعار، فضلا عن تضاعف التكاليف”. وفي نهاية ديسمبر الماضي حذر رجل الأعمال نجيب ساويرس من “قنبلة موقوتة” تنتظر قطاع العقارات، نظرا لارتفاع كلفة البناء بسبب أزمة الدولار.
البنوك أدرجت العقارات وحديد التسليح والإسمنت والسيراميك والسياحة والأسمدة والأعلاف في خانة مرتفعة المخاطر
وقال في ذلك الوقت إن “كل مطور عقاري تأخر في البناء سيواجه مشكلة كبيرة”، لافتا إلى أن ما يصل إلى 35 في المئة من كلفة البناء تحتاج إلى مكوّن دولاري. وعملت الحكومة على تقليل استهلاكها للعملة الصعبة خلال الشهرين الماضيين، من خلال تقليص مصروفاتها عبر تأجيل بعض المشاريع التي لم تبدأ فيها خلال السنة المالية الحالية.
كما صرفت النظر عن التعاقد على أي تمويل خارجي جديد، أو البدء في أي مشروع حتى من خلال مكوّن محلي يترتب عليه قرض أو مكوّن أجنبي إضافي. وذكر نائب رئيس بنك حكومي في مصر أن مصرفه أصبح أكثر تحوطا تجاه 7 قطاعات حاليا، معظمها يعتمد على الطاقة والغاز، واستيراد المواد الخام من الخارج.
وقال المصدر، لم يكشف عن هويته، لبلومبرغ الشرق “لقد لاحظنا أن إنتاج معظم مصانع هذه القطاعات هبط بنحو 50 في المئة بسبب مشكلة العملة الصعبة بشكلٍ أساسي”.
وانخفض إنتاج البلاد من حديد التسليح خلال العام الماضي بنحو 4 في المئة إلى ما يناهز الثمانية ملايين طن، بحسب وثيقة حكومية، والتي أظهرت انخفاض حجم المبيعات أيضا بنحو 17.7 في المئة إلى 6.5 مليون طن.
وتسربت مشكلة نقص السيولة إلى صناعة الأسمدة، إذ أكد المصرفي أن البنك المركزي اتخذ إجراء تحوطيا لمواجهة احتمالات زيادة تعثر شركات القطاع عبر إلزام البنوك بتكوين مخصص منذ ديسمبر الماضي.
35
في المئة من كلفة البناء اليوم في مصر تحتاج إلى مكوّن دولاري
واتفق رئيسا قطاع ائتمان في بنك خاص وآخر حكومي على أن البنوك تتحوط أيضا من تمويل السياحة منذ الحرب على غزة، نظرا للمخاطر التي تحيط بحدود مصر في بعض المناطق، بما أثر سلبا على أعداد الزوار المتوقعة لهذا العام والإيرادات المستهدفة.
وزادت الإيرادات السياحية العام الماضي بواقع 8 في المئة على أساس سنوي إلى نحو 13.2 مليار دولار، وفق مصدر حكومي تحدث مع بلومبرغ الشرق نهاية يناير الماضي شرط عدم نشر اسمه لكون المعلومات غير معلنة.
وكانت أعداد الوافدين قد ارتفعت العام الماضي بنحو 27.4 في المئة مقارنة بالعام السابق إلى 14.91 مليون سائح، مسجلةً بذلك أعلى مستوى لها في تاريخ السياحة المصرية. وسجلت القاهرة هذا الرقم رغم التوترات التي شهدتها المنطقة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023، مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في مطلع أكتوبر الماضي. واعتبر مسؤول مصرفي أن السياحة في مدينتي شرم الشيخ ودهب أكبر مثال على تضرر إيرادات الفنادق نتيجة التوترات الجيوسياسية بفعل تراجع قدوم الوفود السياحية.
وقال “لقد انعكس ذلك على عزوف البنوك عن تمويلها بعد تباطؤ الزبائن من الفنادق وشركات السياحة في سداد أقساط القروض”. في هذه الأثناء أكدت مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجييفا أن الزيادة المرتقبة على الدعم المنتظر لمصر ستكون ذات “حجم كبير”. وأعلنت أيضا أن فريق المؤسسة الدولية المانحة بلغ المراحل النهائية لإنجاز المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج مصر “خلال أسابيع قليلة”.
وأنهت بعثة الصندوق زيارتها إلى القاهرة مطلع فبراير الحالي وأعلنت عن إحراز تقدم في المناقشات مع السلطات المصرية، فيما ستواصل عقد لقاءات افتراضية لتحديد حجم الدعم الإضافي اللازم لسد فجوة التمويل المتزايدة في البلاد. وكانت تقارير صحفية قد تحدثت عن صفقة محتملة بين الطرفين، والتي من المتوقع أن تجلب المزيد من الشركاء، وتتجاوز تمويلاتها 10 مليارات دولار.