محمود بدر .. مؤسس حركة تمرّد الذي يثير انقسام الصحافيين

برلماني وناشط سياسي مصري يستهدفه الإخوان.
السبت 2021/08/07
شخصية مثيرة للاهتمام

عادت قصص حركة تمرّد التي قادت حملة توقيعات ضد حكم الإخوان في مصر قبل ثمانية أعوام إلى الأضواء أخيرا من زاوية أن مؤسسها الشاب محمود بدر، الذي لعب دورا مهما في الحشد الشعبي لثورة 30 يونيو من أجل إسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي، تقدم بأوراقه للالتحاق بنقابة الصحافيين وسط انقسام في صفوف الجماعة الصحافية.

يرى البعض أن لبدر الحق في اتخاذ تلك الخطوة لأن الأوراق التي تقدم بها استوفت جميع الشروط التي وضعتها النقابة وأوراقه سليمة من كافة الشوائب القانونية والمهنية، بينما يعترض آخرون بحكم أنه لا يعمل في مجال الصحافة حاليا وانقطعت علاقته بها منذ حوالي عشر سنوات، ويقتصر نشاطه الراهن على عضويته في مجلس النواب المصري، ويدير استثمارا خاصا به.

وسط هذا الجدل جرى استدعاء ملف بدر والتفتيش في كواليسه والتنقيب في دهاليزه، وتحول الشاب إلى قضية لم تشغل بال الجماعة الصحافية فقط، بل دخلت على خطوطها قوى مختلفة، وبين الدفاع عنه والهجوم عليه حدثت إسقاطات سياسية عديدة تجاوزت مسألة أحقيته في الالتحاق بالنقابة من عدمها.

كشفت الزوبعة التي أثيرت بسبب بدر حجم الفراغ السياسي في مصر، وهو كبير بالمناسبة في ظل ضيق الحريات وعدم قيام الأحزاب بواجباتها، واتخذ البعض من قضيته مطية لتصفية حسابات قديمة لا علاقة لها بالنقابة.

ثغرات سياسية

وتر الإخوان يجيد بدر العزف عليه، وهو محق في جوانب من ذلك لأنه تحول إلى رمز مضاد لحكمهم وفشلهم الكبير، وصار أشبه بأيقونة للشباب في فترة الثورة عليهم
وتر الإخوان يجيد بدر العزف عليه، وهو محق في جوانب من ذلك لأنه تحول إلى رمز مضاد لحكمهم وفشلهم الكبير، وصار أشبه بأيقونة للشباب في فترة الثورة عليهم

وبدأت شريحة من المصريين تعيد تقييم حركة تمرّد التي كان بدر ناطقا إعلاميا باسمها ورأس حربة في صفوف شبابها، بأثر رجعي من جهة علاقتها بأجهزة الأمن المصرية التي استشعرت مبكرا خطورة نظام الإخوان على الدولة ونسجت خيوطها لإسقاط الجماعة شعبيا. وهي النقطة التي جعلت البعض يصف الشاب بأنه “ليس أكثر من أداة”، حيث جرى استثمار إجادته للخطابة لحضّ الشباب على التمرد ضد الإخوان وجمع نحو ثلاثين مليون استمارة تمرد موقعة من مواطنين.

قد تحسب هذه النوعية من التقييمات السياسية لصالح بدر، لأن الخطة نجحت وحققت أهدافها الوطنية قبل أن تتمكن جماعة الإخوان من فرض سيطرتها على مفاصل الدولة ووقتها كان من الصعب التخلص منها، لذلك خرجت المعركة من جدران نقابة الصحافيين إلى الفضاء العام لأن بصمات جماعة الإخوان على رفض قبوله بدت منطقية ونشطت كتائبها الإلكترونية فجأة وفتحت النيران عليه.

وجد بدر في هذه الثغرة ميزة سياسية يمكن أن تدفع الأصوات المعارضة له إلى وقف المعركة ضده وعدم التمادي في تسخينها، لأن من يدخلون فيها ويشتبكون معها سيجدون أنفسهم موصومين بـ”الأخونة”، وهي تهمة خطيرة في مصر، ما جعل دائرة التفتيش في سجلات الشاب والتركيز على سلبياته بالحق أو الباطل واستغلال مساحة الالتباس والغموض تضيق، وقد قلبت التعليقات التي كتبها بدر على صفحاته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي جزءا مهمّا من المعادلة السياسية.

ذات متضخمة

شريحة من المصريين تعيد اليوم تقييم حركة تمرّد التي كان بدر ناطقا إعلاميا باسمها ورأس حربة في صفوفها، بأثر رجعي من جهة علاقتها بأجهزة الأمن المصرية التي استشعرت مبكرا خطورة نظام الإخوان على الدولة ونسجت خيوطها لإسقاط الجماعة شعبيا
شريحة من المصريين تعيد اليوم تقييم حركة تمرّد التي كان بدر ناطقا إعلاميا باسمها ورأس حربة في صفوفها، بأثر رجعي من جهة علاقتها بأجهزة الأمن المصرية التي استشعرت مبكرا خطورة نظام الإخوان على الدولة ونسجت خيوطها لإسقاط الجماعة شعبيا

نشر المكتب الإعلامي لبدر على فيسبوك، مؤخرا، تعليقا يقول فيه “عندما تجد خبرا على مواقع الإخوان المسلمين يحذّر نقابة الصحافيين من قبول عضوية محمود إسماعيل بدر فالحقيقة أنك يجب أن تفهم أن من تعوزه الإخوان يحرم على مصر”.

في هذا التعليق بدا الشاب متضخما أكثر من اللازم، وهذا عيب من العيوب التي يؤاخذه عليها منتقدوه، حيث يساوي بين نفسه وبين مصر، في مقارنة تثير الشفقة أكثر من الحنق عليه، وربما تسيء للدولة نفسها، فمهما كان الدور الذي قام به خلال التمهيد لثورة 30 يونيو 2013 يظل عاديا لأن هناك الكثير من الشباب والمؤسسات المختلفة قاموا بأدوار مهمة ولم يتاجروا بها أو يوظفوها لمصالحهم الخاصة، ويعد بدر ممن حصدوا مكاسب عديدة من وراء مشاركته في هذه الثورة.

تعد المكاسب التي حصل عليها -سواء لمواهبه وقدراته أو مجاملة له- أحد الدوافع التي جعلت الحملة عليه ضارية، لأن هناك من لا يذكرهم أحد في وسائل الإعلام مع أنهم أسهموا في الثورة بقوة وربما كانوا أشد شراسة من محمود بدر في الدفاع عنها وفي عداوتهم للإخوان.

بدر يفجّر قنابل غير مقصودة في وجوه النقابة والحكومة والمجتمع، فالأولى مطلوب منها أن يكون تقييمها لمن يلتحقون بها موضوعيا إلى أبعد مدى ولا يتجاهل تاريخهم النضالي في المشاركة السياسية، والثانية عليها أن تكون بعيدة عن هذه المعارك، أما المجتمع فعليه أن يكون محصّناً

يستشعر من تابعوا بدقة الانتقادات التي وجهت إليه أن نقابة الصحافيين في ورطة حقيقية بين قبوله أو رفضه، ولم تخرج رسميا للحديث عن القضية وكأنها غير معنية بها، على أمل أن تهدأ وتدخل مجال النسيان وخوفا من أن يؤدي التعليق بالسلب أو الإيجاب إلى فتح جبهات مسكوت عنها في عمل النقابة ما يفاقم انقسام مجلسها.

كتب الشاب الذي يحلو له لقب الناشط السياسي والبرلماني أكثر من الصحافي على تويتر “شكرا لبجاحتكم.. شكرا أنكم عرفتوني سبب الحملة اللي معمولة على جروبات النقابة وبتضغط على لجنة القيد ميقبلوش ورقي رغم أنه سليم وقانوني. بس اسمعوا مني الكلمتين دول أنا مش هسيب حقي أنا شقيت وتعبت في المهنة دي، أنا اشتغلت في صوت الأمة مع 3 رؤساء تحرير والـ3 أحياء ممكن يسألوهم اشتغلت”.

لم تطفئ هذه العبارات نار الغضب عليه وقد تكون زادت في اشتعالها، لأنها عززت الانطباعات التي تفيد بأنه بات “مغرورا”، وقام البعض بسرد تاريخه مع مهنة الصحافة وكشف أن حصيلته النهائية كانت هامشية بما لا يتناسب مع التضخيم المقصود لأعماله، فهناك من هم أكثر شطارة لا يستطيعون الالتحاق بالنقابة.

تحطيم الصورة

Thumbnail

تبدو شخصية بدر مثيرة للاهتمام وتستحق التوقف عندها، لأنها تنطوي على تفاصيل كثيرة في آليات الصعود السياسي في مصر الذي أصبح محكوما بدرجة القرب من الأجهزة والمؤسسات الرسمية التي تلعب دورا في تشكيل الوجدان العام.

عزف بدر على وتر الإخوان كثيرا، وهو محق في جوانب من ذلك لأنه تحول إلى رمز مضاد لحكمهم وفشلهم الكبير، وصار أشبه بأيقونة للشباب في فترة الثورة عليهم، ففي أحد حواراته الصحافية أشار إلى أن جماعة الإخوان قامت بتشويه صورته كثيرا بكل ما تحمله الكلمة من معنى في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي حيث “قالوا عني محمود بانجو وشيعي وكافر”.

تسربت كلمة “بانجو” -التي تؤشّر على أنه يتعاطى مخدر البانجو- إلى قاموس البعض الذي استخدمها دون معرفة من أطلقها وفي أي مناسبة ولأي سبب، وترددت في سياق حملة التشويه التي يتعرض لها، ما سهّل الربط بين من عادوا إلى ترديدها وبين الإخوان.

ولد بدر عام 1986 بشبين القناطر في محافظة القليوبية القريبة من القاهرة ودخل البرلمان من هناك على واحدة من القوائم مضمونة النجاح، وتخرج في “مودرن أكاديمي” (جامعة خاصة ومتواضعة) وهو ابن المحامي إسماعيل بدر صاحب الميول القومية التي ورثها عنه ابنه وجعلته قريبا من الطيف الناصري خلال عمله بالصحافة.

بالطبع هناك مخلصون وأوفياء للمهنة وحريصون على تنظيفها من الدخلاء يصعب تجاهل مخاوفهم، لأن النقابة باتت مغنما للبعض، حيث تقدم مزايا معنوية ومادية للمنتسبين إليها، وهو ما لا يحتاج إليه بدر؛ فهو عضو بارز في البرلمان للمرة الثانية على التوالي وله عمله الخاص، ولا أحد يعرف سبب حرصه على دخول النقابة في هذا التوقيت، وهي النقطة التي شككت في نوايا صاحبها ومن وقفوا خلف مساعدته لأنه منقطع عن ممارسة مهنة الصحافة منذ فترة طويلة.

الشخصيات الإشكالية كثيرة في مصر هذه الأيام، ومن بينها بدر الذي يسهل أن يشيد به مؤيدوه ويعددوا مناقبه، ومن السهل أيضا أن يرميه خصومه بحجارة تخصم من رصيده، ما يؤكد أنه رقم معتبر في المعادلة السياسية

أدى الطابع المهني للمؤيدين لالتحاقه بالنقابة والرافضين له إلى الخروج باستنتاجات متناقضة، منها أن الشاب الذي يجيد الحشد قد يكون مؤثرا في مستقبل النقابة ويتم إعداده لمناصب داخلها، وأن هذه فرصة لتنقية جداول النقابة ممن لا يستحقون دخولها على شاكلة بدر بعد أن استخدمها البعض في المجاملات حيث اكتظت بنماذج لا تمارس مهنة الصحافة في صورتها المألوفة.

فجر بدر قنابل غير مقصودة في وجوه النقابة والحكومة والمجتمع، فالأولى مطلوب منها أن يكون تقييمها لمن يلتحقون بها موضوعيا إلى أبعد مدى ولا يتجاهل تاريخهم النضالي في المشاركة السياسية، والثانية عليها أن تكون بعيدة عن هذه المعارك التي لا يستبعد البعض أن تكون طرفا فيها، لأن حصول بدر على شهادة في ممارسة العمل الصحافي من إحدى الصحف الخاصة الكبيرة دون أن يحدث ذلك فعلا يفرض على الحكومة -بالتنسيق مع النقابة- سد مثل هذا الباب بتشريعات متقنة، أما المجتمع فعليه أن يكون منصفا ويكتسب مناعة ضد حملات التشويه المتقنة ولا يتأثر بحملات تطفو على منصات التواصل وترمي إلى التشكيك في الرموز الوطنية.

يبقى بدر من الشخصيات الإشكالية التي أصبحت كثيرة في مصر، فمن السهل أن يشيد به مؤيدوه ويعددوا مناقبه، ومن السهل أيضا أن يرميه خصومه بحجارة تخصم من رصيده، ما يؤكد أنه رقم معتبر في المعادلة السياسية، فالخلاف ينشب دائما حول من يؤثرون في المشهد العام بالإيجاب أو السلب، وبدر يجمع بينهما برشاقة.

12