محمد الخياري يقدم كوميديا مغربية معاصرة تمزج بين الفكاهة والرسائل الاجتماعية

الرباط- يعد محمد الخياري من أبرز الأسماء التي حفرت لنفسها مكانة خاصة في عالم الكوميديا المغربية الشعبية، إذ يتميز بأسلوب فريد يمزج بين البساطة والعفوية، مستلهماً روح الثقافة البدوية المغربية الأصيلة، وهذا الأسلوب ليس مجرد طريقة لإضحاك الجمهور، بل هو انعكاس لهوية ثقافية عميقة ترتبط بالوجدان الشعبي المغربي وغالبا ما يجعله قريباً من قلوب المشاهدين الذين يجدون في أعماله صدى لحياتهم اليومية وتجاربهم الواقعية.
ويتسم أسلوب محمد الخياري الكوميدي ببساطته الممتزجة بالذكاء، فهو قادر على تحويل التفاصيل اليومية البسيطة إلى لحظات فكاهية مليئة بالسخرية والتأمل، حيث تعتمد أعماله على المواقف المألوفة التي يعيشها المغاربة في حياتهم، ويُبرز من خلالها شخصيات تبدو كأنها جزء من ذاكرة المشاهد، وهذا الأسلوب يكشف عن وعي عميق بالواقع الاجتماعي والثقافي، حيث يستطيع الخياري أن ينسج حكايات ضاحكة تعبر عن نبض الشارع المغربي دون أن تسقط في فخ الابتذال أو المبالغة.
خصوصية فنية
ما يميز الخياري عن غيره هو ارتباطه الواضح بالثقافة البدوية المغربية الأصيلة، هذا الارتباط يظهر جلياً في استخدامه للغة البدو، التي تعد جزءاً من التراث الشعبي، وفي استحضار أجواء أغاني مسناوة كفلتات حوارية تعبر عن ميله المغربي، هذه الاختيارات أدوات فنية لإضفاء النكهة الكوميدية وتحمل في طياتها رسالة ضمنية تؤكد أهمية الحفاظ على التراث الثقافي المغربي في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها المجتمع. وحضور هذه العناصر في أعماله يسهم في خلق شعور بالألفة والانتماء لدى المشاهدين، ويعكس التزام الخياري بتمثيل روح المغرب الأصيل.
بدأت رحلة الخياري الفنية ضمن إطار العمل الجماعي حيث انضم إلى فرقة البدوي المسرحية، ثم فرقة مسرح الحي، التي تركت بصمتها على مشواره الفني، من خلال هذه التجارب تعلم الخياري قواعد الأداء الجماعي، وهو ما ساهم في صقل موهبته وتطوير أسلوبه الخاص، وبعد تفكك فرقة مسرح الحي استطاع أن يستثمر تجربته الجماعية في تأسيس مشروعه الخاص “المسرح البسيط”، الذي واصل من خلاله تقديم أعمال تعكس هموم المواطن البسيط وقضاياه اليومية، وهذه النقلة النوعية أكدت قدرته على الجمع بين الأداء الفردي الجاذب وروح العمل الجماعي المنسجم.
التحق الخياري بفرقة مسرح الحي التي كانت تعتمد أساساً على البطولة الجماعية، وكان للعربي باطما الفضل في التحاقه بالفرقة. بعد مشاركته في مسلسل “كواليس” و”جنب البير” شارك الخياري مع الفرقة في أربع مسرحيات هي: “العقل والسبورة”، من كتابة العربي باطما، و”حسي مسي” و”شرح ملح” و”حب وتبن”، قبل أن تتفكك الفرقة، وبعدها أسس الخياري مع زميله السابق عبدالخالق فهيد فرقة مسرحية تحت اسم “المسرح البسيط”، ومن أبرز عروضها مسرحية “فوق السلك”.
ويعرف أسلوب محمد الخياري بقدرته على المزج بين الفكاهة والرسائل الاجتماعية مثل دوره في مسرحية “فوق السلك”، حيث نجده يضحك المتابعين بينما يعكس واقعهم اليومي بسخرية، وهذا المزج بين الكوميديا وقضايا المجتمع يبرز وعيه بأن الفن وسيلة للترفيه وأداة للتعبير والتغيير مع الحفاظ على روح المرح والتسلية بينما حفاظه على هويته الأصيلة التي تنبض بروح البادية المغربية رغم أنه من أبناء البيضاء الكبار، فكل حركة يقوم بها وكل نكتة يلقيها وحتى اختياره لشخصياته تعكس تجربة كوميدية متجذرة في ثقافته، وهذا الالتزام بالهوية جعل منه رمزاً للكوميديا المغربية، وشخصية قريبة من قلوب الجمهور، سواء داخل المغرب أو خارجه.
ابن البيئة الشعبية
شهدت تجربة محمد الخياري على شاشة التلفزيون محطة فارقة في مسيرته، حيث انتقل باجتهاد من المسرح إلى التلفزيون ليصل إلى جمهور أوسع، وهذا التحول أتاح له فرصة التعبير عن رؤيته الكوميدية بوسيلة جديدة، ومنحه انتشارًا كبيرًا، إذ تألق في العديد من الأعمال الكوميدية التي استطاعت أن تحفر اسمه في ذاكرة الجمهور، بينما نجد أنه لعب دورًا هامًا في لجان تحكيم برامج اكتشاف المواهب الكوميدية، مثل برنامج “كوميديا”، الذي كان بمثابة نافذة فسحت المجال لجيل جديد من الكوميديين الشباب الذين يكتسحون الشاشة الآن، ورغم الانتقادات التي وجهت إليه بسبب مشاركته في لجنة التحكيم إلا أن الخياري دافع عن أهمية وجود فنانين ذوي خبرة في مثل هذه البرامج، وكان يقدم نصائح بنّاءة للمشاركين مشددًا على أن النجاح يتطلب مزيجًا من الموهبة الفطرية والعمل الجاد لتطوير الذات.
وتتسم شخصية محمد الخياري بتوازن واضح بين الرؤية الفنية والبساطة الإنسانية بصفته ابن البيئة الشعبية المغربية، نجح في تقديم صورة صادقة لمجتمعه، عكس فيها ثقافته وعاداته وهمومه بأسلوب معقول، حيث لم تكن كوميدياه مجرد نكتة أو دعابة عابرة، بل كانت مرآة تعكس قضايا المجتمع وهمومه اليومية، وأضاف إلى ذلك لمسة فنية تعبر عن حلول بسيطة ومباشرة لمشاكل الحياة، ما خلق له فئة من الجمهور المغربي تحترمه وتقدر فنه.
ولعل من أهم ما يشكل أسلوب الخياري الكوميدي هو ارتباطه القوي بالواقع، فلم يقع في فخ المبالغة أو الابتذال الذي يمكن أن يُفقد الكوميديا صدقيتها، لكنه استطاع أن يبني شخصية فنية متفردة تجمع بين خفة الظل والقدرة على التأثير العاطفي على الجمهور، ويتجلى ذكاؤه الفني في اختياراته للموضوعات التي يتناولها، حيث يحرص دائمًا على أن تكون ذات صلة بحياة الناس وقضاياهم وقريبة من معيشتهم.
رمز الكوميديا
لطالما حرص محمد الخياري على تقديم أدوار كوميدية تحمل رسائل اجتماعية هادفة، سواء في أعماله المسرحية أو التلفزيونية، وكان يثير تساؤلات الجمهور حول موضوعات مثل العدالة الاجتماعية والفقر والتعليم والقيم الأسرية، وتناولت مسرحياته قضايا مثل الصراع بين الأجيال والبحث عن الهوية في ظل التحولات السريعة التي يشهدها المجتمع، أما في أعماله التلفزيونية فقد أظهر شخصية الرجل البسيط الذي يكافح من أجل حياة كريمة.
لم تكن رحلته الفنية خالية من التحديات فقد انطلق من بيئة متواضعة في الدار البيضاء وواجه صعوبات مالية ومهنية في بداياته، واستطاع تحويل هذه التحديات إلى دافع للنجاح، وواصل مسيرته بعزيمة وإصرار حتى في مرحلة الشهرة، ولم يسلم من الانتقادات أو الخلافات، خاصة فيما يتعلق برؤيته الفنية ومشاركته في لجان التحكيم، لكنه ظل وفيًا لمبادئه مؤكدًا أن الفن رسالة تحتاج إلى الصدق والجرأة.
يُعد اليوم محمد الخياري رمزًا للكوميديا المغربية الشعبية وشخصية ملهمة تعبر عن هموم الناس بطريقة تجمع بين الفكاهة والجدية والبساطة. بفضل موهبته وإصراره على تقديم الأفضل أصبح نموذجًا يحتذى به للأجيال الصاعدة من الفنانين. لم تكن مسيرته مجرد قصة نجاح فردي، بل هي درس في كيفية تحويل الشغف إلى قوة دافعة، وكيف يمكن للفن أن يكون جسرًا للتواصل بين مختلف فئات المجتمع، فقد شارك في أفلام مثل “المطرقة والسندان” و”الباندية” و”طاكسي بيض” و”بورن آوت” و”مسعود سعيدة وسعدان”.
أما في التلفزيون فقد كان له حضور قوي في مسلسلات متميزة، مثل “ستة من ستين” و”خمسة وخميس” و”راضية” و”طريق المجهول” و”عيش نهار تسمع خبار” و”السراب” و”الكذيذيب” و”موعد مع المجهول” و”سير حتى تجي” و”الشاوش” و”خالي عمارة” و”يوم مايشبه يوم” و”مبارك ومسعود” و”الكيشي” و”لفهايمية” و”الزين في 30″ و”لكم واسع النظر” و”حياة جديدة” و”لوبيرج” و”ولد صفية” و”اليتيمة” و”الخاوة” و”لوزين” و”حي البهجة” و”إسعافكوم” و”البهجة ثاني” و”الكوبيراتيف” و”لعبة الخيانة” و”كلنا مغاربة” و”زنقة السعادة” و”زطاط” و”ديرو النية” و”الروصيطة”، بينما نجده في المسرح قدم العديد من المسرحيات الناجحة مثل “العقل والسبورة” و”حسي مسي” و”شرح ملح” و”حب وتبن”، كما قدم عرضًا منفردًا بعنوان “كم نحن كنتمحنو”، الذي لاقى استحسان الجمهور المغربي.

◄ التلفزيون محطة فارقة في مسيرته