محاولات خليجية متكررة للاستحواذ على هيرميس المصرية

تكررت محاولات الاستحواذ على المجموعة المالية هيرميس القابضة نحو 4 مرات خلال العقد الماضي، وباءت جميعها بالفشل للرفض من طرفها أو من جانب المؤسسات الراغبة في الشراء، في سابقة لم تحدث مع أي شركة مدرجة بالبورصة.
القاهرة – فتح سحب بنك أبوظبي الأول مؤخرا عرض الاستحواذ على حصة أغلبية في هيرميس، أكبر بنك استثماري بالشرق الأوسط، المجال لتكهنات بأنه ربما توجد تدخلات حكومية في الخفاء ترفض بيعها، خاصة مع التعاون والشراكة الأخيرة بين الطرفين.
وبدأت محاولات الاستحواذ على هيرميس منذ 2012 عندما عرضت بلانيت للاستثمار بقيادة رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الاستحواذ على كامل أسهم المجموعة التي رفضت العرض لعدم الجدية.
وفي مايو 2012 وقعت كيو إنفست شراكة عبر هيرميس الدوحة ولم تمنح الهيئة العامة للرقابة المالية الموافقة لمحدودية خبرة الشركة القطرية الناتجة عن الاندماج. وعاد ساويرس بعد عامين عبر إحدى شركاته الهولندية وطلب الاستحواذ على هيرميس، لكن بالتحالف مع بنك الاستثمار بلتون.

ياسر عمارة: عدم مساهمة الحكومة يمنعها من البيع بثمن بخس
وتقدم حينها بعرض لشراء 20 في المئة منها إلا أن التحالف رفض الصفقة بعد قيام مساهمي هيرميس ببيع عدد ضئيل من الأسهم لا يمثل نصف النسبة التي طلبها التحالف.
وكان آخر طلبات الاستحواذ عرض أبوظبي الأول في فبراير الماضي، لكن البنك سحب العرض غير الملزم بداعي حالة عدم الاستقرار المستمرة في الأسواق والاقتصادات العالمية.
ومن الناحية المالية يعد العرض الأخير غير جذاب لانخفاض القيمة الدفترية عن عروض سابقة مشابهة. ووفقا لأبحاث بنك الاستثمار أتش.سي فإن السعر المعروض بلغ 19 جنيها (أكثر بقليل من دولار) للسهم الواحد، ويعكس مضاعف ربحية ومضاعف قيمة دفترية متوقعين لعام 2021 عند 13.6 و1.25 مرة بالترتيب. وبالمقارنة مع عرض ساويرس 2014 بسعر 8.84 جنيه للسهم يعني مضاعف الربحية إلى 17.1 مرة ومضاعف القيمة الدفترية مرة واحدة.
وأوضحت أتش.سي أن المستشار المالي المستقل لهيرميس قام بتقييم السهم عند 12.7 جنيه للسهم أي بمضاعف ربحية للسهم في 2014 يبلغ 24.4 جنيه ومضاعف القيمة الدفترية 1.43 مرة. وبناء على ذلك نصحت إدارة هيرميس المساهمين بعدم قبول العرض.
وبالنظر إلى معاملات الاندماج والاستحواذ الأخرى المشابهة في 2021، استحوذ بنك أي.بي.سي البحريني على الوحدة المصرية لبنك بلوم بمضاعف القيمة الدفترية 1.4 مرة.
كما استحوذ بنك مصر على 90 في المئة من أسهم سي.آي كابيتال القابضة للاستثمارات المالية بمضاعف القيمة الدفترية 1.5 مرة، ومن هنا يبدو عرض أبوظبي الأول غير مربح.
ومضاعف الربحية هو رقم يتم حسابه بقسمة صافي أرباح الشركة على إجمالي عدد الأسهم ويعبر عن نصيب كل جنيه أو دولار يدفعه المساهم من الربحية، وكلما قل المضاعف كان العائد على الاستثمار أعلى.
أما مضاعفة القيمة الدفترية فتتعلق بقيمة الشركة وفقا للميزانية أو قيمتها بعد خصم الالتزامات من أصول الشركة، ويعني ذلك سعر السهم بالنسبة إلى القيمة الدفترية وكلما كان أقل من 3 مرات كلما كان ذلك أفضل في الاستثمار.
وبدأت تلوح في الأفق فشل إتمام صفقة أبوظبي الأول عندما أعلنت هيئة الرقابة بعد نحو أسبوع من العرض إضافتها فقرة لنص المادة الثامنة من ضوابط منح الترخيص واستمراره وقواعد تملك أسهم الشركات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية.
وتمثلت تلك الفقرة في “اشتراط الحصول على موافقة مسبقة من الهيئة أو مجلس إدارتها للقيام بعمليات الفحص النافي للجهالة لأي من الشركات العاملة بالأنشطة المالية غير المصرفية، وقبل المضي قدما نحو الاطلاع على البيانات والمعلومات الداخلية بتلك الشركات لاتخاذ قرار استثماري نهائي بشأنها”.

إيهاب سعيد: سحب أبوظبي الأول عرضه لعدم جدية الجهات الرقابية
ولم تعد هيرميس بنك استثمار خاص كما كانت في 2012 عندما بدأت طلبات شرائها، لكن باتت ذراعا استثمارية للدولة، ولو لم يتم الإعلان عن ذلك صراحة، لأنها الذراع الاستثمارية للصندوق السيادي، ويعتبرها الشريك الأهم في الترويج لبرنامج الطروحات الحكومية وجذب المستثمرين الأجانب نظرا لخبرات المجموعة وتعدد فروعها بالخارج.
كما أن أيمن سليمان الرئيس التنفيذي للصندوق هو في الأصل ابن هيرميس، إذ شغل فيها منصب نائب رئيس قطاع الاستثمار المباشر إذ لم يقدم الصندوق على الاستحواذ على بنك الاستثمار العربي العام الماضي، إلا بعد التحالف مع هيرميس.
وتمثل نسبة هيرميس الأغلبية في البنك الذي كان مملوكا للحكومة بمعدل 51 في المئة مقابل 25 في المئة للصندوق، واعتبرتها القاهرة أول عملية خصخصة ناجحة لبنك في السوق المحلية منذ عقد.
وقال إيهاب سعيد عضو مجلس إدارة البورصة المصرية سابقا إن “رفض عروض الاستحواذ خلال العقد الماضي أغلبها بسبب عدم جدية العروض والتقييمات”.
وأوضح لـ”العرب” أن أبوظبي الأول سحب عرضه لأنه لم يجد جدية من الجهات الرقابية، وأن الخطوة جاءت بسبب ظروف الاقتصاد العالمي حجة واهية.
وأشار إلى أن التأخر في هذا الرد لا يمثل صورة سلبية عن الاستثمار في مصر، لأن المستثمرين الأجانب اعتادوا على مثل هذه المواقف منذ سنوات خاصة عندما أوقفت الحكومة صفقة الاستحواذ على أوراسكوم تليكوم بحجة أنها لم تسدد الضرائب للدولة. ويرى خبراء أنه كان يمكن موافقة الجهات الرقابية على بيع جزء من هيرميس، لأن الحكومة باعت حصصها في البنوك الخاصة.
وأكدوا أن الصفقات الأخيرة التي عقدتها الحكومة مع أي.دي.كيو القابضة الإماراتية خاصة حصتها بالبنك التجاري الدولي المقدرة بنحو 912 مليون دولار لا تقل أهمية عن هيرميس، لكن عدم دخول سيولة خزينة الدولة من وراء بيع هذا الكيان قد يكون سببا في الاحتفاظ بها لخدمة خصخصة الشركات.
وأوضح ياسر عمارة خبير أسواق المال أن الاستحواذ على هيرميس لن يكون سهلا، باعتبارها تدير استثمارات متنوعة بين القطاع المالي المصرفي وغير المصرفي، كما أن الحكومة لا تملك نسبة فيها، لذلك هي بعيدة عن ضغوط البيع لضخ عملة أجنبية في البلاد.
وأشار لـ”العرب” إلى أنه لن يتم تقديم عرض شراء يتسم بالجدية لشراء هيرميس إلا بسعر مقبول يتم تحديده في المكاتب المغلقة قبل الإعلان الرسمي.
وأكد أن الجهات الرقابية لم ترض بصفقة أبوظبي الأول باعتبارها قيمة مبدئية بخسة، أما العروض غير الملزمة التي يتم البوح بها، وآخرها الخاص بالمصرف الإماراتي لا تشير إلى إجراء فحص ناف للجهالة أو تقييم السهم.
ويرى عمارة أنه على السلطات الرقابية إلغاء تلك العروض لأنها تؤثر سلبا على الأسهم في النهاية وتضر المستثمرين الأفراد، حيث ارتفع سعر هيرميس من 12 (0.65 دولار) إلى 26 جنيها (1.4 دولار) ثم هبط إلى 15 جنيها (0.82 دولار) بعد إعلان سحب العرض. وقال “يجب أن تُلزم الجهات الرقابية الشركات بتقديم العروض الملُزمة فقط بعد دراسة قيم الأسهم بشكل دقيق”.