محاكمة الجهاديين تفتح جراح ضحايا التطرف في مالي

رغم مساعي باريس إعادة الاستقرار في غرب أفريقيا إلا أنها أمام تحديات أمنية خطيرة في ظل عجزها عن إقناع واشنطن بالانخراط أكثر في محاربة الإرهاب بالساحل.
الأربعاء 2020/07/15
قلق أمني مستمر

لاهاي- ما زالت آثار الجماعات المتشددة في مدينة تمبكتو المالية عالقة لدى السكان، حيث أحيت محاكمة جهادي مالي أمام المحكمة الدولية في ذاكرتهم أبشع جرائم الحرب التي ارتكبها المتطرفون، وكانت دافعا لدول مثل فرنسا لتشكيل قوة برخان بهدف تطويق الإرهاب في غرب أفريقيا.

وارتكب رئيس شرطة الجهاديين في مالي “جرائم لا يمكن تصورها” خلال فترة حكم الجماعات المتشددة لمدينة تمبكتو، كما أبلغ ممثلو الادعاء المحكمة الجنائية الدولية في بداية محاكمته الثلاثاء.

وذكر الادعاء أنّ الحسن أغ عبدالعزيز أغ محمد البالغ 42 عاما، أشرف شخصيا على تنفيذ العقوبات الجسدية بما في ذلك عمليات البتر والجلد حين كانت المدينة المالية تحت سيطرة المسلحين الإسلاميين لمدة عام تقريبا منذ أوائل العام 2012.

ويواجه الحسن، الذي مثل أمام محكمة في لاهاي وهو يرتدي عمامة تقليدية ويضع كمامة للحماية من عدوى فايروس كورونا، اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والاغتصاب والاستعباد الجنسي.

دمر الجهاديون الأضرحة عندما سيطروا على المدينة عام 2012. وأعيد بناء مقابر تمبكتو بعد طرد الجهاديين، لكن المدينة لا تزال تعاني من انعدام الأمن

 وقام الجهاديون من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات أنصار الدين بتدمير أضرحة تمبكتو المشيدة منذ قرون، وهي مدينة توصف بأنها “جوهرة الصحراء”.

وقالت كبيرة المدعين بالمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا أمام هيئة المحاكمة “اليوم بداية المحاكمة التي طال انتظارها للجرائم التي لا يمكن تصورها والتي ارتكبت في مالي”.

وتابعت “كان الحسن متورطاً بشكل مباشر في أعمال العنف والتعذيب التي تعرض لها رجال ونساء وأطفال تمبكتو. لقد عمل في عمق نظام قمعي ومضطهد”.

وحسب المدعية فإنّ الحسن كان شخصية رئيسية في الشرطة الإسلامية ونظام المحاكم التي شكلها المتشددون بعدما استغلوا انتفاضة الطوارق العرقية في عام 2012 للاستيلاء على مدن في شمال مالي المضطرب.

وتابعت “إن تمبكتو جوهرة الصحراء التي كان سكانها يعيشون في سلام منذ سنوات، كانت تخضع لإملاءاتهم”، مضيفة أن هدف المسلحين “بث الخوف في نفوس الناس ونشر الرعب”.

وأوضحت بنسودا أنّ الحسن اعتقل أشخاصاً وأجرى تحقيقات تم خلالها تعذيب المشتبه بهم وأحال القضايا إلى المحكمة الإسلامية و“شارك شخصياً في تنفيذ الشرطة للعقاب البدني” بحق الضحايا.

وقالت إنها ستعرض على المحكمة مقطع فيديو يتم فيه بتر يد رجل في ساحة عامة أمام جميع سكان تمبكتو “بأبشع طريقة ممكنة وبسكين طويل”، مضيفة أنّ الحسن “سمح تماما بهذا التشويه الإجرامي والوحشي”. واتهمت المدعية المسلحين الإسلاميين أيضا بإجبار النساء والفتيات على الزواج من المسلحين.

الجهاديون ارتكبوا جرائم لا يمكن تصورها
الجهاديون ارتكبوا جرائم لا يمكن تصورها

والحسن هو ثاني متطرف إسلامي يواجه محاكمة في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة تدمير أضرحة تمبكتو، بعد صدور حكم بارز في القضية عام 2016 من محكمة جرائم الحرب الدائمة الوحيدة في العالم.

في القضية الأولى للمحكمة التي ركزت على التدمير الثقافي، دان قضاة المحكمة الجنائية الدولية أحمد الفقي المهدي بالسجن تسع سنوات بعدما وجدوه مذنبا بالإشراف على هجمات على تسعة أضرحة في تمبكتو المدرجة على لائحة التراث العالمي في اليونيسكو.

وأصبحت تمبكتو التي أسستها قبائل الطوارق بين القرنين الخامس والثاني عشر، وتدين بازدهارها لتجارة القوافل، مركزا إسلاميا ثقافيا كبيرا إبان القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

والشخصيات المدفونة في الأضرحة، تعطي تمبكتو لقبها “مدينة 333 وليا” يعتبرون كما يقول خبراء ماليون في الإسلام، حماة المدينة الذين يتم طلب شفاعتهم للزيجات وصلاة الاستسقاء ومحاربة المجاعة.

ودمر الجهاديون الأضرحة عندما سيطروا على المدينة عام 2012. وأعيد بناء مقابر تمبكتو بعد طرد الجهاديين، لكن المدينة لا تزال تعاني من انعدام الأمن وغياب السياح الذين نادرا ما يزورونها.

وما يعمق المخاوف تواصل التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل، وسبق أن حذر خبراء بأن داعش بدأ ينقل ثقله من ليبيا إلى دول الساحل الفقيرة والهشة أمنيا وعسكريا، بعدما تم القضاء على إمارته في مدينة سرت الليبية في 2016، وانهيار معاقله في العراق بعد سقوط إمارته في مدينة الموصل في يوليو 2017، ومقتل زعيمه أبوبكر البغدادي بسوريا في 2019، بعد القضاء على ما تبقى من إمارته في المشرق.

الحسن أغ عبدالعزيز أغ محمد، أشرف شخصيا على تنفيذ العقوبات الجسدية حين كانت مدينة تمبكتو تحت سيطرة الجهاديين

وعلى رغم مساعي فرنسا إعادة الاستقرار للمنطقة إلا أنها أمام تحديات أمنية خطيرة، في ظل عجزها عن إقناع واشنطن بالانخراط أكثر في الحرب على الإرهاب بالساحل.

وأشارت صحيفة صانداي تايمز البريطانية، إلى أن “منطقة الساحل الأفريقي تحولت إلى مستنقع” لفرنسا، تماما كما تحولت أفغانستان إلى مستنقع لبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم، إن منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، التي تضم مالي وعددا آخر من المستعمرات الفرنسية السابقة أصبحت “مستنقعا” لآلاف من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بقيادة فرنسا.

وعلى رغم الضغوط والتهديدات، تؤكد دول الساحل الخمس وفرنسا عن عزمها تعزيز المكاسب التي حقّقتها، على حدّ قولها ضدّ الجهاديين في الأشهر الأخيرة، معترفة في الوقت نفسه بأنّها تُواجه تحدّيات ضخمة قد تصعّب تحقيق هذا الأمر.

6