محمد سلماوي: دور المثقف أن يقول الحق ويبشر بما يرى

الأديب المصري يرى أن المسرح يحتاج إلى راع والراعي الأمثل للمسرح الجاد هو الدولة.
الأربعاء 2025/05/21
الراعي الأمثل للمسرح الجاد هو الدولة

القاهرة - يؤكد الأديب المصري محمد سلماوي أن الدولة هي الراعي الأمثل للمسرح الجاد وأن النهضة المسرحية في ستينات القرن الماضي، يضرب بها المثل حتى الوقت الحالي. وأشار إلى أن الكاتب المسرحي يختلف عن الروائي لأن الأول عينه على خشبة المسرح لكي يتم تجسيد هذه الكتابة عملا على الخشبة أمام الجمهور أما الثاني فهو يكتب لينشر بين دفتي كتاب.

ويقول سلماوي في حوار معه إن عمل الكاتب المسرحي الإبداعي يكتمل بتحويل النص إلى عمل مسرحي كامل، وإن عمله إذا لم يجسد على خشبة المسرح فإنه يشعر بعدم جدوى الكتابة، لذلك فإنه يستمر في الكتابة طويلا، مستشهدا بمقولة الكاتب المسرحي والقاص الروسي أنطون تشيخوف الشهيرة والتي تعبر عن هذا الوضع “ما جدوى أن نحشو مسدسا ونضعه على المائدة طالما ليس هناك من سيطلقه.”

ويضيف “بالتالي أصبح نشر المسرحيات في ذيل قائمة النشر ليس في مصر وحدها ولكن في العالم كله، لأن الرواية تأتي في المرتبة الأولى من قائمة النشر ثم القصة القصيرة والشعر يعانيان والمسرح قد يكون غير موجود،” معتبرا أن المسرح يشهد حالة من التراجع بسبب عدم رواج الأعمال المسرحية.

p

ويتابع “المسرح حالة خاصة لأنه ليس مجرد نص أدبي مثل الرواية، فهو لا يتحقق إلا من خلال العرض المسرحي، أي يكون هناك إخراج وملابس وموسيقى وإضاءة وجمهور وتذاكر ومسرح وميزانية، والميزانية تستلزم أن يكون هناك راع لهذا الفن الذي يتكلف ميزانية معينة مثل السينما ولكن السينما لأن بها عنصرا تجاريا تجد بسهولة من يمول نشاطها بهدف الربح، وهناك نماذج كثيرة لأفلام تزاوج بين القيمة الفنية والرواج التجاري،” لافتا إلى أن الباحث في تاريخ المسرح المصري يجده في كتابات توفيق الحكيم ويوسف إدريس وعلي سالم وكل الكتاب أصحاب الرصيد في الجانب الأدبي، فالمسرح يحتاج إلى راع والراعي الأمثل للمسرح الجاد هو الدولة.

وعن رؤيته لمدى الاستفادة من إرث نجيب محفوظ، يقول سلماوي “لم تتم الاستفادة الكاملة من إرث نجيب محفوظ فهو لم يحتج إلينا لأنه حصد أعلى الجوائز في العالم وكتبه مترجمة إلى جميع لغات العالم، ولكن نحن الذين نحتاج إلى نجيب محفوظ لندرك قيمتنا وهويتنا ولنواجه به العالم كأحد المفاخر المصرية وهذا يستدعي أن نحيي تراثه مثلما يفعل الأجانب مع كبار كتابهم، ولكننا مقصرون في حقه هو وطه حسين والعقاد فهؤلاء مفاخرنا الحقيقيون ويجب أن نحافظ على تراثنا الحديث الحي.”

وعن رؤيته للدور الحقيقي للمثقف يقول إن “دور المثقف هو أن يقول الحق وأن يبشر بما يرى وأن يحذر بما يخشى لأنه في وضع يجعله يرى ما لا يراه الآخرون، فالصحافي على سبيل المثال يرى ما يحدث اليوم فهو يكتب لجريدته ما يحدث اليوم ولا يتنبأ بما سيحدث بعد عشر سنوات ولا يكتب عما حدث بالأمس فهذا تاريخ، ولكنه يكتب عن ‘الآنية وهي المعيار الحقيقي للصحافة’ والإنسان العادي، أما الأديب فينظر إلى الأمور بنظرة عميقة وثاقبة ومن منظوره العلوي الشامل ومن هنا كانت التنبؤات التي تأتي في الأدب والتحليل الحقيقي للواقع الذي يحيط بنا ومن ثم الرؤية السليمة لتاريخنا حين يعالجه الأديب في رواية أو مسرحية أو غير ذلك.”

وعن علاقته بالكاتبين الكبيرين نجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل، خاصة وأنه ظل لسنوات عديدة يكتب الحديث الأسبوعي لنجيب محفوظ في “الأهرام” بعد تأثر يده اليمنى بمحاولة اغتياله، يقول سلماوي “في الحقيقة كنت سعيد الحظ باقترابي من عدد كبير من الشخصيات الكبيرة التي تمثل قيمة فريدة في تاريخنا من نجيب محفوظ إلى محمد حسنين هيكل وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وأستاذي في الجامعة وأستاذ الأدب الإنجليزي رشاد رشدي ولويس عوض، وكل منهم ساهم في تشكيل جانب من شخصيتي ورؤيتي، وأثروا في عملي الصحفي أو الأدبي، وبالنسبة إلى محمد حسنين هيكل فأنا مدين له بتكويني الصحفي بالكامل لأنني انتقلت إلى ‘الأهرام’ من الجامعة، حيث كنت معيدا في الجامعة أُدرس الأدب الإنجليزي ولم أمارس الصحافة.”

الرواية تأتي في المرتبة الأولى من قائمة النشر ثم القصة القصيرة والشعر يعانيان والمسرح قد يكون غير موجود

وبشأن ترجمته لرواية “الأمير الصغير” درة أعمال الفرنسي أنطوان دو سانت أكزوبيري، يقول سلماوي “هناك بعض الكتب التي أثرت في الأدب العالمي، منها رواية ‘الأمير الصغير’ ويقال إنها باعت ما لم تبعه أي رواية أخرى في التاريخ الإنساني وأنا وجدت أن أحداث هذه الرواية نابعة من مصر فترجمتها من منظور أن أحداثها وقعت في مصر، وكتبت لها مقدمة دراسية توضح هذه الصلة مع مصر.”

وعن الكثير من المخاوف التي ترتبط بكتابة الأدباء لسيرهم الذاتية وكيف وجد سلماوي تجربة كتابة سيرته الذاتية، يقول “لم أكن أنوي كتابة سيرتي الذاتية ولكن جريدة ‘الأهرام’ كانت تحتفي بذكرى مرور 135 على صدورها فطلبوا مني كتابة صفحة كاملة عن الدور السادس بالجريدة لأنني كنت على علاقة جيدة بسكان هذا الدور توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وزكي نجيب محمود وبنت الشاطئ ولويس عوض ولطفي الخولي، فكتبت تأريخا لهذا الدور وهؤلاء السكان وعلاقتي بهم فطلبت مني دار الكرمة أن أكتب مذكراتي فبدأت أكتبها.”

ويضيف “التزمت فيها بعدة معايير أولها الدقة في ما أقوله فلم أذكر واقعة دون دليل أو مستند أو صورة فوتوغرافية، والثاني التواضع في ما أذكره من مواقف فأسلوب السرد كان فيه قدر من السخرية من الذات في بعض المواقف، والمعيار الثالث كان الصدق مع النفس في كل ما أقوله وأعتقد أن هذه المعايير كانت هي السبب في نجاح المذكرات، فضلا عن أنني وجدت العنوان البليغ الذي يعبر عن هذه المعايير وخاصة عنصر التواضع وهو عنوان ‘يوما أو بعض يوم’، وهو ما يعني أن الحياة الطويلة التي أسرد تفاصيلها ما هي في النهاية عند الله إلا يوم أو بعض يوم.”

وعن طقوسه الخاصة في الكتابة يقول محمد سلماوي “الكتابة عملية تركيز وليست عملية تغييب، ليست لدي طقوس ولكن لدي متطلبات معينة، فلا بد من الجلوس على مكتبي في هدوء وأن يكون المكتب مرتبا ويجب أن أكون وحدي وفي صمت، وأفضل وقت للكتابة بالنسبة إلي هو الليل.”

12