محمد الفاضل بن عاشور نقطة التقاء بين تونس والمغرب

كتاب جماعي يستعيد أهم منجزات الراحل ويكرس التقارب الثقافي بين البلدين.
الخميس 2022/04/28
المشترك بين تونس والمغرب ليس مجرد ذاكرة

نظمت سفارة المملكة المغربية بتونس أخيرا لقاءاً تقديميا لكتاب “محمد الفاضل بن عاشور.. عنواناً للمشترك الثقافي المغربي التونسي”، الذي يمثل الإصدار الرابع لمنشورات السفارة، في إطار سلسلة “غبطة الجوار” التي تحتفي بالمشترك الثقافي والتاريخي المغربي – التونسي، ويأتي هذه المرة تخليداً للذكرى الثانية والخمسين لرحيل العلامة والشيخ التونسي محمد الفاضل بن عاشور.

تونس- شهد لقاء الاحتفاء بكتاب “محمد الفاضل بن عاشور.. عنواناً للمشترك الثقافي المغربي التونسي”، الذي نظمته السفارة المغربية بتونس أخيرا، مداخلتين لكل من السفير المغربي حسن طارق والدكتور رافع بن عاشور، ابن الشيخ الراحل والسفير السابق لتونس في المغرب، حيث أكد كلا المتدخلين على ما مثلته مسيرة الشيخ محمد الفاضل من دلالات على عمق الروابط الثقافية بين المغرب وتونس.

“محمد الفاضل بن عاشور.. عنوانا للمشترك الثقافي المغربي التونسي” كتاب جماعي أول رصد أهم محطات حياة العلامة التونسي وتأثيره الثقافي والفكري في المنطقة المغاربية.

روابط فكرية

أبرز حسن طارق أن هذا الإصدار الجديد هو “تحية عطرة لروح الفقيد العلامة محمد الفاضل بن عاشور (1909 – 1970) باعتباره رمزا فذا للمشترك المغربي التونسي”.

وبعد أن ذكّر خاصة بالتقارب بين نموذجي الدولتين الوطنيتين بتونس والمغرب، وقبل ذلك التقارب في المرجعيات الثقافية للحركتين الوطنيتين وفي التراث الإصلاحي المغربي والتونسي الذي عرف دائما تقاطعات ونقاط التقاء كبيرة، اعتبر السفير المغربي في كلمة خلال تقديم الإصدار أن هذا المشترك بين البلدين “ليس مجرد ذاكرة وتاريخ بل إنه نساء ورجال أيضا”.

◙ سلسلة "غبطة الجوار" تحتفي بالمشترك الثقافي والتاريخي المغربي – التونسي
سلسلة "غبطة الجوار" تحتفي بالمشترك الثقافي والتاريخي المغربي – التونسي

ويجسد الراحل محمد الفاضل بن عاشور، وفق السفير، هذا المشترك لعدة اعتبارات؛ منها مسيرته الفكرية والدينية والفقهية التي كان المغرب حاضرا فيها، فكما “يستحضر من خلاله التونسيون العلامة والفقيه المستنير والمثقف الملتزم والمناضل الوطني، يحتفظ له المغاربة بكثير من الذكرى الطيبة لحضوره اللافت لدى النخب العلمية الفقهية والدينية بالمغرب”.

وينتمي محمد الفاضل بن عاشور إلى عائلة تونسية متمدّنة اشتهرت بتعطّشها إلى العلم والمعرفة. وكان والده الشّيخ محمد الطاهر بن عاشور (1879 – 1973) من كبار علماء جامع الزيتونة ومن ألمع فقهائه.

وما من رجل دين في تونس خلال النصف الأول من القرن العشرين جمع خصالا كثيرة دينيّة وأخلاقيّة وسياسيّة وإنسانيّة جعلت منه الشيخ الوقور مسموع الكلمة والرأي والنصيحة في شؤون الدنيا والدين مثلما كان حال الراحل محمد الفاضل بن عاشور، الذي خلافا لوالده الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الذي نذر حياته للبحث والتّأليف، خيّر أن يكون انتصاره للإصلاح والتحديث لا نظريّا فقط، بل عمليّا أيضا. لذلك لم يتردّد في المشاركة الجادّة في النّضال الاجتماعي والسياسي والثقافي منذ سنوات شبابه الأولى، وانطلاقا من عشرينات القرن الماضي، لنجده مشاركا في أهمّ النشاطات السياسيّة والثّقافيّة لا على المستوى الوطني فحسب بل وحتى مغاربيا وعربيا.

وعندما حصلت تونس على استقلالها عام 1956 ناصر الشيخ كلّ إجراءات الإصلاح التي اتخذت لتحرير المرأة من قيود الماضي وتعميم التعليم ومواكبة التطوّر وحضارة العصر، أفكار انعكست على محيطه ولاقت رواجا وانتشارا كبيرين خاصة في المغرب.

وبعد أن ذكّر طارق بـ”الحظوة الخاصة والتقدير البالغ” اللذين حظي بهما الشيخ التونسي في المغرب بيّن أن العلامة محمد الفاضل بن عاشور “في الذاكرة المغربية امتداد متألق للأصول الأندلسية المغربية لبيت آل ابن عاشور، وتجسيد لشغف مغربي أصيل، ونسيج خاص من الروابط الفقهية والعلمية مع الفقهاء وعلماء الدين المغاربة”.

المغربي - التونسي

◙ التاريخ يحتفظ للشيخ الراحل بصورة المناضل الوطني والفقيه العالم والمثقف المستنير والخطيب المفوه
التاريخ يحتفظ للشيخ الراحل بصورة المناضل الوطني والفقيه العالم والمثقف المستنير والخطيب المفوه

أشار طارق إلى أن التاريخ يحتفظ للشيخ الراحل بـ”صورة المناضل الوطني والفقيه العالم والمثقف المستنير والخطيب المفوه، صاحب الحضور اللافت في أعلى مناصب العلم والقضاء والإفتاء، سليل العائلة العالمة والبيت العريق وابن المفسر المجدد والمصلح الكبير محمد الطاهر بن عاشور رائد المقاصدية ومؤلف ‘التحرير والتنوير'”.

وخلص إلى أننا “مدينون لهذه القامات الكبرى التي طرحت، في وقت مبكر، أسئلة مازالت تجابهنا في أزمتنا السياسية والثقافية والفكرية”.

ومن جهته اعتبر ابن الراحل رافع بن عاشور (سفير سابق لتونس بالرباط) أن الشيخ الراحل كان يعتبر نفسه “مغربيا تونسيا مغاربيا”، موضحا في تصريح له أن صلته بالمملكة المغربية كانت “متميزة جدا”.

وأبرز أن أصول علاقة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور بالمملكة ضاربة في القدم نظرا إلى أصوله الأندلسية – المغربية لعائلة بن عاشور، مؤكدا أن هذا يوضح تعلق الشيخ محمد الفاضل بن عاشور بأصوله المغربية وبأرض أسلافه التي زارها عشرات المرات بداية من سنة 1944 حتى 1969 قبيل وفاته بأشهر، حيث كان كثير التردد على الجامعات المغربية لاسيما القرويين بفاس.

◙ الكتاب احتفاء بقامة كبرى طرحت مبكرا أسئلة مازالت تجابهنا في أزمتنا السياسية والثقافية والفكرية

وتحدث عن علاقة والده بالعائلة العلوية، خاصة علاقته بالملك الحسن الثاني، سواء لما كان يشارك في الدروس الحسنية الرمضانية أو أثناء زياراته إلى المملكة ضمن الوفود الرسمية التونسية.

ويشتمل المؤلف، بالإضافة إلى نص تقديمي لرافع بن عاشور، على مقدمة علمية للباحث في الآداب والحضارة الإسلامية محمد الكحلاوي، وعلى دراستين تتعلق الأولى بمقال للراحل الشيخ محمد الفاضل بن عاشور تحت عنوان “فاس من خلال المخطوطات التونسية”، والثانية للباحث عبدالكريم محمد، وهي في الأصل تقديم شامل لكتاب الراحل المعنون بـ”المحاضرات المغربيات”، والذي كانت قد أصدرته الدار التونسية للنشر، مجمعة من خلاله النصوص الكاملة للمحاضرات السبع التي كان قد ألقاها الشيخ محمد الفاضل بن عاشور في المغرب بين عامي 1966 و1968.

ويشتمل الإصدار، المزين بصور نادرة للشيخ محمد الفاضل، كذلك على ملحق يضم نسخة من شهادة للراحل تحت عنوان “لقد كان لي الشرف بمعرفة ثلاثة سلاطين أشراف”.

ويعتبر “محمد الفاضل بن عاشور.. عنوانا للمشترك الثقافي المغربي التونسي” الإصدار الرابع لسلسلة “غبطة الجوار” التي تصدرها سفارة المملكة بتونس بعد “طريق المحبة… وشائج التصوف بين المغرب وتونس” و”نعيمة سميح أثرا تونسيا” و”غبطة الحوار.. شهادات متقاطعة لمثقفين من المغرب وتونس”.

 

13