محمود عباس يرجئ الانتخابات إلى حين ضمان إجرائها في القدس

مراقبون يرون أن الرئيس الفلسطيني استخدم قضية القدس ذريعة لتجنب الانتخابات التي قد تخسرها فتح المنقسمة لصالح حماس.
الجمعة 2021/04/30
عباس ينحي باللوم على إسرائيل

القدس - أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات البرلمانية المزمعة، وسط خلاف على التصويت في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، وانشقاقات في حركة فتح التي يتزعمها.

وأنحى عباس باللوم على إسرائيل في الغموض بشأن ما إذا كانت ستسمح بإجراء الانتخابات التشريعية في القدس، وكذلك في الضفة الغربية وغزة.

وجاء القرار بعد ثلاثة أشهر على إعلانه إجراء أول انتخابات عامة منذ 15 عاما، فيما اعتبر على نطاق واسع ردا على انتقادات للشرعية الديمقراطية للمؤسسات الفلسطينية بما في ذلك رئاسته.

وقال عبّاس في ختام اجتماع للقيادة الفلسطينية عقد برئاسته في رام الله بالضفة الغربية المحتلّة "قرّرنا تأجيل موعد إجراء الانتخابات التشريعية إلى حين ضمان مشاركة القدس وأهلها في هذه الانتخابات، فلا تنازل عن القدس ولا تنازل عن حقّ شعبنا في القدس في ممارسة حقّه الديمقراطي".

وكان عبّاس قال في مستهل الاجتماع إنّه "إذا جاءت إسرائيل ووافقت بعد أسبوع، نعمل الانتخابات في القدس مثلما فعلنا عام 2006"، مؤكّدا أنّه "إلى الآن لا موافقة إطلاقا" من إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية.

وأضاف "نحن لا نتلكّأ، إذا قالوا (الإسرائيليون) نعم، من الغد نذهب للانتخابات. الانتخابات بالنسبة لنا ليست تكتيكا بل هي تثبيت للديمقراطية وحقّنا في فلسطين".

وأوضح أنّه "قبل أيام أبلغونا" بعدم السماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، وتلا نصّ رسالة إسرائيلية تقول "نأسف يا جيراننا الأعزّاء أنّنا لا نستطيع أن نعطيكم جوابا بشأن القدس، السبب ليست لدينا حكومة لتقرّر".

وما إن صدر قرار القيادة الفلسطينية حتى أعلنت لجنة الانتخابات المركزية في بيان "إيقاف العملية الانتخابية ابتداء من صباح الجمعة، حيث كان من المقرّر نشر الكشف النهائي للقوائم والمرشّحين، بالتزامن مع أول أيام الدعاية الانتخابية للقوائم المرشحة للانتخابات التشريعية".

وانتقدت حركة حماس على الفور تأجيل الانتخابات، وقال المتحدث باسم الحركة سامي أبوزهري "نرفض قرار تأجيل الانتخابات والذي يخالف الإجماع الوطني، وحركة فتح تتحمل مسؤولية التداعيات عن هذا الموقف".

ويواجه عباس تحدّيات من قياديين مفصولين من حركة فتح هما ناصر القدوة، ابن شقيقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومحمد دحلان، وكلاهما شكّل قائمة لخوض الانتخابات.

ويخوض تيار محمد دحلان، أحد أبرز معارضي عباس داخل حركة فتح، الانتخابات تحت شعار "المستقبل"، بينما أطلق ناصر القدوة  "الحرية" التي يدعمها الزعيم الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي.

ببب

وتتزايد الشكوك منذ أسابيع حول احتمال الإعلان عن تأجيل الانتخابات.

وقال مرشّح لائحة "المستقبل" داود أبولبدة إنّ تأجيل الانتخابات "غير مقبول".

وأضاف "إذا أرجأ عباس الانتخابات، فسنبدأ بالتظاهرات، ونعقد لقاءات مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني".

ووفق لجنة الانتخابات المركزية، ترشّحت 36 قائمة لخوض الانتخابات التشريعية، من بينها قائمة حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ نحو 15 عشر عاما.

ويرى مراقبون أن عباس استخدم قضية القدس ذريعة لتجنب الانتخابات التي قد تخسرها فتح المنقسمة لصالح حماس.

ويُتّهم عباس من خصومه بالتذرّع بمسألة تصويت الفلسطينيين في القدس الشرقية لتأجيل الانتخابات، معتبرين أنّه يريد إرجاءها لأنه قد يتعرّض لهزيمة، لاسيّما بسبب الانقسامات الداخلية العميقة داخل فتح.

وقالت نادية حرحش المرشحة في قائمة "معا نستطيع" التي يدعمها رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض، إن عبّاس "يستخدم القدس ذريعة".

وفي رام الله، حيث اعتادت السلطة الفلسطينية على تنظيم تظاهرات موالية لها أكثر من التصدّي لتظاهرات معارضة لها، خرج المئات من الأشخاص إلى الشوارع فجر الجمعة للتنديد بقرار تأجيل الانتخابات.

وقال أحد المتظاهرين "بصفتنا شبّانا فلسطينيين، فإنّ جيلا كاملا منّا لا يعرف ماذا تعني الانتخابات (...) لهذا الجيل الجديد الحقّ في أن يختار قادته وأن يشارك في عملية صنع القرار".

وأضاف في رسالة مباشرة إلى الرئيس عباس (85 عاما) "حان الوقت ليقرّر الشباب".

وكانت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية أكّدت مؤخرا أنّ بإمكانها استحداث مراكز اقتراع في بلدات فلسطينية قريبة من القدس الشرقية في الضفة الغربية المحتلّة، لكنّ عبّاس رفض مساء الخميس هذا الخيار، مشدّدا على ضرورة إجراء الانتخابات في القدس الشرقية ترشيحا واقتراعا، وكذلك على ضرورة تمكين المرشّحين من إجراء حملاتهم الانتخابية في المدينة المقدسة، وهو أمر لا تسمح به الدولة العبرية.

وكانت حماس أعلنت الأربعاء رفضها "فكرة تأجيل الانتخابات، أو إلغائها"، مشدّدة على أنّها "تؤكّد أنّها ليست جزءا من التأجيل أو الإلغاء، ولن تمنح له الغطاء".

وحمّلت حماس "الاحتلال المسؤولية عن قرار التأجيل، فهو المسؤول الأول والأخير عن حرمان شعبنا من حقوقه".

وحصل الانقسام بين حركتي فتح وحماس بعد انتخابات 2006، إثر توترات واشتباكات بينهما انتهت بتفرد حركة حماس بالسيطرة على غزة وطرد حركة فتح منها في 2007. وتحاصر القوات الإسرائيلية قطاع غزة منذ ذلك الحين.

واحتلّت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، ثم ضمتها الى أراضيها في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي، ولا تسمح للسلطة الفلسطينية إجمالا بالقيام بأنشطة فيها.

ووفق بروتوكولات أوسلو، يُسمح لسكان مدينة القدس الشرقية بالانتخاب في مقرّات البريد في المدينة التي تشرف عليها إسرائيل.

وقال المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألون بار خلال اجتماع مع دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي الثلاثاء، إنّ الانتخابات "قضية فلسطينية داخلية، وليست لدى إسرائيل نية للتدخل فيها أو منعها"، من دون إعطاء أي إيضاح بشأن القدس الشرقية.

وقال الاتحاد الأوروبي الجمعة إن قرار تأجيل الانتخابات العامة في فلسطين، بما فيها مدينة القدس المحتلة "مخيب للآمال".

وأعرب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان نشر على موقع الاتحاد الأوروبي الإلكتروني، عن أسفه لقرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية، داعيا "الأطراف المعنية إلى تحديد موعد جديد للانتخابات دون تأخير".

وأكد أن "الاتحاد الأوروبي شدد باستمرار على دعمه لإجراء انتخابات ذات مصداقية، وشاملة، وشفافة لجميع الفلسطينيين".

وتابع قائلا إننا "نجدد دعوتنا إسرائيل إلى تسهيل إجراء هذه الانتخابات في أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية".

ونوّه المسؤول الأوروبي بأن "الاتحاد الأوروبي لديه إيمان راسخ بأن المؤسسات الفلسطينية الديمقراطية القوية، والشاملة، والخاضعة للمساءلة، والقائمة على احترام سيادة القانون، وحقوق الإنسان، ضرورية للشعب الفلسطيني، والشرعية الديمقراطية، وصولا إلى تحقيق حل الدولتين".

وأجريت انتخابات 1996 وانتخابات 2006 وفق نظام الترشيح المختلط، أي ضمن نظام القوائم ونظام الدوائر الجغرافية والترشيح الفردي فيها. وأصرّ الرئيس الراحل ياسر عرفات في الانتخابات الأولى التي أجريت في الأراضي الفلسطينية على تمثيل الدوائر حتى تتمثّل دائرة مدينة القدس الشرقية.

لكنّ الانتخابات المقبلة ستعتمد نظام القوائم مع استبعاد نظام الدوائر.

وأظهر استطلاع نشره هذا الأسبوع مركز "القدس للإعلام والاتصال" وأُجري بالشراكة مع مؤسسة "فريدريتش إيبرت" الألمانية، أن 79 في المئة من الفلسطينيين يعتبرون إجراء هذه الانتخابات أمرا مهمّا.