محاولات قيس سعيّد لإصلاح القضاء تثير قلق الغرب

لم تنجح الرسائل التي وجهها الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى الداخل والخارج الثلاثاء في طمأنة الرافضين لمساعي حل المجلس الأعلى للقضاء حيث تتالت الدعوات لحث سعيّد على التراجع بشأن القرار
تونس - يواجه الرئيس التونسي قيس سعيّد ضغوطا لثنيه عن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء الذي أعلن عنه مساء السبت دون تنفيذ خطوة فعلية، حيث أصدرت دول مجموعة السبع بيانا عبرت فيه عن قلقها من القرار ما قد يتسبب في أزمة جديدة مع الغرب.
وعبّر كبار المانحين الغربيين لتونس الثلاثاء عن "القلق البالغ" إزاء إعلان الرئيس التونسي أنه قرر حل المجلس الأعلى للقضاء بعد أن حاز سلطات واسعة في العام الماضي في خطوة وصفها منتقدوه بأنها انقلاب.
وأعلن الرئيس التونسي يوم الأحد عن حل المجلس الأعلى للقضاء في خطوة قوبلت بترحيب داخلي، حيث اعتبرها البعض ضرورية لإصلاح القضاء الذي اتهموه خلال وقفة احتجاجية الأحد بالمماطلة في النظر في عدة قضايا من بينها الاغتيالات السياسية وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر واتهموه بالانحياز، في حين رفضها المجلس قائلا إنها غير قانونية ومحاولة لتقويض استقلال القضاء.
وقال يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء الثلاثاء إن الأعضاء يرفضون محاولة سعيّد لإغلاق المجلس وإنهم يناقشون بالبريد الإلكتروني الخطوات المقبلة للتصدي لقراره.
وقال سفراء دول مجموعة السبع الغنية لدى تونس في بيان إن "قيام قضاء مستقل ذي شفافية وفاعلية والفصل بين السلطات ضروريان لحسن سير منظومة ديمقراطية تخدم شعبها".

وتواجه تونس أزمة ضخمة في المالية العامة، كما تشكو بالفعل من نقص في بعض السلع مع تحذير حاكم البنك المركزي من انهيار مالي مثيل للانهيار المالي في فنزويلا أو لبنان.
وبينما بدأت تونس محادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل صفقة إنقاذ تعتبر ضرورية لتدفق مساعدات مالية أخرى، حث المانحون سعيّد على تبني صيغة إصلاحات شاملة.
وتعهد الرئيس التونسي بالحفاظ على الحقوق والحريات التي اكتسبها التونسيون بعد ثورة عام 2011 التي أطلقت الربيع العربي وحققت الديمقراطية لتونس، لكن خطواته الأخيرة زادت القلق في ما يتعلق باستمرار حكم القانون في البلاد.
وفي يوليو الماضي علّق سعيّد عمل البرلمان، وأقال رئيس الوزراء، وقال لاحقا إنه يمكن أن يحكم البلاد بمراسيم رئاسية وإنه يعد دستورا جديدا يقول إنه سيطرحه للاستفتاء العام في الصيف.
ومع ذلك تخشى المنظمات الحقوقية من أن يمارس سعيّد سلطات استبدادية بشكل متزايد وأن خطوته الأخيرة لإخضاع القضاء لسيطرته تعني أنه سيكون صاحب سلطة مطلقة على جميع مؤسسات الدولة.
وأيضا حثت ميشال باشليت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان سعيّد على الرجوع عن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء، محذرة من أن حله “سيقوض حكم القانون بشكل خطير".
ودعت جمعية القضاة التونسيين الثلاثاء إلى التعليق التام للعمل بكافة محاكم الجمهورية يومي الأربعاء والخميس، معبّرة عن رفضها لقرار سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء. كما أعلنت الجمعية في صفحتها على فيسبوك عن تنظيم وقفة احتجاجية يوم الخميس أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء. في حين عبرت بعض الأحزاب عن رفضها لقرار سعيّد من بينها حركة النهضة وحزب العمال اليساري.
وجاء هذا التصعيد الداخلي والخارجي عقب يوم من تصريحات للرئيس التونسي حاول من خلالها طمأنة الرأي العام المحلي والدولي. وقال سعيّد خلال لقائه برئيسة الحكومة نجلاء بودن "لا أريد أن أجمع السلطات، أريد أن يكون هناك دستور نابع من إرادة شعبية"، معتبرا أنه "يجب أن يكون القضاء في مستوى المرحلة التاريخية". وأضاف "لا بد من تطهير البلاد الذي لن يتحقق إلا بقضاء عادل".
وتابع في كلمة نشرتها الرئاسة التونسية تعليقا على قراره حل المجلس الأعلى للقضاء أن "الواجب والمسؤولية اقتضيا أن يتم وضع حدّ للمهازل التي نستمع إليها، ومن يعتبر القضاء أداة لتحقيق مآربه الشخصية أو السياسية فليعلم أنه لن يتمكن من التسلل إلى قصور العدالة".
الرئيس التونسي تعهد بالحفاظ على الحقوق والحريات التي اكتسبها التونسيون بعد ثورة عام 2011 التي أطلقت الربيع العربي وحققت الديمقراطية لتونس
ودخل الرئيس التونسي في مواجهة مفتوحة مع القضاة بعد الخامس والعشرين من يوليو حيث طالب بتغيير قانون المجلس الأعلى للقضاء وبإصلاح هذا الجهاز ووجه إليه انتقادات تشكك في استقلالية السلطة القضائية.وأكد عميد المحامين التونسيين إبراهيم بودربالة الثلاثاء وجود تأثيرات حزبية على المجلس. وقال بودربالة في تصريحات صحافية إن هناك “تأثيرات حزبية ونفوذا مختلفا” داخل المجلس.
وأضاف أنهم يريدون مجلسا "يهدف إلى السمو بالعدالة والسهر على تطبيق القانون وحسن أداء القضاة".
وأوضح أن المحامين لم يطالبوا بإلغائه، وإنما تغيير تركيبته واختيار من يعملون على “حماية المؤسسة القضائية واتخاذ المواقف المناسبة في الأوقات المناسبة وليس العمل لأهداف انتخابية ولحساب المصالح الضيقة".
وأشار بودربالة إلى إمكانية صدور مرسوم رئاسي يتضمن "تركيبة مثلى" للمجلس، مشددا على ضرورة تشكيله من "قضاة نزهاء يتم اختيارهم على أسس سليمة". وتدعو الأطراف المساندة لخطوات الرئيس إلى إصلاح القضاء بضرورة بعث هيئة جديدة تحل محل المجلس.
وكان الأمين العام للتيار الشعبي دعا في تصريحات سابقة لـ"العرب" إلى أن تكون "الخطوة التالية هي إحداث هيئة مستقلة ووقتية تتألف من أطراف مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة وأن يكونوا بمنأى عن المحاصصة الحزبية".