محاولات لتشخيص أسباب ارتفاع العنف في صفوف الأطفال التونسيين

عدم فهم التحولات القيمية لدى الشباب والأطفال يخلق صداما مجتمعيا.
الاثنين 2021/12/13
العنف المسلط على الأطفال يساهم بدرجة أولى في التسرب المدرسي

يذهب علماء الاجتماع في تونس إلى ربط ارتفاع العنف في صفوف الأطفال بغياب الحوار داخل الأسرة، وسط عدم استيعاب للتحولات التي يعيشها الأبناء على مستوى القيم والمفاهيم. ودعا المختصون إلى ضرورة الإنصات إلى الشباب أو الأطفال داخل الأسرة ودعم التوعية والتحسيس حتى يتم استيعاب نزعتهم الفردانية.

تونس ـ يحاول أكاديميون ومختصون في علم الاجتماع في تونس تشخيص الأسباب التي تدفع الأطفال إلى أن ينخرطوا في دوامة العنف. وفي تشخيصهم، أرجعوا ذلك إلى غياب الحوار داخل الأسر وعدم فهم أولياء أمور الأطفال للتحولات في منظومة القيم التي يعيشونها، ما يخلق نوعا من الصدام بينهم.

ولفت محمد الجويلي المختص في علم الاجتماع، إلى غياب فهم واضح لدى بعض الأسر للتحولات التي يعيشها أبناؤهم، مؤكدا انتشار النزعة الفردانية لدى الشباب، ليكونوا أكثر انشغالا بالذات، فيصبون جام اهتمامهم على قيمتهم المعنوية ويمارسون أهدافهم ورغباتهم ويرفضون أي إهانات أو تجاهل أو عنف من الطرف المقابل.

وقال الجويلي “عادة ما تكون هذه التحولات التي يعيشها الفرد (الشباب أو الأطفال) في اتجاه معارض لمنظومة القيم الكونية للأسرة والمجتمع، مما يخلق تصادمات بين الفاعلين يؤدي إلى مربع العنف”. ونبه إلى أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية والأسرة غير قادرتين اليوم على فهم واستيعاب هذه التحولات التي يعيشها الأبناء في ظل مجتمع المعلومات والاستهلاك.

ودعا في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إلى ضرورة الإنصات إلى الشباب أو الأطفال داخل الأسرة وفي المؤسسات التربوية ودعم التوعية والتحسيس، حتى يتم استيعاب هذه النزعة الفردانية.

محمد الجويلي: التحولات التي يعيشها الأطفال تتعارض مع منظومة قيم الأسرة

وقالت آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، خلال كلمتها الافتتاحية لندوة بعنوان “العنف الأسري والعنف المجتمعي: أي علاقة؟”، “إن البيئة الأسرية تعيش اليوم صعوبات وظواهر تمس من استقرارها مما حولها من فضاء آمن إلى فضاء حاضن للعنف”، مشيرة إلى تنامي العنف الأسري حيث وردت على الوزارة منذ بداية سنة 2021 وإلى غاية شهر نوفمبر المنقضي أكثر من 6 آلاف مكالمة للتبليغ عن العنف، كان الزوج هو القائم بالعنف في 74 في المئة من الحالات الواردة منها ومثل الأطفال ضحايا في 12 في المئة من الإشعارات الواردة.

واستعرضت بلحاج موسى أسباب تنامي العنف في الوسط الأسري، والتي تعود أساسا، حسب تقديرها، إلى غياب ثقافة الحوار والنزعة الفردانية على حساب قيم المحبة والمودة وبروز أزمة قيم ألقت بضلالها على المجتمع تعود إلى تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية.

واعتبرت أنه رغم تحقيق العديد من المكاسب في مجال الأسرة إلا أن العنف الأسري مستشر بصفة ملحوظة، لافتة إلى أن جائحة كورونا عمقت من ظاهرة العنف الأسري وتسببت أيضا في تنامي معدلات فقر الأسر والبطالة وفقدان مواطن الشغل وتنامي التداين وهو ما أثر سلبا على الأسرة.

وجدّدت التزام الوزارة بنشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال التوجيه والتكوين، داعية إلى نبذ كل الاعتداءات المبنية على النوع الاجتماعي وتكاتف جهود مختلف الهياكل الحكومية وغيرها من أجل نبذ العنف.

من ناحيته، أفاد مندوب عام حماية الطفولة مهيار حمادي، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، بأن العنف المسلط على الأطفال يساهم بدرجة أولى في التسرب المدرسي، داعيا إلى إرساء ثقافة الحوار ونبذ العنف وإيلاء الأهمية اللازمة للأبناء بما يساهم في تعزيز شعورهم بالراحة النفسية والثقة.

وأشار خبراء علم الاجتماع والنفس إلى أن الصمت الأسري هو حالة يوجدها التباعد العاطفي والفكري بين الأب والأم والأبناء، وهذا ناتج بالطبع عن إسقاطات وإشكالات سلوكية ونفسية تتسبب بدورها بانعدام التفاعل الاجتماعي بين أفراد العائلة الواحدة مما يؤدي ذلك إلى الاختناق النفسي، ويدفع الأطفال إلى مربع العنف.

وقال الدكتور موسى مطارنة المختص في علم النفس “إن الصمت مشكلة تعانيها معظم الأسر اليوم، لذا لا بد من أن يفتش الوالدان عن طرائق لكسر ذلك السكون الذي يسيطر على حياتهم كعائلة عبر إيجاد أجواء أسرية دافئة وسوية فيها مساحة للحوار والنقاش والتفاعل وتبادل وجهات النظر برحابة صدر”.

Thumbnail

وأضاف أن ذلك يساعد في إنقاذ الجميع من حالة البؤس والكآبة والإحباط التي يرسخها الصمت بين جدران البيت، وبالتالي يسلبهم شعور السعادة والاطمئنان.

ووفق مطارنة، فإن الآباء والأمهات لديهم القدرة على إشاعة الفرح في شتى زوايا البيت وفي كل التفاصيل اليومية التي تجمع بينهم، وذلك له أهمية كبيرة في إبعاد الأبناء عن الانطوائية والعزلة حتى يكون باستطاعتهم مواجهة الحياة والانخراط مع الآخرين. ويؤكد أن الحوارات الأسرية يجب أن تكون قائمة على التنوع والتجديد وعدم اقتصارها فقط على الأمور المادية والطلبات ومن الضروري أيضا أن تدار هذه الأحاديث بهدوء واحترام وتفهم للأطراف الأخرى مع السماح للجميع بالتعبير عن آرائهم وأنفسهم.

كما أن على قطبي الأسرة الأب والأم ترسيخ ثقافة الحب والمشاركة والانتماء والتضحية والمساندة لأن ذلك كله يقوي من عضد الأسرة واستقرارها وبقائها متماسكة.

وذهب المختص الاجتماعي الأسري مفيد سرحان إلى أنه وبالرغم من كل التغيرات، فقد وجد الكثيرون خلال جائحة كورونا ومع الإغلاقات ومنع التنقل وتوقف العمل، أن الأسرة هي الحصن والملجأ، وهذا يؤكد الأهمية الكبرى للأسرة.

مؤسسات التنشئة الاجتماعية والأسرة غير قادرتين اليوم على فهم واستيعاب التحولات التي يعيشها الأبناء في ظل مجتمع المعلومات والاستهلاك

وحتى تحقق الأسرة أهدافها، فلا بد من إدامة أواصر المحبة والألفة داخل الأسرة، وأن يكون التفاعل دائما ومستمرا بين أفرادها، وأن تسود فيها لغة الحوار لأنه المدخل الصحيح للتفاهم والإنجاز وتجاوز المشكلات، وهو الذي يقوي ويمتن العلاقات بين أفراد الأسرة.

وبين سرحان أن الحوار ينمي قدرات الأبناء على الحوار والنقاش ويغرس فيهم قوة المنطق والقدرة على التعامل النافع مع الآخرين، ويزيد من ثقتهم بأنفسهم ويساهم في بناء الشخصية، مما سينعكس إيجابا على علاقتهم مع الآخرين ويجعلهم أكثر قدرة على النجاح والإبداع.

وقال سرحان إن كثيرا من الأسر رغم اجتماعها تحت سقف واحد من حيث المكان، إلا أنها تعاني ضعف التواصل بين أفرادها والتباعد من حيث التفكير والاهتمامات، ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو عدم إدراك أهمية العلاقات الأسرية، ودورها الإيجابي على الجميع.

ويأخذ التباعد الأسري أشكالا متعددة، بحسب سرحان، منها الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، ومتابعة العلاقات الافتراضية مع الأصدقاء، حتى أن بعضهم يتواصل مع أفراد أسرته والمجاورين له في المكان من خلال هذه الوسائل، كما يتواصل مع أشخاص لا يعرفهم ولم يلتق بهم وتفصله عنهم مسافات كبيرة وربما في بلد آخر، وقد ينشغل بعضهم بمتابعة برامج التلفاز أو الألعاب الإلكترونية أو متابعة إنجاز بعض الأعمال الوظيفية.

17