محمد حسن لا يزال هنا

يبقى محمد حسن عنوانا خالدا للفن الغنائي ورمزا أصيلا للموسيقى في ليبيا، سواء كملحن متمكّن من أدواته ومتجذرا في خصوصيات الإيقاعات والأنغام المحلية، أو كصوت يشعرك وكأنه نخلة تغنّي على امتداد الصحراء الشاسعة، وتتراوح بين السواحل والجبال والأودية من غرب البلاد إلى شرقها فجنوبها.
تمرّ اليوم الذكرى السادسة لرحيل فنان الخيمة في السابع عشر من ديسمبر 2017، عندما غادرنا تاركا وراءه رصيدا ثريا ومتنوعا من الأغاني والأناشيد والقصائد والملاحم التي أحدث من خلالها ثورة حقيقية في مجال الموسيقى في ليبيا، والتي لا تزال تشنّف الآذان وتلامس الروح وتغذّي الوجدان وتحترم العقل وتنشر من حولها عبق التراث العريق بذبذبات صوت عرف كيف ينسج لنفسه عباءة الاحترام والبقاء في ذاكرة شعبه وأمته.
محمد حسن لا يزال هنا… وذلك وعد الفنان الحق الذي يرحل جسدا وتبقى روحه صوتا يغني ونغما يتردد على لسان الوجود
ومحمد حسن الشبلي من مواليد العام 1946 بمدينة الخمس الساحلية الواقعة إلى الشرق من العاصمة طرابلس بحوالي 135 كيلومترا، وهناك تلقى تعليمه الأول، قبل أن يتجه إلى بنغازي حيث واصل دراسته الثانوية والتحق بمدرسة الصحة ليتخرج منها ممرضا، لكن عشق الفن كان يسيطر على حواسه ومشاعره، فطرق باب الإذاعة في العام 1961، وانضم إلى المجموعة الصوتية لفرقتها الموسيقية، وبدأ في تشكيل تجربته من بنغازي ضمن فرقة الفنان وأستاذ المألوف حسن العريبي، الذي كان بدوره مقيما في بنغازي حيث كان يعمل كموظف في وزارة المواصلات.
وفي أواخر الستينات من القرن الماضي، بدأ محمد حسن في الظهور كمطرب وملحن، لتتشكل ملامح تجربته من خلال جملة من الخصوصيات من بينها التركيز على اختيار الكلمات الراقية والعميقة وذات الصور الرائعة والبليغة، حيث تعامل مع شعراء كبار كعبدالسلام زقلام وفضل المبروك وسليمان الترهوني وصولا إلى عبدالله منصور وعلي الكيلاني ومحمد الفيتوري، وكذلك من خلال استغراقه في التراث والتعامل معه بحب كبير والاستلهام من نسيجه العبقري، مستفيدا من تنوع النغمات والإيقاعات وأساليب الأداء والحركة واستعادة طقوس الأغنية ومفرداتها وصورها وما وثّقته من عادات وتقاليد.
وثّق محمد حسن أهم الأحداث السياسية والاجتماعية التي عرفتها بلاده والمنطقة العربية منذ بداية سبعينات القرن الماضي وحتى أحداث 2011 وما تلاها من انقسام بين الليبيين ما دفع به إلى دعوتهم إلى المصالحة، فكان بذلك مرآة للظروف التي رافقت مسيرته، وكان صوتا لمرحلة تميزت بالكثير من التحديات والرهانات والمواجهات والانتصارات والانكسارات، وعندما أعلن عن وفاته قبل ست سنوات، أحسّ الليبيون بأن صفحة مهمة من تاريخ بلادهم الحديث قد طويت إلى الأبد، ثم أدركوا لاحقا أن صفحة محمد حسن كشخص عادي قد تكون طويت، ولكنّ فنه باق ليعيش معهم أفراحهم وأتراحهم وأحلامهم وآلامهم ويسافر معهم في “رحلة نغم” بين “النجع” و”الواحة” مستذكرا “سيرة أولاد هلال” في ظل “مجاريد الفرح”، فمحمد حسن لا يزال هنا… وذلك وعد الفنان الحق الذي يرحل جسدا وتبقى روحه صوتا يغني ونغما يتردد على لسان الوجود.