محمد حسن عبدالله: الفكر العربي يفتقر إلى الخيال والبصيرة النقدية

في أحدث أعماله “منافذ إلى الماضي المستمر.. دراسات من القلق الثقافي” الذي صدر مؤخرا في القاهرة، يسلط محمد حسن عبدالله الضوء على مساحات من تاريخ الحضارة المصرية.
ويوضح عبدالله أن الكتاب عبارة عن مجموعة دراسات من القضايا التاريخية عالقة بالوجدان المصري رغم استمرار الزمن إلا أنها لم تحسم وتظل نقطة قلق في التاريخ يمكن اعتبارها نبشا في المناطق القلقة في التاريخ التي لم تُحسم والتي كان ينبغي أن تحسم.
ويعد محمد حسن عبدالله، أستاذ البلاغة والنقد الأدبي، من أبرز الأسماء النقدية في مصر، يلقبه تلاميذه بـ”شيخ النقاد”، تجاوزت مؤلفاته الستين مؤلفا في النقد، ومن أبرز أعماله “الحب في التراث العربي”، “الصورة والبناء الشعري”، “الواقعية في الرواية المصرية”، “الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ”، وغير ذلك من الأعمال النقدية اللافتة التي استطاع من خلالها أن يظل متابعا للحركة الإبداعية في مصر ودول عربية أخرى منذ ما يقرب من ستين عاما.
ويقول عبدالله في مقدمة كتابه “الحقيقة التاريخية صعبة المنال، وربما مستحيلة، ولكنها تستحق كل ما ينبغي أن يبذل في سبيل الكشف عنها، ورفض الاقتناع الجاهز، والحد الفاصل بين الأبيض والأسود، واختيار البطل الفرد لكل زمان، وكأن العصر لا يتسع لغير واحد، وإسباغ المثالية على الشخص التاريخي وكأنه المعشوق في قلب العاشق”.
ويُبيّن عبدالله أن ما دفعه للبحث والتنقيب في التاريخ هو انشغاله بمثل هذه القضايا وعشقه للمعرفة والتكامل الثقافي الذي ينبغي أن يسعى إليه كل مثقف، لافتا إلى أنه يعمل في الوقت الراهن على إعداد الطبعة الثانية من كتابه “أساطير عابرة الحضارات” والذي يصل من خلاله إلى التأكيد على وحدة الثقافة الإنسانية.
صالون ثقافي
أسس عبدالله واحدا من أقدم وأهم الصالونات الثقافية في مصر، كما أن له كتابا بعنوان “الصالونات الثقافية وفاعلياتها في الوعي العام” يناقش دور تلك الصالونات وتأثيرها، وذلك في بعدها التاريخي والراهن، راصدا التحولات التي طرأت عليها.
نقد النقد في الثقافة العربية يعد بمثابة قدح الأحجار لتوليد الشرارات، حيث لا طا ئل من ورائه حين يقوم به غير المختصين
ويروي عبدالله في حديثه مع “العرب” بدايات صالونه الثقافي الذي لا يزال مستمرا حتى الآن بقوله “كنت أعمل أستاذا في جامعة الكويت لمدة تزيد عن عشرين عاما، ثم عدت إلى مصر وعملت بالانتداب أستاذا في كلية الألسن، وبعدما انقطعت عن العمل. كان العديد من طلابي قد تعلقوا بي وبدأوا يترددون على منزلي، وعندما تكرر الأمر قررت تنظيم تلك الزيارات لتكون في الجمعة الأخيرة من كل شهر، من هنا بدأ الصالون الذي لم يختل جمهوره طوال تلك السنوات رغم أن الكثيرين قد وافتهم المنية”.
ويشير عبدالله إلى أن النقد الأدبي عنده وسيلة للتنوير وليس بهرجة ثقافية وادعاء للمعرفة، فالناقد في رأيه وسيط بين المبدع والمتلقي، ويملك من المعرفة المتنوعة ما يجعله أقدر على فهم أسرار الإبداع وتهيئة هذه الأسرار لتتحول إلى معرفة مستقرة في وجدان القارئ، لكنه أيضا مشغول بأهداف الإبداع ووسائله وقضاياه وعلاقته بمجتمعه والقوى المتناحرة في زمانه. وأجمل ما يكون ذلك حين يغادر التجريد إلى التطبيق.
ويتابع عبدالله “في كتابي ‘أساطير عابرة للحضارات’ عرَّفت بمن كتبوا عن اليوتوبيات. ووجدت أن المدينة الفاضلة غير موجودة في الفكر العربي لأنه ليس لديه قلق؛ فاليوتوبيا تأتي من تمرد الأديب على الواقع والسعي لتغييره وشطح أحلامه إلى مدينة متخيّلة. الفكر العربي ملتصق بالواقع ومنغمس فيه وليس لديه بصيرة نقدية أو خيال طامح، كما أنه مرتبط بالحكام بشكل كبير”.
|
ويؤمن عبدالله بأن الواقعية هي أساس الأدب، ومن ثم جاء اختياره لموضوع دراسة الدكتوراه من قبل عن “الواقعية في الرواية المصرية”، فالأدب برأيه مرتبط بمدى تعبيره عن حياة الكاتب وزمانه وعصره وإن اختلفت أداوت التعبير، لافتا إلى أن الأدب لن يستطيع مغادرة منطقة الواقعية.
وفي الوقت الذي يتراوح فيه النقد الأدبي ما بين النقد الصحافي الذي تغلب عليه الانطباعية وذلك الأكاديمي المنغلق على ذاته، يرى عبدالله أن أكثر النقد في الصحف موجه إلى استرضاء البعض واستعداء البعض الآخر، أما النقد الأكاديمي فينحصر في حدود الترقية للوظائف الأكاديمية ولا يعنيه كثيرا أن يخرج من قراءته لإضاءة ذات قيمة لواقع الحياة الأدبية العربية.
ويرجع عبدالله بدايات تلك الأزمة إلى تعثر الشكل الفني عموما، موضحا “كان تعثّر الشكل الفني للقصيدة العربية، وتحديدا ظهور قصيدة النثر، خطوة في تعميق هذا الاتجاه لدى النقاد خصوصا لدى الشعراء، فإذا كان الشاعر يكتب ما يريد غير عابئ بأن يصل ما يكتبه إلى القراء، فإن الناقد من حقه أن يكتب أيضا ما هو غير مفهوم”.
ديوان العرب
لماذا تراجعت القصيدة العربية وتقدمت الرواية؟ يجيب عبدالله “الشعر أطلق عليه عبدالله بن عباس صفة ‘ديوان العرب’، إذ كان يستعين بالشعر في تفسير القرآن باعتباره سجل الثقافة الإنسانية. في الوقت الحالي لا نجد شعرا يعبر عن حياة وسيكولوجية ومجتمع العرب بل انطوى على ذاته وصار معبّرا عن حالات فردية ولحظات شاردة غير مقبولة في الكثير من الأحيان، ومع ذلك نجد من النقاد من يحتفي به”.
ويستطرد عبدالله “الشعر أسلم شعلة ‘ديوان العرب’ إلى الرواية التي صارت عن جدارة تستحق هذه الصفة؛ فعندما أقرأ روايات لنجيب محفوظ أو حنا مينا أو سهيل إدريس أستطيع أن أرى ملامح مجتمعهم وعصرهم بالفعل، أما حين تقرأ كلاما لا يخص سوى صاحبه وغارق في الفردية من الصعب أن تطلق عليه هذه الصفة”.
وماذا عن الإبداعات الروائية الحديثة؟ هل مع هذا الانفجار السردي نستطيع أن نجد أعمالا على مستوى أعمال كبار الكتاب الذين تحدثت عنهم؟ يجيب عبدالله “هناك أعمال لكتاب شباب فيها قدر كبير من الابتكار، يمكننا القول بوجود أعمال لافتة من حيث الابتكار لكنها ليست على نفس قدر الذيوع والشهرة في تجارب كبار الكتاب”.
وانتقالا للحديث عن أسباب عدم وجود نظرية نقدية عربية وعدم سعي النقاد العرب إلى ذلك على رغم إمكانية الاستفادة من التراث العربي في ذلك، يفيد عبدالله بأن النقاد العرب لا يزالون مغرمين بالنقد الغربي، لكن البحث في الحداثة ليس نقيضا للتراث الذي توجد به عناصر جيدة، ويمكنه أن يكوّن نظرية متوازية أو متداخلة معه.
ويرى محمد حسن عبدالله أن نقد النقد في الثقافة العربية يعد بمثابة قدح الأحجار لتوليد الشرارات، وحين يقوم به أشخاص ليسوا على مستوى النقاد أصحاب الفكر تتحول المسألة إلى إثارة للقلق وجدال لا طائل من ورائه.