محمد عروشي على رأس مجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي بأولويات هامة

بعد ست سنوات على عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، يرأس السفير محمد عروشي مجلس السلم والأمن للاتحاد، وهو الجهاز المكلف بتنفيذ القرارات داخل المنظمة، بدءاً من شهر أكتوبر الجاري في إطار ولاية ثانية تمتد لثلاث سنوات.
وهناك قاسم مشترك بين مختلف الاجتماعات التي سينظمها عروشي خلال هذه الفترة، والتي تتماشى مع رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي يضع المواطن الأفريقي في صلب اهتماماته، ما يعزز أبعاد السلام والأمن والتنمية من أجل بروز أفريقيا قوية وموحدة وآمنة.
بعد أكثر من 30 سنة من القطيعة عيّن العاهل المغربي عروشي في العام 2018 أول سفير ممثل دائم للمغرب لدى الاتحاد بعد قرار عودة الرباط إلى المنظمة، وبعدها بأربع سنوات من العمل الجاد مكنت تلك العودة من تعديل في موازين القوى داخل الاتحاد، حيث اكتمل الحضور المغربي السياسي بالاقتصادي والمالي والديني والروحي.
فمقعد رئاسة مجلس السلم والأمن، الأفريقي المسؤول عن تنفيذ قرارات الاتحاد الأفريقي، وهو مشابه إلى حد ما لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ظل، حكرا على الجزائر، منذ 2013 حتى العام الماضي، وهذا الوجود يندرج في إطار مدبّر من أجل تسخير التعاون الأمني الأفريقي ومكافحة الإرهاب لتحقيق مصالح ضيّقة.
الحضور الفعلي داخل هذه الهيئة يتيح تتبع الملفات المتعلقة بالسلم والأمن داخل القارة، وحضور المغرب عضوا وترؤسه الدوري للمجلس يعبّر عن الوزن السياسي الجديد للمملكة داخل القارة، حيث كانت رئاسة المملكة المغربية لمجلس السلم والأمن لشهر سبتمبر من سنة 2019 حافلة بجهود السلام والأمن والتنمية ومكافحة التغير المناخي.
مجلس بين محطتين
المغرب في شخص السفير عروشي عازم على إرساء آلية البحث عن حلول أفريقية من طرف صانعي السياسات بالتركيز على تطوير حلول فعالة للتحديات المعقدة التي تثيرها قضية النزاع المسلح في أفريقيا، بوضع مبادئ توجيهية أوضح لكيفية ارتباط هذه المبادرات بالمبادرات الإقليمية، وتسهيل جهود الجمعيات المدنية لبناء أسس السلام المستقر في مناطق الحروب في القارة.
إصرار الجزائر على التمتّع بالحضور والسلطة في الاتحاد الأفريقي لم يكن متناغما مع أدائها والنتائج الضئيلة التي تُحقّقها طيلة السنوات الماضية، ليأتي المغرب بأجندة تقويم التطوّرات والتوقّعات حول التقدّم نحو السلام والأمن عن طريق الهيكليات الأمنية الإقليمية التي استثمرت فيها الجزائر بقوّة طيلة سنوات دون طائل يذكر.
في المقابل لا تريد المملكة استخدام مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي وهو الجهاز داخل الاتحاد الأفريقي المكلف بمعالجة التهديدات للسلم والأمن الدوليين في القارة الأفريقية، كمنصة للتدخل في شؤون الآخرين بل التعامل بعيد المدى بحنكة سياسية مع التحديات الرئيسية التي تواجه الترتيبات الإقليمية، وهو ما يقوم به عروشي.

كان دور الاتحاد الأفريقي في الصومال والسودان ودول أفريقية أخرى موضع تساؤل، حيث أن مجلس السلم والأمن الأفريقي قد فشل في تحقيق هدفه المتمثل في الحفاظ على السلام والأمن على وجه التحديد لأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – وهو جهاز أكثر قوة وأفضل موارد – فشل في الوفاء بمسؤوليته في تقديم المساعدة اللازمة لتمكين الجهاز التابع للاتحاد الأفريقي من أداء وظائفه.
ولم تكن استجابة الجزائر فورية للتعاطي مع الأزمات إلا بما يخدم مصالحها، على غرار الأزمة الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو وما يتطلبه الوضع من حزم وحسم، وبإيعاز من الجزائر سبق للمركز الأفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب، قبل ثماني سنوات منع المندوبون من المغرب من حضور الاجتماع الدولي الذي شارك المركز استضافته مع منتدى مكافحة الإرهاب العالمي والفريق العامل في الساحل.
قضايا الإرهاب وتجنيد الأطفال وإسكات صوت الأسلحة والتغير المناخي والأمن الغذائي والوضع في الساحل من الأولويات التي تحظى باهتمام المغرب داخل الاتحاد الأفريقي، ومادام عروشي يرأس مجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي، فهي فرصة لإيجاد أجوبة جماعية لتلك الملفات والتعبير عن الأولويات والإصلاحات التي يحملها معه على رأس المجلس، فحماية الأطفال تقع ضمن أولويات المملكة من خلال إدراجها في مختلف التشريعات الوطنية، واتخاذ العديد من المبادرات الهادفة إلى حماية الطفل من أيّ تهديد من شأنه التأثير على نموه وتفتحه، وإبعاده عن كل ما قد يمسّ براءته.
تطرق عروشي الأربعاء 5 أكتوبر الجاري، في اجتماع خصص لموضوع “حظر تجنيد الأطفال في حالات النزاع”، إلى معالجة قضية أفريقية مشتركة، وإلى كون المملكة تدعو إلى اتباع مقاربة شاملة ومتعددة الأبعاد لمواجهة الجرائم اللاإنسانية والشنيعة ضد هذه الفئة الهشة من المجتمع، علاوة على تنسيق جهود المجتمع الدولي لمكافحة معضلة استغلال الأطفال في حالات النزاع بشكل فعال، داعيا إلى إدانة كافة أشكال الانتهاكات ضد الأطفال واستغلالهم لأغراض عسكرية، واستمرار تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة غير الحكومية.
قضايا ذات أولوية
المغرب معني بشكل كبير بالنزاعات المتواصلة وحالات الأزمات المتكررة في أفريقيا من قبيل الحروب الأهلية وغيرها من أشكال العنف المسلح بما في ذلك الأنشطة الإرهابية، وعروشي مكلف بنقل رؤية المغرب الهادفة إلى توحيد القارة والاستجابة بطريقة مسؤولة وملتزمة وفعالة لتطلعات المواطنين الأفارقة لإنهاء النزاعات وضمان السلم والأمن والاستقرار والمساهمة في توفير الظروف الأساسية الكفيلة بضمان حياة مزدهرة تمكن الشعوب في القارة الأفريقية من أن تتبوأ المكانة التي تستحقها على الساحة الدولية.
المغرب، المنخرط بشكل كامل ومسؤول في ورش إصلاح مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، لطالما أكد على أن حفظ الأمن والسلم الدوليين يبقى اختصاصا حصريا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما تنص على ذلك مقتضيات بروتوكول مجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقي، وترتكز المقاربة المغربية، التي يمثلها عروشي، في هذا الإطار على تعزيز شفافية أساليب العمل وضمان مصداقية مسلسل صنع القرارات داخل المجلس.
◙ دور الاتحاد الأفريقي في الصومال والسودان ودول أفريقية أخرى موضع تساؤل، حيث أن مجلس السلم والأمن الأفريقي قد فشل في تحقيق هدفه المتمثل في الحفاظ على السلام والأمن
كانت الإرهاصات قوية لإصلاح هذه المؤسسة الإقليمية، ففي عام 2016 عين الاتحاد الأفريقي الرئيس الرواندي بول كاغامي لقيادة ما أسماه إصلاح مؤسسي عاجل وضروري، حيث تم تجميع فريق من الأفارقة البارزين من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والوكالات الدولية للتشاور على نطاق واسع وتقديم التوصيات، بعدها بسنة اقترح الإصلاحيون ومنهم المغرب أن إعادة تنشيط الاتحاد الأفريقي لتمكينه من تنفيذ القانون التأسيسي بحكمة دون خوف أو محاباة، ولكي يحدث هذا، يجب على الاتحاد الأفريقي أن يقوم بإصلاحات عميقة، وترشيد مؤسساته، وتجديد نفسه.
ورغم العراقيل التي وضعها عدد من الدول منها جنوب أفريقيا والجزائر أمام الإصلاحات التي تم اقتراحها، إلا أن المجلس قام بتوسيع دائرة اختصاصه، وتم التخلص من هيمنة هؤلاء والتي امتدت من 2003 إلى مارس 2021، بعد انتخاب النيجيري بانكولي أديوي رئيسا جديدا للمجلس خلفا للجزائري إسماعيل الشرقي، وعليه يقدم السفير عروشي التزام المملكة وموقفها الإصلاحي المتواصل والحازم بالمساهمة بشكل فعال في تعزيز العمل الأفريقي من أجل إيجاد حلول مستدامة لأفريقيا والدفاع عن المصالح الحيوية للمواطن الأفريقي في مجال السلم والأمن والتنمية.
في إطار الإصلاحات المستمرة داخل هياكل الاتحاد سيكون من المهام الصعبة بالنسبة إلى السفير المغربي إقناع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عند تفويض سلطاته للترتيبات الإقليمية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ضرورة توفير الموارد الكافية لهذه الترتيبات، لاسيما تلك التي سيكون لها قدرة ضئيلة أو معدومة للوفاء بولايتها بفعالية، ولكون السفير عروشي اشتغل في العام 2014 قنصلا عاما للمغرب في ستراسبورغ، مكلفا بالعلاقات مع مجلس أوروبا، فهو ملمّ بالقضايا والمواضيع التي يمكن أن تكون قابلة لإعادة الهيكلة بما يتناسب ودعم العلاقات المغربية الأوروأفريقية.
رؤية إصلاحية
يملك السفير عروشي رؤية متكاملة للأدوار التي يمكن أن يلعبها المغربي أفريقيا وبتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية، باعتباره اشتغل عن قرب على الملفات السياسية في السفارة المغربية في واشنطن، حيث كان مكلفا بمتابعة أشغال لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي والسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.
كانت تطورات الانتقال السياسي بكل من بوركينا فاسو وتشاد وغينيا ومالي، محل دعم أمام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وتعزيز الدور المحوري للمجلس في تحديد السبل والوسائل الأكثر فعالية لمواكبة ورفد هذه البلدان الصديقة من أجل استعادة الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
ونظرا إلى مهمته الكبيرة داخل الاتحاد الأفريقي يؤمن الدبلوماسي المغربي بالعمل المشترك مع الهيئات الإقليمية والدولية لتقديم الحلول الدائمة، وإيلاء المجتمع الدولي اهتماما خاصا للتحديات الأمنية والإنسانية التي تواجهها كافة بلدان منطقة الساحل.
◙ التعاون العسكري بين المغرب وشركائه الأفارقة بالنسبة إلى عروشي، يندرج في إطار رؤية المملكة التضامنية والتقليدية الرامية إلى الوقاية من النزاعات
وسوف ينقل عروشي اهتمام المغرب بتعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة هذه التحديات عبر مقاربة شمولية ومتعددة الأبعاد في معالجة قضايا الأمن والاستقرار والتنمية، مع إشراك كافة البلدان المتضررة بشكل مباشر أو غير مباشر من تبعات عدم الاستقرار والتغيير غير الدستوري للحكومات.
ولا يشتغل المغرب بطريقة المحاور والمصالح الضيقة في معالجة التحديات التي تواجه المنطقة، ولهذا يبسط عروشي آليات تنفيذ هذه الإستراتيجيات بأن تشمل كافة البلدان الأفريقية من خلال المنظمات الإقليمية المعنية، ويتعلق الأمر بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، وتجمع دول الساحل والصحراء (سين- صاد) ومجموعة دول الساحل الخمس، في تنفيذ إستراتيجيات تهدف إلى إرساء استقرار مستدام في منطقة الساحل.
التزام المغرب، الذي تربطه بدول المنطقة علاقات عريقة ومتعددة الأوجه، معني بتنفيذ الإستراتيجية المندمجة لمنطقة الساحل، من خلال المساهمة مع المجتمع الدولي في تعزيز الحكامة الشاملة وترسيخ التنمية المندمجة والمستدامة لصالح سكان دول المنطقة، وعليه يركز السفير المغربي على إبراز أهمية العلاقة بين السلم والأمن والتنمية في إستراتيجيات وبرامج استتباب السلم والأمن ومكافحة الإرهاب والتطرف في القارة الأفريقية.
التعاون العسكري بين المغرب وشركائه الأفارقة بالنسبة إلى عروشي، يندرج في إطار رؤية المملكة التضامنية والتقليدية الرامية إلى الوقاية من النزاعات واستتباب الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، والذي يغطي مجالات التكوين والتدريب بما يمكن من الرفع من جاهزية القوات المسلحة وتعزيز قدرات الجيوش، لاسيما في مجال حفظ السلام والتدريب المشترك، ومن خلال خبرتها وكفاءتها الميدانية، يقدم عروشي جهود المملكة في خدمة السلام والأمن في أفريقيا وتؤكد تشبثها بالدفاع عن قيم السلام والأمن.