محمد عقيل يسافر بعشاق التشكيل إلى المقاومة الشعبية الجزائرية

الجزائر- في معرض بعنوان “المقاومة الشعبية الجزائرية”، يسافر الفنان التشكيليُّ الجزائريُّ، محمد عقيل، بعشّاق الفنون البصرية إلى مرحلة مهمّة من تاريخ الجزائر الحديث، وهي مرحلة المقاومات الشعبية التي بدأت مع الأمير عبدالقادر بن محي الدين، وامتدّت من 1832 إلى 1847، ومقاومة أحمد باي (1837 – 1848)، مرورًا بثورة الزعاطشة (1848 – 1849)، ولالا فاطمة نسومر والشريف بوبغلة (1851 – 1857)، وصولًا إلى مقاومتي الشيخ المقراني (1871 – 1872)، والشيخ بوعمامة (1881 – 1883).
وتصوّرُ الأعمال المعروضة إلى 8 سبتمبر الجاري، بغاليري “هلا” بالجزائر العاصمة، مشاهد من بعض المعارك الشعبية التي كان الجزائريُّون يخوضونها في تلك الفترة، فضلا عن جوانب من الحياة اليومية التي كانت تسود الحواضر آنذاك.
وتمتازُ أعمال الفنان عقيل بالولع الشديد بتجسيد التفاصيل الدقيقة واستخدام الألوان الزاهية إلى درجة تقترب وتتقاطع فيها مع فنّ إسلامي عريق، هو فنُّ المنمنمات.
ويعود مصدر تلك الخصوصيات، التي تميّز اللّوحة لدى هذا الفنان التشكيلي إلى ظروف نشأته الأولى التي ارتبطت بتأثُّره بالأجواء التي طبعت الجزائر قبل استقلالها، وأبرزُها: انتشار كتاتيب تعليم القرآن واللُّغة العربيّة للأطفال والناشئة، وتمسُّك المجتمع بتقاليده الأصيلة خشية الذوبان في التقاليد الأوروبية الوافدة مع الاستعمار.
وفضلا عن ذلك كلّه، فإنّ محمد عقيل نشأ في وسط عائلة يمتهن فيها الوالد خياطة الأزياء التقليدية، كمصدر للرزق، وهو “الحاج بوتوشنت” المعروف في منطقة خميس مليانة (غرب الجزائر)، في أربعينات القرن الماضي، بكونه أمهر خيّاط، إضافة إلى كونه رجل ثقافة عظيمة، وصديق كبار الفنانين، في ذلك الوقت، وهذا ما جعل الفنان ينشأ مُتمسّكًا بهذه الروح الوديّة التي عرف والده كيف يغرسها في نفسه لينشأ ذوّاقا لمختلف الفنون.
ومثل الكثير من أقرانه، فتح الطفل محمد عقيل عينيه على حبّ الخط العربي الذي بدأ في تعلُّمه على أيدي شيوخه (معلّميه) في الكتاتيب، في ما يُعرف في ذلك الوقت بـ”الختمة”؛ وهي حفظ القرآن كاملا عن طريق كتابته بالتدريج على الألواح بواسطة أقلام من القصب وأحبار تقليدية تُصنع في البيوت، ويتفنّن الأطفال في رسم حروف القرآن الكريم عليها.
ومع انتقال هذا الفنان الجزائري إلى مرحلة عمريّة أكبر، فتح عينيه على مدارس الفنّ التشكيليّ الأوروبي، وخاصّة أعمال فناني عصر النهضة الإيطاليين، وأبرزهم رفائيلو سانزيو دا أوربينو (1483 – 1520)، المعروف باسم رافائيل، التي كان كثيرًا ما يُشاهد بعضها في الكنائس، فتعلّم منهم سهولة العمل ووضوح الفكرة، عبر التأثُّر بأعمالهم، وهذا هو تماما ما تعكسُه أعماله.
وتعكس لوحاته أيضًا بساطة الحياة وعمقها، وارتباط الإنسان بالتاريخ، كما تُصوّرُ التفاصيل اليوميّة التي ميّزت الجزائريين في مرحلة من التاريخ طبعها وجود الاستعمار كعنصر مهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية.
كما أنّ أعماله تمتاز بالجمال الأخّاذ الذي تضفيه عليها تشكيلة الألوان المنتقاة بعناية فائقة للتعبير عن التفاصيل الدقيقة للألبسة والأسلحة في تلك الفترة من التاريخ؛ وهي تمثّل ترجمة لونيّة وبصريّة حقيقيّة لوقائع التاريخ، مثل: المعارك، وجلسات السّمر، والعمران، يمكن للمشاهد أن يُبلور عبرها صورة عن الإنسان في ذلك الزمن الغابر.
يُشار إلى أنّ الفنان التشكيلي، محمد عقيل، وُلد في 11 يونيو 1954 بمدينة خميس مليانة (غرب الجزائر)، وتدور أعماله، التي أنجزها خلال مسيرة استمرّت على مدى 40 عامًا، حول قضايا الذاكرة والتاريخ والتقاليد الروحية، وكان دائمًا مُحبًّا للجمال والأناقة والكمال، وجميع أعماله الفنيّة مستوحاة من هذه الصفات التي تهيمن على حياته اليوميّة، وهو رجلٌ عصريٌّ لا يزال متمسّكا بجذور أجداده وثقافتهم.
وقد قام في أول ديسمبر 2013، بافتتاح صالة عرض فنيّة باسم “عقيل آرتس” بالجزائر العاصمة، كما شارك في معارض فردية بليل (2003)؛ وتوركوينج في فرنسا (2004)؛ وبالجزائر (2013)، إضافة إلى معرض جماعي بالجزائر (2004).