محاولات سورية مضنية لإعادة تأهيل المصانع المتوقفة

تعكف الحكومة السورية على دراسة كيفية إعادة إحياء نشاط العشرات من المصانع بكامل محافظات البلاد في قطاعات مختلفة مثل الإسمنت والصناعات الغذائية ومواد التنظيف وغيرها، لا تمارس معظمها أي نشاط منذ سنوات طويلة جراء الحرب.
دمشق - كشفت وزارة الصناعة السورية أن العديد من العروض المقدمة تتم دراستها بالتنسيق مع المؤسسات والشركات والعارضين من أجل الوصول إلى عقود استثمار تفضي إلى إعادة تأهيل بعض الشركات المدمرة أو المتوقفة في القطاع العام.
وترى دمشق أن الحل الأنسب لتجاوز هذه العقبة المزمنة بالنظر إلى عدم توفر الموارد اللازمة لتنفيذ خططها هو جذب المستثمرين وعقد شراكات جديدة رغم القيود التي يفرضها قانون “قيصر” الأميركي.
ولكن المستثمرين قد يواجهون عراقيل كثيرة في طريق ضخ أموالهم في بلد تتسم بيئة الأعمال فيه بنوع من الضبابية وتوصف بأنها الأسوأ في المنطقة العربية بسبب مخلفات الحرب.
وتشكل مسألة مراجعة القوانين وإدخال إصلاحات جذرية رغم وجود قانون للاستثمار خطوة مهمة لمنح رجال الأعمال والمستثمرين المحليين على وجه التحديد ضمانات لتوطين الصناعة مجددا.
وأكد مدير التخطيط والتعاون الدولي في الوزارة مطيع الريم أن لجان الاستثمار الفرعية في المؤسسات ولجنة الاستثمار المركزية في الوزارة تعملان في الوقت الحاضر على هذا الملف.
وأوضح الريم في بيان أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية الأحد الماضي أن الوزارة تتابع العمل ضمن خطتها لتأهيل الشركات المتوقفة وإعادتها إلى العملية الإنتاجية.
ومن بين الكيانات المستهدفة شركة ألبان دمشق التي سيتم تأهيلها بقيمة 6 مليارات ليرة (428.5 ألف دولار) ليبلغ حجم إنتاجها السنوي نحو 60 طن من الحليب يوميا.
وإضافة إلى ذلك، هناك جهد مكثف من قبل السلطات لإعداد خطة لإعادة تشغيل شركة سار للمنظفات بطاقة إنتاجية تبلغ 10 آلاف طن سنويا.
وقال الريم “بعد صدور توصية اللجنة الاقتصادية بالموافقة على إعادة تأهيل شركة سار بدأ التنسيق على الفور مع هيئة التخطيط لإتمام العملية”.
وتهدف الخطة إلى إعادة تأهيل قسم إنتاج حمض السلفونيك، وهو المادة الأولية الأساسية المستخدمة في صناعة كل أنواع المنظفات.
وتتضمن الخطط أيضا شركات صناعة الإطارات بحماة وزجاج دمشق وبيرة بردى واليرموك للمعكرونة في درعا وشركة الكبريت وبردى للصناعات المعدنية وسيرونكس للصناعات الإلكترونية.
وتدرس الوزارة إضافة خط جديد بطاقة مليوني طن سنويا في شركة إسمنت عدرا، إضافة إلى تطوير الوحدة الاقتصادية التابعة لمؤسسة الإسمنت والشركة الوطنية للإسمنت في دمر، إلى جانب معمل إسمنت شيخ سعيد في حلب.
وأشار الريم إلى أنه تم تشكيل لجنة مركزية في وزارة الصناعة من الشركة والمؤسسة العامة للصناعات الغذائية والوزارة لمتابعة الملف، وأعدت خطة متكاملة للتأهيل تم من خلالها الإعلان عن جميع المشاريع اللازمة.
وبين مدير التخطيط والتعاون الدولي أن الوزارة تتابع تنفيذ العقود المبرمة مع القطاع الخاص لإعادة تأهيل وتشغيل الشركات المتوقفة وهي العربية لصناعة الإسمنت وسكر مسكنة وسكر الرقة وخميرة شبعا.
وكانت الصناعة قبل الحرب تسهم بنحو 23.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن اليوم بالكاد تصل مساهمتها إلى 14 في المئة.
وقدمت إعادة فتح مصنع للسكّر في محافظة حماة صيف 2022 دفعة إيجابية نادرة لصناعة تحاول النهوض من ركام الحرب التي شلت نشاطها وتسببت في ابتعاد الآلاف من العاملين عن خطوط الإنتاج.
وخلال موسم 2022 – 2023 قدمت الحكومة محفزات وتسهيلات للمزارعين للعودة إلى زراعة أراضيهم بمحصول الشوندر السكري، منها تخصيص 8 لترات مازوت (ديزل) بالسعر المدعوم وكميات من الأسمدة لكل دونم.
14
في المئة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي نزولا من 23.7 في المئة قبل الحرب
وتحوّلت سوريا إلى بلد مستورد بسبب الحرب التي أنهكتها ودمرت معظم القطاعات الإستراتيجية بعد أن كانت أحد أبرز المصدرين وخاصة في المجال الزراعي.
وبالنسبة لقطاع الإسمنت تسعى الحكومة إلى منح هذه الصناعة نفسا جديدا في سياق محاولاتها الشاقة إلى إعادة إحياء صناعتها التي أصابها الشلل بسبب ما خلفته سنوات الحرب من تحديات قد تحتاج إلى سنوات حتى يعود إلى ما كان عليه في السابق.
ويختزل هذا القطاع الأزمات الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد حيث تأثر من عمليات التدمير وعدم قدرة الحكومة على إيقاظه بسبب شح السيولة رغم تفاؤل المسؤولين بأنه بالإمكان التعويل على مساعدة المستثمرين للدخول في شراكات تعيد تأهيله مرة أخرى.
وشهدت صناعة الإسمنت تراجعا كبيرا خلال أعوام الحرب إذ تعرضت المصانع وخاصة بمحافظة حلب للتدمير واقتصر عمل مصانع القطاع الخاص على شركة إسمنت البادية والتي توقفت عن النشاط في العديد من المرات.
وتعمل معظم آلات وتجهيزات مصانع الإسمنت منذ ستينات القرن الماضي وأغلب معظم خطوط الإنتاج أصبحت قديمة واستمرارها بالإنتاج يتطلب مصاريف كبيرة، وهو ما يشكل بعدا إضافيا لعدم إمكانية دمشق إيقاظ هذا القطاع من سباته.
ومع ذلك، تبقى هذه الإنتاجية جيدة في نظر المسؤولين بالنظر للقيود المفروضة على الدولة بشأن حصولها على تمويلات خارجية بسبب العقوبات الأميركية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الشركات التابعة للمؤسسة الحكومية تنتج ما بين 10 آلاف و10.5 ألف طن من الإسمنت يوميا حسب الحالة الفنية للمصانع وهي تغطي ما بين 60 و65 في المئة من حاجة السوق في مناطق سيطرة النظام السوري.
وتبلغ حاجة السوق المحلية من الإسمنت بين 15 و20 مليون طن سنويا ولا ينتج منها حاليا سوى ما يقارب 4 ملايين طن في كلا القطاعين العام والخاص.
وتُظهر التقديرات أن تكلفة طن الإسمنت تصل إلى 110 دولارات، وهي من بين الأعلى في المنطقة، ولذا فالعاملون بالقطاع لن يتمكنوا من إعادة هدير المصانع بالشكل المطلوب إلا بدعم حكومي لخفض التكاليف وهو ما لا تقدر عليه دمشق.