محنة الحرب تدمر ما تبقى من الاقتصاد السوداني المشلول

الصراع الدائر شكل ضربة قاضية للاقتصاد مع استمرار إغلاق البنوك وتوقّف حركة الاستيراد والتصدير وانهيار قيمة الجنيه.
الاثنين 2024/02/26
ألو.. كل شيء خارج الخدمة

عمق استنزاف الاقتصاد السوداني المشلول أصلا بسبب استمرار الحرب، متاعب مختلف الأنشطة التجارية والمالية وجعل الشركات والأفراد في محنة أكثر قسوة مع تعطل كل مظاهر الحياة العامة لاسيما مع انحسار المبادلات الخارجية وانهيار العملة المحلية.

بورتسودان (السودان) - شكّلت الحرب الدائرة في السودان منذ عشرة أشهر ضربة قاضية للاقتصاد السوداني، الذي كان أصلا مستنزفا بعد سنوات من الحروب والعزلة، مع استمرار إغلاق البنوك وتوقّف حركة الاستيراد والتصدير وانهيار قيمة الجنيه.

واندلعت المعارك في البلاد خلال أبريل الماضي بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو مما تسبب في دمار اقتصادي وخسائر في الأرواح.

ومن بين المتضررين رجل الأعمال أحمد الخير (اسم مستعار) الذي يعمل في تصدير الصمغ العربي الذي خزّن قبل الحرب كمية كبيرة جنوب الخرطوم من أجل تصديرها. ويقول لوكالة فرانس برس "دفعت لإخراج الكمية من العاصمة رسوما كثيرة".

وتحمّل أحمد الخير هذه الأموال من أجل نقل بضاعته إلى بورتسودان في الشرق حيث الميناء الوحيد العامل بالبلاد. ويقول “طلبت مني السلطات المحلية في بورتسودان رسوما جديدة، كما تضاعف إيجار المخازن ست مرات”.

ويُستخلص الصمغ من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، وهو مستحلب ذو أهمية كبيرة يُستخدم في صناعات شتى، من المشروبات الغازية إلى العلكة مرورا بالمستحضرات الصيدلانية.

محمد شيخون: الحرب زادت من قتامة وضع القطاع المصرفي المنهك
محمد شيخون: الحرب زادت من قتامة وضع القطاع المصرفي المنهك

والسودان في صدارة البلدان المنتجة للصمغ، ويستحوذ على نحو 70 في المئة من تجارته العالمية، بحسب الوكالة الفرنسية للتنمية.

ورغم كل هذه التكلفة وإيصال البضاعة إلى المدينة المطلة على البحر الأحمر، لم تكف أموال الخير لتسويق منتجه. ويقول “لم أستطع تصدير الصمغ حتى الآن”.

وأفاد تقرير لهيئة الموانئ السودانية عن تراجع حجم الصادرات والواردات في العام الماضي بنسبة 23 في المئة مقارنة بالعام السابق له.

ولا تتوقف التعقيدات عند هذا الأمر، إذ زادت معاناة المصدّرين بشكل عام إثر قرار من وزارة المالية برفع قيمة الدولار الجمركي، أي مؤشر تعرفة الجمارك في حال تذبذب أسعار الصرف، ليسجل 950 جنيها بدلا من 650 جنيها.

ويقول الرئيس السابق للغرفة التجارية السودانية الصادق جلال إن "هذا القرار بمثابة تدمير للاقتصاد".

وانخفضت قيمة العملة السودانية إزاء العملة الأميركية منذ اندلاع الحرب ليسجّل سعر صرف الدولار حاليا 1200 جنيها مقابل 600 جنيها في أبريل 2023.

كما أدت الحرب إلى توقف 70 في المئة من فروع البنوك في مناطق القتال، بحسب تقرير لبنك السودان المركزي، و”تمّ نهب ممتلكات وأصول وموجودات البنوك”.

◙ 100 مليار دولار التكاليف الاقتصادية للحرب وفق المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

ويقول المحلل الاقتصادي السوداني محمد شيخون لفرانس برس إن "الحرب زادت من قتامة وضع القطاع المصرفي السوداني، الذي يعاني بالفعل من مشكلات هيكلية".

وأظهرت دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية مؤخرا أن التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للحرب في السودان تصل إلى مئة مليار دولار.

وللعام الثاني على التوالي، لا تقرّ موازنة الدولة في السودان. ويرى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن ما يحدث “يعكس الغياب التام للدولة، ما يؤثّر على الاقتصاد بكل قطاعاته”.

وأفاد صندوق النقد الدولي في تقرير الشهر الماضي بأن “الصراع أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، كما توقّف النشاط الاقتصادي في أجزاء كبيرة من البلاد، ما ساهم في استمرار معدلات النمو السالبة عقب الانكماش الحاد الذي شهده عام 2023”.

محمد الناير: امتداد الحرب إلى ولاية الجزيرة أثّر على الإنتاج الزراعي
محمد الناير: امتداد الحرب إلى ولاية الجزيرة أثّر على الإنتاج الزراعي

وكانت المؤسسة المالية الدولية قد توقعت انكماش اقتصاد السودان لعام 2023 بنسبة 18 في المئة. ومع توسّع الحرب إلى ولاية الجزيرة في وسط البلاد، والتي تضمّ أحد أكبر المشاريع الزراعية في القارة الأفريقية على مساحة مليوني فدان، فقد تراجعت جغرافيا إنتاج المحاصيل.

وبحسب تقرير أعدّه مركز فكرة السوداني للدراسات والتنمية، فقد أصبحت المحاصيل المزروعة تغطي مساحة 37 في المئة فقط من إجمالي الأراضي المهيأة للزراعة.

وأكد الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير لفرانس برس أن امتداد العمليات العسكرية إلى ولاية (محافظة) الجزيرة أثّر على الإنتاج الزراعي في البلاد.

ويعاني معظم السودانيين من التضخم المرتفع والبالغ بحسب صندوق النقد أكثر من 256 في المئة، فضلا عن الانخفاض الحاد في قيمة العملة وتدهور مستويات المعيشة منذ سنوات طويلة.

ويعتمد حوالي ثلث سكان السودان البالغ عددهم الإجمالي 46 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية. وحذّر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الأربعاء الماضي من أن الحرب في السودان دفعت البلاد إلى “شفير الانهيار”، حيث تعاني الغالبية العظمى من السكان من الجوع.

وقال مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان إيدي رو لصحافيين في بروكسل “في هذه المرحلة، أقلّ من 5 في المئة من السودانيين يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم”.

وفي يوليو الماضي أكد رئيس جهاز حماية المستهلك نصرالدين شلقامي أن الجهاز يواجه صعوبات في التصدي للمخاطر، التي قد تنجم عن استخدام بضائع مهرّبة ومجهولة المصدر يجري تداولها في الأسواق، بعد دخولها من دول الجوار.

☺أزمة متفاقة

 

11