محمد عهد بنسودة يكرس أفلامه لتحقيق صورة إيجابية عن المغرب

الرباط- يمتلك المخرج والسيناريست المغربي محمد عهد بنسودة سجلا حافلا بالإنجازات في مجال السينما والإنتاج التلفزيوني، إذ يتميز بأعماله السينمائية التي تم عرضها في مهرجانات دولية مرموقة، ما جعله يحصد عدة جوائز مهمة، وعلى مدار مسيرته المهنية أنتج عددا من الأفلام القصيرة والطويلة التي حققت نجاحا لافتا، منها فيلم “الشبح الراجع” وفيلم “ظل الذئب”، بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية وأفلام وثائقية، حيث يلعب المخرج دورا مهما في إخراج عدد من الإعلانات التجارية المتميزة، ويشرف على إدارة إنتاج العديد من الأفلام التي يتم تصويرها داخل المغرب وخارجه.
ويمتد تأثيره إلى مجال الإنتاج التلفزيوني والوثائقي، حيث أنتج أفلاما وثائقية مثل “نظرية أرخميدس”، وقدم إسهامات مهمة في إخراج أفلام لعدة مخرجين عالميين، مثل” سحر أمستردام” و فيلم “مالينا”، ومن بين الجوائز التي حصدها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان روتردام الدولي للفيلم، وجائزة مماثلة في مهرجان مسقط الدولي للفيلم مما يعزز مكانته كأحد الأسماء البارزة في صناعة السينما المغربية.
صانع الأفلام النظيفة
ينوه محمد عهد بنسودة، بـ”السينما الإيجابية” التي تسعى إلى تقديم صورة مشرقة وجمالية للمغرب، ويشير إلى أن الأفلام الوطنية التي تتناول قضايا مثل المخدرات، الفساد، والدعارة، قد تؤثر سلبا على صورة المغرب في المحافل الدولية، ويركز بنسودة على ضرورة أن تكون السينما أداة لتسويق “المغرب الجميل” من خلال تقديم أعمال “نظيفة” تعكس التنوع الثقافي والحضاري الغني للمملكة.
ويرى أن المغرب ليس مجرد صورة نمطية تتعلق بتجار المخدرات أو المهاجرين السريين، بل هو أيضا تجسيد لثقافة ثرية وعادات غنية وتراث عظيم، وهذا ما يجعل المخرج يسعى إلى تعزيز هذه الصورة الإيجابية والاحتفاء بجمال المغرب من خلال السينما.
ويروّج محمد عهد بنسودة لفكرة “السينما الإيجابية” كأداة فعالة لتسويق الثقافة المغربية عبر المهرجانات، حيث تسجل الأفلام المغربية حضورا لافتا وتحصد جوائز مهمة، مما يعزز صورة المغرب في الساحة العالمية، بينما يحتج على أن السينما المغربية لم تعالج القضايا التاريخية والسياسية بنفس الطريقة التي فعلتها السينما المصرية، حيث اشتغل على فيلم طويل يروي “ملحمة المسيرة الخضراء” لتسليط الضوء على إنجازات هذه الفترة البارزة في تاريخ المغرب.
كما أنجز فيلما تلفزيونيا مستوحى من قصيدة “حمان الخربيطي” في فن الملحون، وهذا في اتجاه تقديمه أفلام نظيفة تلبي تطلعات الجمهور المغربي وتبتعد عن الميوعة والسخط، مع الحفاظ على حرية الإبداع، إذ يسعى من خلال أعماله إلى تقديم محتوى يعبر عن الثقافة المغربية بأسلوب راقٍ ومؤثر.
ويركز محمد عهد بنسودة على تطور السينما المغربية خلال العقد الأخير حيث يرى أن الإنتاج السينمائي قد شهد تحسنا ملحوظا، بينما ارتفع عدد الأفلام من 15 فيلما سنويا إلى 40 فيلما، مما يعكس إيجابية تطور هذا المجال، ويدعو إلى أهمية تعزيز دور القطاع الخاص في دعم السينما المغربية، مناديا باستثمارات قوية تساهم في النهوض بالقطاع وتطويره بالشراكة مع الدولة والفاعلين الآخرين.
ويتناول بنسودة التحديات التي تواجه السينما الوطنية، لاسيما تراجع إقبال الجمهور على القاعات السينمائية، ويؤكد أن هناك حاجة ملحة إلى تعزيز الذوق الفني وتربية الجمهور من خلال تقديم سينما إيجابية وجميلة، في حين يعرب عن أسفه لأن الأرقام الأخيرة حول إيرادات الأفلام المغربية تشير إلى نجاح نوع معين من الأفلام، ما يضع المخرجين أمام خيارات صعبة.
ويوضح بنسودة كيف أن اختياره لإخراج أول أفلامه الطويلة “موسم المشاوشة”، كان مدفوعا برغبته في تقديم عمل يستند إلى تراث مدينة فاس في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، دون أن يكون موضوع الفيلم تاريخيا بشكل مباشر، إذ يعكس هذا العمل التزامه بتقديم محتوى سينمائي يثري الثقافة المغربية ويعبّر عن تاريخها الغني بأسلوب جذاب وملهم.
ويسعى الفيلم إلى توثيق التراث الشعبي المغربي، حيث قدم فيه تجربة فريدة تستعرض نوعا من الرياضات الشعبية القديمة تُعرف بالمشاوشة أو المعابزة، حيث تُمارس هذه الرياضة في المدن المغربية العتيقة مثل فاس من قبل الحرفيين والصناع التقليديين، وتم تقديمها في قالب درامي رومانسي، إذ تركز القصة على صراع رجلين، سليمان وطبوخ، للفوز بقلب الحسناء السعدية، وقد استند الفيلم إلى قصة قصيرة للكاتب محمد منصف القادري، وتم تحويرها بالتعاون مع كاتب السيناريو محمد حمدان الحبيب لتناسب متطلبات السينما، بينما تم التصوير على مدى خمسة أسابيع في مواقع متنوعة مثل فاس ومكناس وأرفود وصفرو والجديدة وورزازات.
تكوين سينمائي وتلفزيوني
يعتبر محمد عهد بنسودة، خريج جامعة السوربون للدراسات السينمائية وحاصل على دبلوم في مجال الإخراج والكتابة السينمائية بكندا، وقد سبق له إخراج شريط تلفزيوني طويل بعنوان “التهور” من إنتاج القناة الثانية، ولديه سبعة أفلام قصيرة نالت جوائز عدة، منها جائزة المهر النحاسي عن فيلم “الردى” في مهرجان الفيسباكو بواغادوغو، وتنويه خاص من لجنة التحكيم عن أفلامه القصيرة “الصمت المغتصب”، و”الجرة”، و”الواجهة”، ويشارك أيضا في تدريب متخصص في تقنيات السينما ضمن جمعية الخلق ميد فيلم الفرنسية، وقد حصل على البطاقة المهنية كمساهم في إحداث الأفلام وتطويرها من المركز السينمائي المغربي بالرباط، كما شارك في تدريب مهني لإنتاج الأفلام مع سيني طيل في باريس.
وعلاوة على إنتاج الأفلام شغل بنسودة العديد من المناصب فكان المدير العام لأول وكالة للممثلين بالمغرب لمدة خمس سنوات، كما نال عضوية شركة الكتاب ومؤلفي التمثيلية بباريس، والنقابة الأفريقية للمنتجين والمخرجين، والغرفة المغربية لمنتجي الأفلام، والاتحاد المغربي لفنيي السينما والتلفزيون، ويدير أيضا شركة إنتاج أفلام سارل سات.
كما سبق له أن ترأس لجنة التحكيم للمهرجان الدولي للفيلم الأفريقي في كان، حيث يتمتع بخبرة واسعة في مجال السينما والتلفزيون، كما عمل في أدوار مختلفة تشمل التمثيل، مساعدة الإخراج، إدارة الإنتاج، إدارة الصب، التأليف، الإخراج، والإنتاج.
عمل محمد عهد بنسودة كمساعد مخرج في مجموعة متنوعة من الأفلام الطويلة والتلفزيونية العالمية، حيث قدم إسهامات بارزة في هذين المجالين، إذ ساهم كمساعد مخرج في عدة مشاريع سينمائية، منها فيلم “أيها السيدات والسادة” من إخراج كلود ليلوش، بالإضافة إلى “الأحجية من أمستردام” من إخراج رودولف فان دن بيرغ، كما عمل على فيلم “مارك ويوحنا ولوقا” من إخراج جاكوب ديبور، وشارك في إنتاج “مالينا” من إخراج جوزيبي تورناتور، ومن بين أعماله الأخرى في هذا المجال “حديقة عدن” من إخراج أليساندرو دالأتري، وفيلم “مريم من الناصرة” من إخراج جان ديلانوي.
أما في مجال الأفلام الطويلة للتلفزيون، فقد كان لبنسودة دور مهم كمساعد مخرج في أفلام عالمية متعددة مثل “القيامة” من إخراج رافائيل ميرتس، و”بولس الطرسوسي” من إخراج روجر يونغ، كما عمل على “يهوذا وتوما” و”مريم المجدلية ويوسف” جميعها من إخراج رافائيل ميرتس، وشمل عمله أيضا “الزوجات والبنات” من إنتاج بي بي سي، و”يسوع” من إخراج روجر يونغ، و”إستير” من إخراج رافائيل ميرتس، و”إرميا” من إخراج هاري وينر.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم في “سليمان” من إخراج روجر يونغ، و”داود” من إخراج روبرت ماركوفيتش، و”شمشون ودليلة” من إخراج نيكولاس روغ، ومن خلال عمله المتنوع في هذه المشاريع أثبت بنسودة قدرته على تقديم إسهامات قيمة في صناعة السينما والتلفزيون.
يصطاد الجوائز
يعتبر المخرج المغربي من الشخصيات البارزة في مجال السينما المغربية والعالمية، حيث ساهم في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تركت بصمة واضحة في هذا المجال، وواصل العمل والإبداع في مجال الإنتاج السينمائي، مع التركيز على تطوير المحتوى السينمائي المغربي وإبرازه على الساحة الدولية.
يُعد فيلم “مطلقات الدار البيضاء” أحدث أعمال محمد عهد بنسودة، وقد نال شهرة واسعة وجوائز في مهرجانات عالمية. ويبرز هذا الفيلم كنتيجة لسنوات من التفكير والكتابة، حيث بدأ بنسودة العمل عليه مباشرة بعد انتهاء ترويج فيلم “خلف الأبواب المغلقة”، وفي عام 2016 كانت النسخة الأولى من السيناريو جاهزة، ومن ثم بدأت عملية البحث عن تمويل للفيلم، فتلقى المشروع دعما من منظمة الفرنكوفونية في عام 2021، وحصل الفيلم على دعم إضافي، وبدأت عملية الإنتاج.
وعلى الرغم من عدم تقديم الفيلم للمسابقة الرسمية في مهرجان كان الدولي بسبب انتهاء فترة التسجيل، عرض الفيلم في سوق الفيلم، مما ساهم في تحقيق نجاح ملحوظ في عام 2023.
وفاز فيلم “مطلقات الدار البيضاء”، بجائزتي الإخراج وأفضل إدارة للممثل في المهرجان الدولي للفنون والسينما في أثينا، وليس ذلك فحسب، بل شارك الفيلم أيضا في مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة، وشملت مشاركته في العديد من التظاهرات الفنية. وقبل عرضه في قاعات السينما، خاض تجارب متنوعة في المهرجانات العالمية.