محور نيروبي - الرباط: شراكة إستراتيجية تعزز الاستقرار

عوامل التقارب بين المغرب وكينيا أسهمت في تقليص الفجوة التي وسّعتها سياسات التضليل الجزائرية لسنوات إذ رصدت كينيا التطورات الحقيقية التي شهدها المغرب خاصة في الجنوب.
السبت 2025/05/31
الحكم الذاتي الحل الوحيد للنزاع المفتعل

بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الكيني موساليا مودافادي إلى الرباط، أكد أن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الوحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. كما شددت وزارة الخارجية الكينية على اعترافها الثابت بجمهورية الصومال الفيدرالية كدولة ذات سيادة، مؤكدة موقفها الداعم لوحدة أراضي الصومال واستعدادها لتعزيز التعاون في مجالات السلام، الأمن، التجارة، والاستثمار.

هذا الموقف يعكس سياسة ثابتة تتبناها حكومة كينيا، الرافضة لدعم أيّ حالة انفصال سواء في الصومال القريبة جغرافيًا أو في المغرب البعيد لكنه قريب إستراتيجيا. بذلك، وضعت نيروبي نقطة قطيعة مع بوليساريو، بعد إدراكها أن مستقبلها يستوجب الانسجام مع رؤى ومشاريع المغرب، الدولة ذات العمق الأفريقي والعربي، والعلاقات الراسخة مع الدول الغربية إضافة إلى شراكاتها القوية مع الصين وروسيا.

افتتحت كينيا سفارتها في الرباط يوم 26  مايو الجاري، حيث وقّع وزير خارجيتها اتفاقيات اقتصادية ودبلوماسية بالغة الأهمية، بهدف توسيع التعاون مع المغرب. وتأتي هذه الخطوة في إطار سعي كينيا إلى تطوير الإنتاج الزراعي، تحسين البنية التحتية، وتعزيز التكنولوجيا والسياحة والتعدين، وهي مجالات تتقاطع مع إستراتيجية المغرب لتحديث الاقتصاد، الزراعة، الطاقة، وإنتاج الأسمدة، حيث تتمتع المملكة بخبرة واسعة في هذه القطاعات.

◄ بهذا التقارب، يُرسم محور نيروبي – الرباط كعامل استقرار وتنمية في أفريقيا، حيث يُدمج البُعد السياسي مع الرؤية الاقتصادية، في شراكة قادرة على تعزيز التكامل الأفريقي

افتتاح السفارة والاعتراف بالمبادرة المغربية لم يأتِيا من فراغ، بل نتيجة سنوات من الفعل الدبلوماسي المغربي الفعّال. وقد عزز ذلك تأكيد الرئيس الكيني وليام روتو، بعد توليه السلطة في 2022، أنه يولي أهمية بالغة لتدشين صفحة جديدة في العلاقات مع المغرب، وتكثيف التعاون في التجارة، الزراعة، الصحة، السياحة والطاقة.

وشدد وزير الخارجية الكيني على أن هذه المرحلة الجديدة ستوفر فرصة للبلدين لتبادل الخبرات في عدة مجالات، ضمن محور نيروبي – الرباط الذي أصبح واقعًا ملموسًا. فعوامل التقارب بين المغرب وكينيا أسهمت في تقليص الفجوة التي وسّعتها سياسات التضليل الجزائرية لسنوات، إذ رصدت كينيا التطورات الحقيقية التي شهدها المغرب، خاصة في الجنوب، حيث تمت عمليات تحديث البنية التحتية وتعزيز التنمية الاقتصادية.

يشترك المغرب وكينيا في الاهتمام بالاقتصاد الأزرق، الذي يشمل صيد الأسماك، السياحة البيئية، وتربية الأحياء المائية، باعتباره اتجاهًا جديدًا للتحول الاقتصادي وخلق فرص العمل. كما أن قطاع الزراعة ظل لعقود العمود الفقري للاقتصادين المغربي والكيني، حيث يسهم القطاع بأكثر من 22 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكينيا.

يواجه البلدان تحديات كبيرة بسبب الجفاف والتغير المناخي، ما يستدعي تكاثف الجهود لتبادل المعطيات حول الأمن الغذائي واستخدام الأراضي والمياه. في 2011، جلب جفافٌ مدمرٌ المجاعة لمنطقة القرن الأفريقي، ولا تزال تداعياته تؤثر في سكان إثيوبيا، الصومال، جيبوتي، وشمال كينيا، حيث يعيش 16 مليون نسمة تحت تهديدات غذائية مستمرة.

وفي السياق ذاته، تأثر المغرب بموجات الجفاف، ما عزز الحاجة إلى التعاون المشترك مع كينيا في مجال الأمن الغذائي. وتُعوّل نيروبي على المغرب، بوصفه خامس أكبر اقتصاد في أفريقيا، للاستفادة من خبرته في توفير الأسمدة والصناعات الزراعية، حيث يُعدّ المغرب رائدًا عالميًا في إنتاج الأسمدة الفوسفاتية. كما أن إنشاء مصنع للأسمدة على الأراضي الكينية يُعد مشروعًا مستقبليًا سيضمن إمدادات مستقرة وبأسعار معقولة للمزارعين الكينيين.

◄ كينيا افتتحت سفارتها في الرباط يوم 26  مايو الجاري، حيث وقّع وزير خارجيتها اتفاقيات اقتصادية ودبلوماسية بالغة الأهمية، بهدف توسيع التعاون مع المغرب

أدرك أصحاب القرار في كينيا أن دعم الانفصاليين لن يحقق لهم مكاسب، حيث دفعتهم البراغماتية السياسية إلى فتح الطريق من نيروبي إلى الرباط، في مسار إستراتيجي يجمع بين السياسة والاقتصاد. في ظل هذا التقارب، باتت بوليساريو عاجزة عن تقديم حلول عملية لمشاكل حيوية مثل الهجرة، تشغيل الشباب، والزراعة، وهي تحديات تتطلب التعاون مع دول موثوقة مثل المغرب. كما يمكن للمملكة المساهمة في معالجة تداعيات تقرير البنك الدولي حول حالة الزراعة في كينيا، الصادر في ديسمبر 2023، الذي أكد أن القطاع الزراعي انكمش بنسبة 1.5 في المئة خلال النصف الأول من 2022، ما أدى إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المئة.

اتفق البلدان على تعزيز التشاور السياسي الثنائي، انطلاقًا من كونهما قطبين مهمين للاستقرار في القارة الأفريقية، ولهما رؤية استشرافية لمستقبل الاتحاد الأفريقي. ومن المتوقع أن تساهم مواقف نيروبي في تحجيم وجود الكيان الانفصالي المدعوم من الجزائر داخل المنظمة الأفريقية.

وقد شدد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على أن “المغرب يعتبر كينيا فاعلًا أساسيًا ومحوريًا في أفريقيا، وعنصرًا دافعًا للسلام فيها،” مشيرًا إلى أن “زيارة وزير الخارجية الكيني إلى الرباط تاريخية، وستعطي دفعة قوية للعلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في ظل المواقف الكينية البناءة من قضية الوحدة الترابية للمملكة.”

وفي السياق ذاته، أكد مودافادي أن “نيروبي تتابع عن كثب الخطوات الدبلوماسية التي يقوم بها المغرب، وترى أن الرباط لديها سجل حافل من المبادرات الدبلوماسية الفعالة.”

بهذا التقارب، يُرسم محور نيروبي – الرباط كعامل استقرار وتنمية في أفريقيا، حيث يُدمج البُعد السياسي مع الرؤية الاقتصادية، في شراكة قادرة على تعزيز التكامل الأفريقي، وخلق فرص جديدة، ووضع أسس متينة لاستقرار المنطقة.

9