مخاض عسير ينتظر مفاوضات تشكيل الحكومة في السويد

الشعبويون يشترطون المشاركة في رسم السياسات لدعم حكومة أغلبية. 
الأربعاء 2018/09/26
ضغط الشعبويين يثقل كاهل المهاجرين

يشكل صعود اليمين المتطرف في السويد واحتلاله المرتبة الثالثة في الانتخابات التي جرت في التاسع من سبتمبر الجاري عقبة أمام تشكيل حكومة أغلبية، فيما يبحث الحزبان المتصدران عن توافقات صعبة من أجل تشكيل ائتلاف حكومي بعيدا عن دعم الشعبويين. ويتوقع محللون مخاضا عسيرا للحكومة السويدية المقبلة، فيما لم يستبعد آخرون سيناريو إعادة الانتخابات برمتها.

ستوكهولم - خسر رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين تصويتا على الثقة في البرلمان، الثلاثاء مما يعني أنه سيترك منصبه، لكن لم يتضح بعد من سيشكل الحكومة المقبلة نظرا لعدم وجود كتلة سياسية تحظى بالأغلبية المطلقة.

وجاء الناخبون ببرلمان بلا أغلبية في انتخابات أجريت يوم التاسع من سبتمبر الجاري، حصلت فيه كتلة يسار الوسط التي ينتمي إليها لوفين على 144 مقعدا بزيادة مقعد واحد عن كتلة تحالف تيار يمين الوسط، فيما جاء حزب “ديمقراطيو السويد” اليميني المتطرف ثالثا.

ويتوقع المحللون أن يقع اختيار رئيس البرلمان على أولف كريسترسون زعيم الحزب المعتدل، وهو أكبر حزب في كتلة “تحالف”، ليحاول تشكيل حكومة، لكنه يحتاج إلى دعم، نظرا لغياب الأغلبية، سواء من الحزب الديمقراطي السويدي أو من يسار الوسط.

وقال لوفين “إذا اختارت أحزاب التحالف محاولة الحكم كأصغر كتلة فإنها ستجعل نفسها معولة تماما على الديمقراطيين السويديين”، فيما أكد يمي أوكيسون زعيم الحزب الديمقراطي السويدي، أن حزبه يريد المشاركة في وضع السياسات مقابل دعمه لحكومة جديدة.

وأضاف أوكيسون “سنبذل ما في وسعنا لوقف أي محاولة لتشكيل حكومة وسنبذل ما في وسعنا لإسقاط أي حكومة لا تمنحنا نفوذا معقولا يتناسب مع دعمنا الانتخابي”، فيما أكد “التحالف” أنه لن يتفاوض مع الحزب الديمقراطي السويدي الذي يريد وقف الهجرة ودعا إلى تصويت جديد على عضوية الاتحاد الأوروبي.

واستبعد لوفين دعم حكومة تشكلها كتلة “تحالف” قائلا “أريد الاستمرار في قيادة البلاد كرئيس للوزراء”، مضيفا “أريد قيادة حكومة تحظى بقاعدة تأييد أكبر في برلمان البلاد”، حيث سيقوم الأخير بقيادة حكومة انتقالية إلى حين تنصيب حكومة جديدة.

ويستبعد محللون أن يغير أي تصويت جديد الوضع بدرجة كبيرة لذلك من المرجح التوصل إلى حل وسط.

وتواجه السويد معضلة سياسية بعد أن حقق اليمين المتطرف مكاسب في الانتخابات التشريعية ما يؤدي الى تعليق مسألة تشكيل الحكومة في هذا البلد الاسكندنافي.

يمي أوكيسون: نريد المشاركة في وضع السياسات مقابل دعمنا لحكومة جديدة
يمي أوكيسون: نريد المشاركة في وضع السياسات مقابل دعمنا لحكومة جديدة

وعادة ما يكون رئيس الوزراء هو زعيم الحزب الذي يحصل على معظم الأصوات في الانتخابات، ولكن الساحة السياسية المنقسمة في السويد بعد الانتخابات تجعل من المستحيل التنبؤ بمن سيشكل الحكومة.

وعزز حزب “ديمقراطيو السويد” اليميني المتطرف مكانته كثالث أكبر حزب والعامل الحاسم في تشكيل الحكومة، رغم أنه حصل على نسبة أقل مما كان متوقعا.

وقالت صحيفة “سفينسكا داغبلادت” المحلية إن السياسيين في السويد “سيحتاجون الآن إلى الكثير من الخيال”، فيما كتبت صحيفة “داغينز نايهيتر” “مهما كانت نتيجة المعركة الدرامية بين الكتل، يبدو أنه سيكون من الصعب أن تحظى السويد بحكومة فاعلة”.

وقال ميكائيل غيليام أستاذ العلوم السياسية للإذاعة السويدية الحكومية “إذا كانت كتلة اليسار والخضر أكبر، فإن الليبراليين لديهم المفتاح وليس يمي أوكيسون” زعيم حزب “ديمقراطيو السويد”.

ورغم الاختلافات بينهما خاصة بشأن سياسة الهجرة، فإن أحزاب “التحالف” التي حكمت السويد من 2006 حتى 2014 اتفقت على محاولة تشكيل حكومة، لكن هذه المهمة لن تكون سهلة فالتحالف سيحتاج إلى دعم اليمين المتطرف للحصول على الأغلبية.

وعليه إما أن يقدم تنازلات في السياسات مقابل الحصول على دعم “ديمقراطيو السويد” أو أن يعرض عليهم مناصب مهمة في اللجان البرلمانية التي تصوغ القوانين.

وتستغل الأحزاب اليمينية المتطرفة، قضية اللاجئين ومعاداة الأجانب كنقطة مركزية في برامجها الانتخابية، مما مكّنها من الصعود مؤخرا إلى سدة الحكم في المجر وإيطاليا وتصدر المعارضة في عديد البلدان الأخرى على غرار ألمانيا.

ولم يقتصر دور أحزاب اليمين المتطرف على الدفع نحو تغيير سياسات بلدانها وجعلها أكثر تشدّدا في ملف الهجرة خصوصا، ليتعدى ذلك إلى الضغط على البرلمان الأوروبي من أجل التضييق شيئا فشيئا على استقبال اللاجئين في أوروبا تحت يافطة مكافحة الإرهاب والتطرّف.

و يستحوذ اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي على 165 مقعداً، من أصل 751 هي مجموع المقاعد، بينما يبلغ مجموع مقاعد الأحزاب المعارضة لقيادة الاتحاد الحالية، على اختلاف توجهاتها، 277 مقعدا.

وأمام تنامي العمليات الإرهابية حول العالم والتي يتورط فيها لاجئون في الكثير من الأحيان، شرعت الحكومات الغربية والتي تعتبر بلدانها الأكثر جاذبية للاجئين في تشديد الخناق على طلبات اللجوء وحتى ترحيل اللاجئين الموجودين على أراضيها أو رفض لمّ شمل عائلاتهم.

وتعتبر مكافحة الإرهاب أبرز الأسباب التي تدفع الدول المضيّفة خاصة الغربية منها إلى التشدد في استقبال اللاجئين وحتى رفض استقبالهم أصلا تحت يافطة مقتضيات الأمن القومي.

و يثير صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية مخاوف لدى العديد من القادة، خاصة أن أوروبا مقبلة على انتخابات في 2019 ، قد تعزز حضور الشعبويين داخل البرلمان الأوروبي.

ووافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على وضع قيد انتخابي من شأنه منع أي من الأحزاب التي تحصل على نصيب ضئيل من الأصوات من الحصول على مقاعد في البرلمان الأوروبي، في خطوة من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ بداية من عام 2024.

وتجرى الانتخابات الأوروبية القادمة في 23 إلى 26 مايو العام المقبل، وسط تزايد المخاوف من أن تحقق الأحزاب المتشككة في أوروبا والشعبوية مكاسب كبيرة.

وبعد مفاوضات مطولة وافقت الدول الأعضاء على وضع عقبة لإبعاد الأحزاب الصغيرة عن البرلمان الأوروبي، حيث تم اقتراح أن يكون الحد الأدنى لدخول أي حزب البرلمان هو الحصول على ما بين 2 و5 بالمئة من الأصوات في أي دائرة انتخابية ممثلة بأكثر من 35 مقعدا.

ومن المرجح أن تدخل الإصلاحات حيز التنفيذ فقط في انتخابات عام 2024، لأن مجلس أوروبا، المعني بمراقبة حقوق الإنسان في أوروبا، يقول إنه ينبغي عدم تطبيق أي تعديلات انتخابية خلال 12 شهرا قبل الانتخابات.

5