محنة الاقتصاد التركي تتجدد رغم الترويج لجدوى الإصلاحات

المركزية السياسية المتزايدة والحسابات الانتخابية المتغيرة تساعدان في تفسير تدهور نوعية السياسات الاقتصادية التركية خلال السنوات الأخيرة.
الأربعاء 2025/04/30
الاقتصاد يتمتع بمتانة نسبية في مواجهة حالة الضبابية العالمية

إسطنبول – يواجه الاقتصاد التركي المزيد من المطبات في طريق تعافيه خلال العام الجاري، حيث تتجدد محنه على لسان المسؤولين رغم ترويجهم المتواتر لجدوى الإصلاحات التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان.

وقال وزير المالية محمد شيمشك الثلاثاء إن النمو الاقتصادي للبلاد “معرض لخطر التباطؤ وإن الحكومة ستواجه ذلك من خلال دعم التوظيف والاستثمارات.” وأضاف في مقابلة مع قناة “خبر ترك” التلفزيونية أن السلطات “ستدعم الاستثمارات في مجال التكنولوجيا والتصنيع، بينما يهدف البنك المركزي وبنك إكسيم المعني بالتصدير إلى زيادة دعم المصدرين.”

ومع ذلك ذكر للقناة أن الاقتصاد يتمتع بمتانة نسبية في مواجهة حالة الضبابية العالمية بدعم من الطلب المحلي والاستثمارات، وأن هناك آفاق نمو قوية على المدى المتوسط. وأوضح أن عجز الحساب الجاري سيكون أقل من المتوقع في البرنامج متوسط المدى.

محمد شيمشك: سنواجه خطر تباطؤ النمو بدعم التوظيف والاستثمارات
محمد شيمشك: سنواجه خطر تباطؤ النمو بدعم التوظيف والاستثمارات

ويعيد هذا الكلام إلى الأذهان العشرات من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون دفاعا عن سياسات الدولة والتي يجمع المحللون على أن معظمها خاطئ، الأمر الذي يجعل تركيا أكثر الأسواق الناشئة اضطرابا بسبب سوء إدارة الأزمات.

ويقول محللون إن المركزية السياسية المتزايدة والحسابات الانتخابية المتغيرة تساعدان في تفسير تدهور نوعية السياسات الاقتصادية التركية خلال السنوات الأخيرة.

وتهدف خارطة الطريق التي وضعتها الحكومة بوضوح إلى خفض التضخم بغض النظر عن أي شيء ومواصلة برنامجها الاقتصادي بدعم سياسي قوي مع فعل كل ما يلزم.

ويعاني الاقتصاد من أزمة غلاء معيشة مستمرة منذ سنوات، وسلسلة من انهيارات العملة، مع تباطؤ النمو وارتفاع التضخم إلى 39 في المئة بنهاية فبراير الماضي ثم تراجع قليلا في مارس إلى 38 في المئة.

وفي خطوة غير متوقعة رفع البنك المركزي منتصف هذا الشهر سعر الفائدة الرئيسي إلى 46 في المئة من 42.5 في المئة، في محاولة لطمأنة المستثمرين بعد اضطرابات داخلية وتصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، ما دفع الليرة إلى التراجع الحاد.

وقررت لجنة السياسة النقدية، بقيادة المحافظ فاتح كاراهان، زيادة سعر إعادة الشراء لأجل أسبوع واحد (الريبو) بمقدار 350 نقطة أساس، في حين تم رفع سعر الإقراض لليلة واحدة إلى 49 في المئة من 46 في المئة.

وكان القرار مفاجئا للأسواق، إذ لم يتوقعه سوى ثلاثة من أصل 23 محللاً استطلعت بلومبيرغ آراءهم، من بينهم بنك أتش.أس.بي.سي لإدارة الأصول وبنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس.

وأتي هذا التحرك النقدي في أعقاب اجتماع طارئ عقده البنك الشهر الماضي بعد انهيار الليرة إثر سجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أبرز خصوم أردوغان.

وهزّت هذه الأزمة السياسية الأسواق، حيث زادت من حالة عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية والمالية للبلاد، ما أدى إلى زيادة في تدفقات رأس المال إلى الخارج.

وبدلا من السماح لسعر صرف الليرة بالتعديل، قرر البنك المركزي تثبيت العملة عبر بيع كمية كبيرة من احتياطيات النقد الأجنبي.

تباطأ معدل التضخم السنوي في تركيا بشكل أكبر من المتوقع في مارس، رغم أن البيانات لم تشمل تأثيرات الاضطرابات السياسية والاقتصادية الأخيرة الناجمة عن احتجاز أوغلو

وقدّر اقتصاديون أن المركزي أنفق نحو 50 مليار دولار من احتياطياته لدعم الليرة ومنعها من الانزلاق مع تصاعد التوترات السياسية داخلياً، وتزايد المخاوف الخارجية من تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية على تركيا ودول أخرى.

ورغم الضغوط نجحت تدخلات المركزي في تثبيت سعر صرف الليرة عند نحو 38 ليرة مقابل الدولار منذ الهبوط الأولي، لكن هذا الثبات جاء على حساب استنزاف كبير للاحتياطيات الأجنبية، بحسب بلومبيرغ إيكونوميكس.

وفي عام 2001 أدى انخفاض كبير في قيمة الليرة إلى حدوث أزمة مالية حادة في البلاد، ما ساهم في وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي بزعامة أردوغان إلى السلطة في العام التالي.

وانضاف انهيار العملة إلى محنة غلاء الأسعار نتيجة الضغوط التي تواجهها البلاد بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل ثلاث سنوات وانعكاساتها على مجمل أنشطة الأعمال والاستثمار مع تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة.

ويشكل ذلك تحديات جديدة للسلطات التي تستورد تقريبا كافة حاجتها إلى الطاقة، وهو ما يجعلها عرضة لتداعيات التقلبات الكبيرة في الأسعار مع كل أزمة تطرأ في الأسواق العالمية.

وتباطأ معدل التضخم السنوي في تركيا بشكل أكبر من المتوقع في مارس، رغم أن البيانات لم تشمل تأثيرات الاضطرابات السياسية والاقتصادية الأخيرة الناجمة عن احتجاز أوغلو.

وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد سينمو بنسبة 3.1 في المئة هذا العام، متجاوزًا المتوسط العالمي المتوقع والبالغ 2.8 في المئة، وذلك وفقًا لتقرير الأمم المتحدة “الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه 2025”.

10